أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - ألكسندر دوغين - روسيا كانت معلّقة بخيط فوق الهاوية - بمناسبة عيد ميلاد بوتين















المزيد.....

ألكسندر دوغين - روسيا كانت معلّقة بخيط فوق الهاوية - بمناسبة عيد ميلاد بوتين


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8503 - 2025 / 10 / 22 - 12:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ألكسندر دوغين
فيلسوف روسي معاصر


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي


22 أكتوبر 2025


مقدمة: دوغين وبوتين في زمن القدر الروسي

منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، غدت شخصية فلاديمير بوتين في المخيلة الروسية أكثر من مجرد زعيم سياسي؛ إنها رمز لتجدّد الدولة وإستعادة القدر الإمبراطوري المفقود. هذا التصوّر، الذي صاغه الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين في مقالاته ومحاضراته، يبلغ ذروته في نصّه الصادر في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2025، حيث يحوّل يوم ميلاد بوتين إلى عيد وطني رمزي، يومٍ لنهضة الروح الروسية.
في هذا النص، لا يتحدث دوغين عن السياسة بالمعنى الإداري، بل عن الميتافيزيقا السياسية التي يرى فيها الزعيم مظهرًا لإرادة التاريخ. بوتين هنا ليس شخصًا، بل علامة من علامات المصير؛ الجسر بين ماضٍ جمهوريٍّ منكسر ومستقبلٍ إمبراطوريٍّ متوهّج.


أولاً: البرينتسبس – من روما إلى موسكو

يرتكز نص دوغين على مفهومٍ محوري هو «البرينتسبس» (Princeps)، أي «الأوّل بين المتساوين» في الفكر الروماني. هذا اللقب الذي حمله أغسطس قيصر كان يعني، في عمقه، السلطة التي تتجاوز الشكل الجمهوري دون أن تُعلن بعدُ نفسها إمبراطورية صريحة.
في نظر دوغين، روسيا في أواخر التسعينيات كانت تعيش وضعًا شبيهًا بروما قبيل التحوّل الإمبراطوري: دولة ممزّقة، بلا سيادة، تائهة بين رماد الثورة وفساد الجمهورية المنهارة. ومن هنا يأتي بوتين كـ برينتسبس روسي، لا ديكتاتورًا بل زعيمًا يمسك بخيوط الدولة ليحوّل الانقسام إلى وحدة، والفوضى إلى نظام، واليأس إلى معنى.
إنه ليس وريثًا، بل مُؤسِّس، يخلق السلطة من اللاسلطة، والكرامة من الانهيار.

في هذا السياق، يتبدّى بوتين عند دوغين "المبدأ الجامع" الذي يجسّد عبور روسيا من النظام الليبرالي التابع إلى مشروعها الإمبراطوري المستقل. البرينتسبس هنا ليس مجرد رئيس، بل وظيفة تاريخية مقدسة، كأنّ الروح الروسية قد اختارته ليعيد وصل ما انقطع.


ثانيًا: الجسدان الملكيان – إتحاد الإنسان والرمز

يستدعي دوغين نظرية العالِم الألماني إرنست كانتوروفيتش حول «الجسدين الملكيين»: جسد الحاكم البشري وجسده الرمزي بوصفه تجسيدًا للسلطة المقدسة. هذا التمييز بين الإنسان والوظيفة يجعل الحاكم كائنًا ذا طبيعتين، تمامًا كما في العقيدة المسيحية التي تجمع في المسيح بين الناسوت واللاهوت.

وفي بوتين، كما يرى دوغين، تتّحد هاتان الطبيعتان في تناغم نادر:
الإنسان فلاديمير بوتين الذي بدأ حياته في خدمة الدولة من المراتب الدنيا، والحاكم الذي صار يجسّد في ذاته حضور الأمة. هذا الإتحاد بين الشخص والرمز يمنح بوتين في نظر دوغين صفة «المخلّص السياسي»، لا بمعنى القداسة الدينية، بل بمعنى من أُوكل إليه أن يرفع روسيا من الحضيض إلى ذروة تاريخها.

ولعلّ ما يجعل هذه الرؤية أكثر عمقًا هو أن دوغين لا يتحدث عن الزعيم بوصفه فوق البشر، بل بوصفه مرآة للقدر القومي. فحين تتناغم إرادة الفرد مع روح التاريخ، كما يقول هيغل، تولد المرحلة التي يسمّيها دوغين «العصر البوتيني».


ثالثًا: بونتيفكس – باني الجسور المقدسة

يستعمل دوغين لقبًا آخر ذا جذورٍ كلاسيكية هو «البونتيفكس» (Pontifex)، أي باني الجسور. في روما القديمة، كان هذا اللقب يُطلق على الكهنة ثم على الأباطرة، إذ كان الجسر رمزًا لوصل الأرض بالسماء، والسياسة بالروح، والدولة بالمقدّس.
وبوتين في هذا المعنى هو البونتيفكس الروسي: الجسر بين جمهورية سقطت وإمبراطورية تقوم، بين ماضٍ بلا سيادة وحاضرٍ يستعيدها.

