أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 744 - «هل هو السلام في الشرق الأوسط أم السراب؟» ترامب ونتنياهو بين وَهْم الصفقة وحقيقة الميدان















المزيد.....

طوفان الأقصى 744 - «هل هو السلام في الشرق الأوسط أم السراب؟» ترامب ونتنياهو بين وَهْم الصفقة وحقيقة الميدان


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8501 - 2025 / 10 / 20 - 00:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي


20 أكتوبر 2025

لم تمضِ سوى أيامٍ على إعلان «إتفاق غزة» حتى تهاوت أوهام الهدوء تحت دويّ الإنفجارات. ففي 18 أكتوبر، طالبت حركة حماس الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والوسطاء بمتابعة «التجاوزات الإسرائيلية الخطيرة» التي رافقت وقف إطلاق النار، بعدما قتلت إسرائيل أحد عشر مدنيًا من عائلة واحدة في غارة على شمال القطاع. وبعد أقل من أربعٍ وعشرين ساعة، عادت الطائرات الحربية لتقصف رفح وجباليا، فيما حذّرت منظمات الإغاثة من إنتشار ذخائر غير منفجرة في الأحياء المدمّرة.

وفي 19 أكتوبر، أكّد مصدر عسكري في جيش الاحتلال، عقب مشاورات مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أنّ «ضربات إضافية ضد حماس قادمة، هذا واضح»، وفق ما نقله موقع واينت. وقد أعلن الجيش أن مسلحين أطلقوا صواريخ مضادة للدبابات نحو قواته في رفح، وأن سلاح الجو ردّ بتدمير «أنفاق ومبانٍ عسكرية»، في ما وصفه المتحدث باسم الجيش بأنه «ردّ على إنتهاك صارخ لإتفاق وقف إطلاق النار». لكنّ الواقع على الأرض كان يعكس حقيقة مغايرة: تبادل للنيران، قصف متواصل من الجوّ والبحر، ووزير الحرب يسرائيل كاتس يغادر جلسة الحكومة على عجل للمشاركة في تقييم أمني حول إنهيار الهدنة.

هكذا، لم تحتج «صفقة ترامب–نتنياهو» سوى أسبوع واحد لتتكشّف هشاشتها. فما سُمّي إتفاق سلام تحوّل بسرعة إلى مجرد إستراحة نارية مؤقتة، سرعان ما إلتهمتها نيران الحرب القديمة. وبينما إكتفت واشنطن بدعواتٍ باهتة إلى «ضبط النفس من الطرفين»، بدا واضحًا أن السلام الذي وُعدت به غزة لم يكن سوى سرابٍ جديد في صحراء الوعود الأميركية المتكررة.


وإذا عدنا للوراء قليلاً، وإستنادًا إلى مقالتين نُشرتا في 13 أكتوبر 2025، الأولى للصحفي الدولي، الروسي سوري الأصل، عباس جمعة على موقع RT، والثانية للكاتب الروسي أوليغ إسايتشنكو في صحيفة فزغلياد الألكترونية، تتقاطع الرؤى حول سؤال واحد: هل ما يُسمّى بـ«إتفاق غزة» هو بالفعل خطوة نحو السلام، أم فصل جديد في وهمٍ أميركيٍّ ـ إسرائيليٍّ مكرّر؟

منذ أن أعاد دونالد ترامب الظهور على الساحة الدولية متحدثًا بثقة عن «خطة سلام كبرى» بين إسرائيل وحركة حماس، بدا أن التاريخ يعيد كتابة نفسه على نحو ساخر. فالرجل الذي رفع شعار «صفقة القرن» قبل أعوام، يعود اليوم متسلّحًا بالمنطق ذاته: القوة تفرض السلام، والمال يُعيد إعمار الأنقاض، بينما تُقصى القضايا الجوهرية إلى الهامش.
لكنّ الصحفي الروسي عباس جمعة يرى في تحليله أن ما يجري ليس إلا إعادة إنتاج لأسطورة السلام الأميركي، «سلامٌ يُصاغ في واشنطن وتل أبيب ويُفرض على غزة كما تُفرض العقوبات».
أما إسايتشنكو فيذهب أبعد من ذلك، معتبرًا أن الصفقة «تحمل في جيناتها بذور إنهيارها»، لأنّها تقوم على منطق التجميد لا الحل، وعلى تسكين مؤقت لا يعالج الجرح المفتوح منذ 1948.

