أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 748 - الإعلام العربي في حرب الإبادة على غزة: حين صارت الكاميرا هدفًا















المزيد.....

طوفان الأقصى 748 - الإعلام العربي في حرب الإبادة على غزة: حين صارت الكاميرا هدفًا


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8505 - 2025 / 10 / 24 - 12:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل: د. زياد الزبيدي

24 أكتوبر 2025

كانت تلك المحطات تقطع البث الحي من غزة لتُطل علينا وجوه الناطقين باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي — الجيش نفسه الذي يقصف المدنيين، ويمنع عنهم الماء والدواء والغذاء، ويقترف مجازر إبادة جماعية موثقة بالصوت والصورة.
لم يكن أحد يجبرهم على ذلك. لم تكن هناك ضرورة مهنية ولا أخلاقية لنقل الأكاذيب المباشرة للقاتل، في اللحظة ذاتها التي تُنتزع فيها أنفاس الأطفال من تحت الركام.

الجزيرة نفسها، التي حملت في سنواتٍ سابقة راية الصوت الحر، بدت فجأة وكأنها تخضع لتحولٍ غامضٍ في خطّها التحريري، إذ بدأت تبث خطابات نتنياهو وكأنها بيانات رسمية من مؤسسة محترمة، فيما تحولت "العربية" و"الحدث" إلى أصداءٍ متطابقة مع روايات المتحدثين الإسرائيليين من أمثال أفيخاي أدرعي، في محاولاتٍ متكررةٍ لغسل صورة الجريمة تحت عنوان “التوازن المهني”.
أما “سكاي نيوز عربية”، فحدّث ولا حرج: حيادٌ باردٌ يُساوي بين الضحية والجلاد، بين الطفل المحترق بصاروخٍ وبين الطيار الذي ضغط الزر.

كانت هذه القنوات تمارس ما يمكن وصفه بـ”التطبيع البصري مع الجريمة”؛ إذ تتيح للمجرم مساحة بثٍّ مفتوحة، بينما تخنق صوت الضحية تحت ذرائع “التحقق من المصادر” أو “ضبط العاطفة”.
وهكذا، حين كانت غزة تُباد حيًّا أمام الكاميرات، كان الإعلام العربي الرسمي يُسهم بصمته وانتقائيته في صناعة مشهدٍ إعلاميٍ بلا ضمير.

ويحدث هذا كله بينما تفرض دول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، قيودًا صارمة على أي تحركٍ داعمٍ لفلسطين، فتمنع التظاهرات، وتلاحق الصحفيين المستقلين، وتحجب المنصات التي تنشر صور المجازر.
حتى بدا وكأن العالم بأسره يشارك في “تجريم التعاطف”، ويمنع الناس من رؤية ما لا يريد لهم أن يعرفوه.



إغتيال الصحافة في غزة

وفق أحدث بيانات لجنة حماية الصحفيين (CPJ)، حتى 24 تموز/يوليو 2025، تم توثيق مقتل 186 صحفيًا وعاملًا إعلاميًا منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، من بينهم 178 فلسطينيًا.
وتضيف مراسلون بلا حدود (RSF) أن العدد الحقيقي يتجاوز 200 صحفي، بينهم من استُهدف عمدًا أثناء أداء مهامه الميدانية.
تقول المنظمة في تقريرها الصادر في حزيران/يونيو 2025 إن “غزة تحوّلت إلى أخطر مكان في العالم لممارسة الصحافة”، مشيرةً إلى أن معظم الضحايا “قُتلوا بعد توثيقهم لجرائم ضد المدنيين”.
(CPJ – تموز 2025 / RSF – حزيران 2025)

ورغم هول الأرقام، لم تبادر أي قناة عربية كبرى إلى تخصيص تحقيقٍ جادٍّ واحدٍ عن “اغتيال الصحافة في غزة”، وكأن مقتل أكثر من مئتي شاهدٍ على الحقيقة لا يستحق ساعة بثٍّ واحدة.
إنه صمتٌ لا يُفسَّر إلا بالتواطؤ، أو بالخوف من قول ما يعرفه الجميع: أن الصورة باتت تقتل صاحبها، لا لأنها كاذبة، بل لأنها صادقة أكثر مما ينبغي.