دوغين لا يرى في بوتين قائدًا تقنيًا للدولة، بل مهندسًا للقدر، يبني المعبر الذي ستعبر منه روسيا نحو هويتها الجديدة.
وهذا الجسر ليس مادّيًا، بل جسرٌ روحيّ–تاريخيّ، يُعاد على ضفّتيه تعريف مفهوم القوة ذاته: فالقوة هنا ليست عنفًا بل حفظٌ للجوهر، والسيادة ليست سيطرة بل إستعادة للمصير.


رابعًا: بوتين ورمز القدر الروسي

تتجلّى النغمة الأعمق في نص دوغين حين يصف روسيا بأنها كانت «معلّقة بخيط فوق الهاوية».
هنا تتحوّل السياسة إلى أسطورة خلاص، والزعيم إلى بطلٍ يقف على حافة الفناء لينقذ الأمة من السقوط في اللاوجود.
دوغين يكتب بلغةٍ نبوية تقريبًا: كأنّ التاريخ الروسي ليس سلسلة أحداث، بل نصٌّ مقدّس تُقرأ فيه العلامات، وبوتين هو إحدى تلك العلامات.

وحين يتحدّث عن «روسيا التي بدأت تفكّر من جديد في مكانها في التاريخ»، نسمع أصداء المدرسة الأوراسية التي تنتمي إليها فكرًا وروحًا: فروسيا ليست مجرّد دولة، بل حضارة مستقلّة، لا تُقاس بموازين الغرب بل بمعايير رسالتها الجغرافية والروحية في آن.
وبوتين، في هذا التصوّر، ليس مجرّد زعيمٍ وطني، بل وسيطٌ بين التاريخ والقدر، بين روسيا الأرضية وروسيا الميتافيزيقية التي تسعى إلى الظهور عبره.


خامسًا: الإنسانية داخل العظمة

يُصرّ دوغين في نهاية مقاله على أنّ بوتين «ليس قاسيًا، بل إنسانيٌّ ورحيم»، وهذه العبارة تبدو بسيطة، لكنها تكتسب معنى عميقًا في بنية النص.
فالعظمة عند دوغين لا تُقاس بكمية الدماء ولا بطول الإمبراطورية، بل بقدرة الزعيم على تحقيق الإنقاذ بلا عنفٍ زائد، وبالعدل لا بالرهبة.
ومن هنا يضع بوتين في مصافّ العظماء من القياصرة، لا لأنّه يشبههم في السلطان، بل لأنه يحقّق هدفهم الأسمى: إعادة الروح إلى الجسد الروسي.


خاتمة: الملاك ذو الإكليل الذهبي

في ختام نصّه، يخاطب دوغين بوتين بلغةٍ تشبه التبريكات الكنسية: «أهنّئ حاكمنا الأعلى، البرينتسبس الذي ينهض بروسيا من رُكوعها، بيوم ملاكه الحارس. فلْيكن لملاكِه إكليلٌ من ذهب!»


إنها ليست مجرّد تهنئة سياسية، بل مباركة رمزية تختزل رؤية دوغين كلها: الزعيم ككائنٍ يحمل في ذاته الملاك والتاريخ معًا، الفرد الذي غدا جسرًا بين زمنين، والوجه الذي تنعكس فيه إرادة الأمة.

من هنا يتحوّل السابع من أكتوبر، في فكر دوغين، إلى عيدٍ للهوية الروسية نفسها: يوم تُستعاد فيه فكرة الدولة المقدّسة، لا كإستبدادٍ دنيوي، بل كقدرٍ روحيٍّ يجمع الأرض بالسماء، والسياسة بالميتافيزيقا، والإنسان بالتاريخ.


خلاصة
دوغين في مقاله لا يكتب عن رجلٍ اسمه بوتين، بل عن رمزٍ اسمه روسيا.
وفي نظره، حين تتجسّد روسيا في إنسان، يصبح الإنسان نفسه لغة القدر.

*****


الهوامش: توضيح المفاهيم الرمزية والفلسفية

(1) البرينتسبس (Princeps):
مصطلحٌ سياسي روماني يعني «الأول بين المتساوين»، وهو اللقب الذي اتخذه أوغسطس قيصر مؤسس الإمبراطورية الرومانية. يجمع بين مظهر الحاكم الجمهوري وروح الإمبراطور، ويُعبّر عن السلطة التي تحافظ على الوحدة دون أن تُظهر طغيانها. يستعمله دوغين ليصف بوتين كزعيمٍ يُجسّد التحوّل من جمهوريةٍ منهارة إلى دولةٍ إمبراطورية جديدة.