تقدَّم الصفقة كأنها خارطة طريق «براغماتية»، تتحدث عن تبادل الأسرى وإعادة الإعمار وممرات إنسانية، لكنها تتجاهل الأسئلة التي تُبقي الشرق الأوسط في حالة غليان: الإحتلال، السيادة، والحقوق الوطنية. في هذا، يكتب جمعة: «من السهل على ترامب أن يتحدث عن وقف إطلاق النار، لكنه لا يجرؤ على لفظ كلمة الإحتلال، لأن ذلك يهدد حلفاءه في تل أبيب».
ف
بيد أنّ ما يصفه الكاتبان الروسيان بـ«السلام الهش» لا يجد ترجمة على الأرض. فحتى في لحظة الإعلان عنه، كانت القنابل ما تزال تتساقط على أطراف غزة، بينما ترفض إسرائيل وقف العمليات إلا بشروطها، فأمس تجددت الغارات على رفح. ومن ثمّ، كما يقول إسايتشنكو، «يتحوّل الإتفاق من مشروع سلام إلى أداة ضغط سياسي، هدفها إخضاع حماس لا إدماجها في عملية سياسية حقيقية».

الأدهى من ذلك أنّ الصفقة تُدار بمنطق الحملات الإنتخابية الأميركية أكثر مما تُدار بإعتبارات الأمن الإقليمي. فترامب الذي يسعى إلى إعادة تدوير صورته «كرجل الصفقات»، يحاول إقناع مواطنيه بأن الشرق الأوسط يمكن أن يُحلّ بمكالمات هاتفية وتفاهمات مع نتنياهو. لكنّ بانينا، الباحثة في معهد العلاقات الدولية، كانت قد حذّرت في مقالات سابقة من أن «كل إتفاق لا ينبع من توازن القوى على الأرض، محكوم عليه أن يتبخر عند أول إختبار ميداني».

تتغافل الصفقة عن جوهر المأساة الغزّية: شعب محاصر منذ عقدين، يُقدَّم له السلام كما تُقدَّم له المساعدات الإنسانية؛ مشروطة، مراقَبة، ومؤقتة. واللافت أنّ الخطاب الأميركي الجديد يتحدث عن «مستقبل غزة المزدهر» وكأنها كيان إقتصادي منفصل، لا جزء من قضية سياسية أوسع إسمها فلسطين.

يرى جمعة أنّ هذه المقاربة «تُعيد إنتاج المشروع الإسرائيلي القديم بفصل غزة عن الضفة، وإفراغ فكرة الدولة الفلسطينية من مضمونها». فبينما يتحدث ترامب عن «حلّ مبتكر»، يتحدث الفلسطينيون عن «تصفية هادئة» لقضيتهم. وما بين الخطابين، تترسخ معادلة مختلّة: تُمنح إسرائيل الأمن والشرعية، وتُمنح غزة هدنة مشروطة بقبول واقع الإحتلال.

في خلفية المشهد، لا يغيب دور نتنياهو الذي يوظّف الإتفاق كأداة للهروب من أزماته الداخلية. إذ يرى إسايتشنكو أن «كل تصعيد عسكري يخلق له فرصة جديدة لتأجيل محاكمته، وكل هدنة مؤقتة تمنحه مكسبًا دبلوماسيًا أمام الغرب». وهكذا يتحوّل السلام إلى ورقة مساومة بين زعيمين يستخدمان الشرق الأوسط كمنصة لتثبيت سلطتيهما: ترامب في واشنطن ونتنياهو في تل أبيب.

لكن التاريخ، كما يذكّرنا الكاتبان، لا يرحم المشاريع المعلّبة. فالإتفاقات التي لا تنبع من العدالة، سرعان ما تنهار. «إتفاق غزة»، بنظر جمعة، لا يختلف عن عشرات المبادرات التي سبقت أوسلو وبعدها: وعود كبيرة، صور مبتسمة، ثمّ عودة إلى دوامة النار.

في خاتمة مقاله، يكتب إسايتشنكو بنبرة لاذعة:
«كل سلامٍ لا يُعيد للفلسطيني كرامته، هو مجرد هدنة بين حربين».

وهكذا تبدو الصفقة الأخيرة مجرّد فصل جديد في رواية «السلام المستحيل»، حيث تتقاطع مصالح الأمريكان والطموحات الإسرائيلية مع واقعٍ فلسطينيٍّ يزداد مأساوية.
فما دام السلام يُكتب في العواصم البعيدة لا في خرائب غزة، سيظلّ ـ كما وصفه أحد المحللين الروس ـ «سرابًا يتلألأ في الأفق، كلما إقتربت منه إختفى».