حين صارت الكاميرا هدفًا

في هذا السياق، لا يمكن تجاهل استشهاد الصحفي والمصور الفلسطيني صالح الجعفراوي، أحد أبرز الوجوه الإعلامية في غزة، والذي تحوّل خلال عامين إلى رمزٍ عالميٍّ للصحافة الميدانية الإنسانية.
وُلد الجعفراوي في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1998، واشتهر بتوثيق الحياة اليومية تحت الحصار، ونقل معاناة المدنيين بعدسته إلى العالم.
تجاوز عدد متابعيه ثلاثة ملايين على “إنستغرام”، وأصبح مصدرًا رئيسيًا للمعلومات الميدانية خلال حرب الإبادة على غزة.

أُستهدف الجعفراوي بعد إدراجه في ما سمّته إسرائيل “النشرة الحمراء” — وهي قائمة تصفية سرية تضم الصحفيين والنشطاء الذين يوثّقون جرائم الحرب.
وفي يوم الأحد، 12 تشرين الأول/أكتوبر 2025، اغتيل في حي الصبرة بمدينة غزة على يد عصابةٍ مسلحةٍ مدعومة من قوات الاحتلال الإسرائيلي.
كان اغتياله رسالةً واضحة: أن من يكشف الجريمة يصبح جزءًا من الهدف.


عندما فشل الإعلام الغربي في الاختبار الأخير

استشهاد الجعفراوي لم يكن حادثًا معزولًا، بل مرآةً عكست انهيار المنظومة الإعلامية الغربية.
فبينما كانت عدسته تُظهر طفلةً تبحث عن أمها تحت الركام، كانت الشاشات الغربية مشغولةً بتكرار عبارة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وكأن الدفاع يعني الإبادة.
لقد اختُبر الإعلام الغربي في غزة كما اختُبر قبله في فيتنام وسراييفو والعراق، لكنه هذه المرة سقط سقوطًا مريعًا:
سقط حين قرّر أن يصمت أمام الإبادة،
وحين استبدل الحقيقة بالبيانات العسكرية،
وحين تجاهل مقتل الصحفيين رغم أن الأمم المتحدة وCPJ وRSF وثّقت الأسماء والتواريخ والجرائم.

في نيسان/أبريل 2024، ذكّرت الأمم المتحدة الحكومات الغربية بأن “استهداف الإعلاميين في غزة يتم بشكل متعمد وبمنهجية تشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني”، لكن لم يتحرك أحد.
وفي تموز/يوليو من العام نفسه، نشرت الغارديان تحقيقًا يؤكد أن معظم الشبكات الغربية تبث بيانات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دون تحقق ميداني.

وفي خطابه أمام منظمة الاتحاد اليهودي الأمريكي في نيويورك في كانون الأول/ديسمبر 2024، دعا بنيامين نتنياهو علنًا إلى “خوض حرب السردية”، مشددًا على ضرورة السيطرة على منصات تيك توك ومنصة X التي “تشكّل جبهة أخطر من الصواريخ”، على حدّ تعبيره.
ذلك التصريح لم يكن زلة لسان، بل إعلانًا واضحًا أن إسرائيل تعتبر الفضاء الرقمي ساحة قتالٍ لا تقل أهمية عن ساحة المعركة الميدانية. حديث نتنياهو يظهر أن المعركة الإعلامية ليست عَرَضًا بل جزء من الاستراتيجية الإسرائيلية الرسمية وتُدار بوعيٍ وبتخطيط سياسي من أعلى المستويات الإسرائيلية.


خلاصة: من يملك الصورة يملك الذاكرة

في النهاية، لم تكن حرب غزة معركة سلاحٍ فحسب، بل كانت معركة على الذاكرة.
من يملك الصورة يملك الرواية، ومن يملك الرواية يرسم التاريخ القادم.
ولهذا كان الإعلام الموجَّه أخطر من القنابل، لأنه لا يقتل الجسد بل يشوه الحقيقة.