(2) الجسدان الملكيان (The King’s Two Bodies):
مفهوم صاغه المؤرخ والفيلسوف الألماني إرنست كانتوروفيتش في كتابه الشهير الصادر عام 1957. يميّز بين «الجسد الطبيعي» للملك (الفاني) و«الجسد السياسي المقدّس» الذي يرمز إلى استمرار الدولة. يوظّف دوغين هذا المفهوم ليرى في بوتين اتحاد الإنسان الفرد مع رمز السلطة، بحيث تصبح شخصيته مرآةً للقدر القومي الروسي.

(3) البونتيفكس (Pontifex):
لفظة لاتينية تعني «باني الجسور»، كانت في الأصل لقبًا للكهنة الرومان ثم للأباطرة، ومن بعدها انتقل إلى بابا الكنيسة الكاثوليكية. الجسر هنا رمزٌ لربط العوالم: بين الإنسان والإله، أو بين الأرض والسماء. عند دوغين، يُصبح بوتين «بونتيفكس روسيا» أي الجسر الذي يصل بين ماضيها الجمهوري المتهالك ومستقبلها الإمبراطوري المتجدّد.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوفان الأقصى 746 - زيارة الشرع إلى موسكو: بين الواقعية الروس ...
- بعد سبعين عاماً... كواليس -الميدان الهنغاري- - كيف صُنعت إنت ...
- طوفان الأقصى 745 - بين ميونيخ 1938 وغزة 2025 - من إسترضاء هت ...
- ألكسندر دوغين يحذّر من الحرب الكبرى التي لا مفرّ منها - البش ...
- طوفان الأقصى 744 - «هل هو السلام في الشرق الأوسط أم السراب؟» ...
- ألكسندر دوغين: -بريغوجين: حقائق مجهولة عن حياة مؤسس فاغنر - ...
- طوفان الأقصى 743 - إتفاق غزة: «زفاف بلا عروسين» أم بداية لهد ...
- ألكسندر دوغين – ترامب: تفضلوا وحاربوا، أما أمريكا فلن تحارب. ...
- طوفان الأقصى 742 - إتفاق غزة: الورقة الأخيرة في لعبة ترامب و ...
- ألكسندر دوغين - -تخريبٌ أم جهلٌ أم تآمر؟ المسؤولون لم ينجحوا ...
- طوفان الأقصى 741 - «الجروح لا تزال تنزف»: خلفيات خطة ترامب ل ...
- طوفان الأقصى 740 - سلام ترامب الهش: كيف تلاشت صفقة غزة بين ا ...
- طوفان الأقصى 739 - بين هدنة معلّقة ودمٍ مؤجل: قراءة في مقالي ...
- طوفان الأقصى 738 - سوزانا تكاليك متهمة بأنها مكنت إسرائيل من ...
- طوفان الأقصى الأقصى 737 - الهدنة الغامضة في غزة: حين تتحول ا ...
- طوفان الأقصى 736 - السابع من أكتوبر... اليوم الذي أعاد تشكيل ...
- طوفان الأقصى 735 - حين يطلب الجلاد التعاطف: قراءة في خطاب كي ...
- طوفان الأقصى 734 - هل الطريق إلى نوبل يمر عبر تل أبيب أو مقر ...
- طوفان الأقصى 733 - مؤشرات إقتراب الهجوم على إيران
- طوفان الأقصى 732 - اللوبي الإسرائيلي يفقد سحره في واشنطن: رس ...


المزيد.....




- حادثة غير متوقعة.. نسر أصلع يعلق فجأة في شاحنة على طريق سريع ...
- فيديو يظهر لحظة إطلاق نار خارج مبنى البرلمان الصربي
- إردام أوزان يكتب: طاقة بلا ولاء.. الاستثمار والسلطة وسياسات ...
- شكران مرتجى تختار الغياب: لماذا يطالب سوريون بسحب جنسيتها؟
- غزة تدفن جثامين فلسطينيين أُعيدت من إسرائيل في ظل اتهامات با ...
- محكمة العدل الدولية: إسرائيل ملزمة بتلبية الاحتياجات الأساسي ...
- ما دور مصر وقطر في مستقبل غزة.. وشروط السعودية والإمارات؟
- تحت إشراف بوتين.. مناورات نووية استراتيجية في روسيا
- سرقة اللوفر.. مديرة المتحف تكشف -ثغرة صغيرة- استغلها اللصوص ...
- فيديو لمحتجين يحرقون سيارة شرطة خارج مركز لجوء في دبلن


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - ألكسندر دوغين - روسيا كانت معلّقة بخيط فوق الهاوية - بمناسبة عيد ميلاد بوتين