*****

هوامش

1) عباس جمعة (Abbas Djuma) — صحفي ومحلل سياسي روسي من أصول سورية، يكتب في وسائل إعلام روسية مثل RT وسبوتنيك، ويُعرف بتحليلاته حول قضايا الشرق الأوسط والعلاقات الروسية–العربية.

2) أوليغ إسايتشنكو (Oleg Isaychenko) — كاتب ومحلل سياسي روسي ينشر مقالاته في صحيفة فزغلياد الإلكترونية، ويُعرف بقراءاته النقدية للسياسات الأميركية في الشرق الأوسط والعلاقات الروسية–الإسرائيلية.

3) صحيفة فزغلياد
منصة إخبارية وتحليلية روسية أُسست عام 2005، تُعرف بخطّها القومي المحافظ القريب من دوائر صنع القرار في موسكو، وتنشر تحليلات معمقة حول السياسة الروسية والدولية من منظور إستراتيجي روسي.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألكسندر دوغين: -بريغوجين: حقائق مجهولة عن حياة مؤسس فاغنر - ...
- طوفان الأقصى 743 - إتفاق غزة: «زفاف بلا عروسين» أم بداية لهد ...
- ألكسندر دوغين – ترامب: تفضلوا وحاربوا، أما أمريكا فلن تحارب. ...
- طوفان الأقصى 742 - إتفاق غزة: الورقة الأخيرة في لعبة ترامب و ...
- ألكسندر دوغين - -تخريبٌ أم جهلٌ أم تآمر؟ المسؤولون لم ينجحوا ...
- طوفان الأقصى 741 - «الجروح لا تزال تنزف»: خلفيات خطة ترامب ل ...
- طوفان الأقصى 740 - سلام ترامب الهش: كيف تلاشت صفقة غزة بين ا ...
- طوفان الأقصى 739 - بين هدنة معلّقة ودمٍ مؤجل: قراءة في مقالي ...
- طوفان الأقصى 738 - سوزانا تكاليك متهمة بأنها مكنت إسرائيل من ...
- طوفان الأقصى الأقصى 737 - الهدنة الغامضة في غزة: حين تتحول ا ...
- طوفان الأقصى 736 - السابع من أكتوبر... اليوم الذي أعاد تشكيل ...
- طوفان الأقصى 735 - حين يطلب الجلاد التعاطف: قراءة في خطاب كي ...
- طوفان الأقصى 734 - هل الطريق إلى نوبل يمر عبر تل أبيب أو مقر ...
- طوفان الأقصى 733 - مؤشرات إقتراب الهجوم على إيران
- طوفان الأقصى 732 - اللوبي الإسرائيلي يفقد سحره في واشنطن: رس ...
- طوفان الأقصى 731 - جردة حساب بعد عامين من حرب الإبادة - الأز ...
- حين خُدع غورباتشوف: كيف كانت «وحدة ألمانيا» فخًّا إستراتيجيا ...
- طوفان الأقصى 730 - حين يتكلم الضمير الأمريكي: ساكس وميرشايمر ...
- طوفان الأقصى 729 - خطة ترامب للسلام في غزة - ورؤى روسية متبا ...
- حين بيعت جمهورية بثمن ساندويش فلافل


المزيد.....




- إسرائيل تستأنف وقف إطلاق النار في غزة بعدما -انتهكته- حماس
- مقاومة و-برغماتية متأخرة-.. إيران على مفترق طرق
- إيطاليا: قتيلان وإنقاذ العشرات على متن مركب مهاجرين قبالة جز ...
- فايننشال تايمز: ترامب دعا زيلينسكي للقبول بشروط بوتين
- هل ينجح اتفاق الدوحة بإنهاء عقود من الصراع الحدودي بين أفغان ...
- هل تشير احتجاجات -لا ملوك- إلى أزمة شرعية في إدارة ترامب؟
- تحضيرات مصرية لاستضافة مؤتمر إعمار غزة
- عمر عبد المنان طبيب في بريطانيا يحمل على عاتقه قضية فلسطين
- ما فرص اتفاق الدوحة في وقف التصعيد العسكري بين كابل وإسلام آ ...
- هل ستنقل إسرائيل الحرب إلى سوريا؟


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 744 - «هل هو السلام في الشرق الأوسط أم السراب؟» ترامب ونتنياهو بين وَهْم الصفقة وحقيقة الميدان