لكن الكاميرا التي حملها صالح الجعفراوي، وكل هاتفٍ في يد شابٍ أو شابةٍ من غزة يوثّق لحظةَ ألمٍ أو نجاة، صارت اليوم جدار الذاكرة الأخير في وجه المحو.
إنهم لا يدافعون عن الحقيقة فقط، بل عن حقّنا جميعًا في أن نرى — في زمنٍ تُدار فيه الإبادة بغطاءٍ إعلاميٍّ ناعم.
ولعل هذا هو المعنى الأعمق لكل ما يجري:
أن الحقيقة، مهما خُنقت في الأستوديوهات، تجد دائمًا طريقها إلى الضوء — من بين الركام، ومن خلف العدسة، ومن ذاكرة الشعوب التي لم تعد تصدق الشاشات الكبرى.
“حين تُقتل الحقيقة بالكاميرا، تبقى الصورة آخر صلاةٍ للعالم”؟


*****

المراجع والتقارير الدولية (2023–2025)

لجنة حماية الصحفيين (CPJ) – Journalist casualties in the Israel–Gaza conflict, تموز/يوليو 2025
https://cpj.org/2025/01/journalist-casualties-in-the-israel-gaza-conflict

مراسلون بلا حدود (RSF) – Over 200 journalists killed in Gaza, حزيران/يونيو 2025
https://rsf.org/en/over-200-journalists-killed-gaza-rsf-joins-call-suspend-eu-israel-trade-partnership

الأمم المتحدة – المفوضية السامية لحقوق الإنسان، تقرير حول استهداف الإعلاميين في غزة، نيسان/أبريل 2024

The Guardian – How Western media echo Israel’s narrative in Gaza, تموز/يوليو 2024

خطاب بنيامين نتنياهو أمام UJA Federation of New York، 18 كانون الأول/ديسمبر 2024، منشور على القناة الرسمية لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشي غيفارا: الأسطورة التي لا تموت
- طوفان الأقصى 747 - القوة الناعمة الإسرائيلية: من كيان دولة ف ...
- ألكسندر دوغين - روسيا كانت معلّقة بخيط فوق الهاوية - بمناسبة ...
- طوفان الأقصى 746 - زيارة الشرع إلى موسكو: بين الواقعية الروس ...
- بعد سبعين عاماً... كواليس -الميدان الهنغاري- - كيف صُنعت إنت ...
- طوفان الأقصى 745 - بين ميونيخ 1938 وغزة 2025 - من إسترضاء هت ...
- ألكسندر دوغين يحذّر من الحرب الكبرى التي لا مفرّ منها - البش ...
- طوفان الأقصى 744 - «هل هو السلام في الشرق الأوسط أم السراب؟» ...
- ألكسندر دوغين: -بريغوجين: حقائق مجهولة عن حياة مؤسس فاغنر - ...
- طوفان الأقصى 743 - إتفاق غزة: «زفاف بلا عروسين» أم بداية لهد ...
- ألكسندر دوغين – ترامب: تفضلوا وحاربوا، أما أمريكا فلن تحارب. ...
- طوفان الأقصى 742 - إتفاق غزة: الورقة الأخيرة في لعبة ترامب و ...
- ألكسندر دوغين - -تخريبٌ أم جهلٌ أم تآمر؟ المسؤولون لم ينجحوا ...
- طوفان الأقصى 741 - «الجروح لا تزال تنزف»: خلفيات خطة ترامب ل ...
- طوفان الأقصى 740 - سلام ترامب الهش: كيف تلاشت صفقة غزة بين ا ...
- طوفان الأقصى 739 - بين هدنة معلّقة ودمٍ مؤجل: قراءة في مقالي ...
- طوفان الأقصى 738 - سوزانا تكاليك متهمة بأنها مكنت إسرائيل من ...
- طوفان الأقصى الأقصى 737 - الهدنة الغامضة في غزة: حين تتحول ا ...
- طوفان الأقصى 736 - السابع من أكتوبر... اليوم الذي أعاد تشكيل ...
- طوفان الأقصى 735 - حين يطلب الجلاد التعاطف: قراءة في خطاب كي ...


المزيد.....




- بينها الرباط.. ناشيونال جيوغرافيك تختار أجمل الوجهات للعام 2 ...
- البحرين تنشر مقطع فيديو من عمليات البحث عن مفقود وسط البحر
- نيرعوز: عائلات تدفن أحبائها وأخرى ما زالت تنتظر
- هل ستسلم حماس سلاحها؟ تجربة إيرلندا الشمالية ترسم ملامح -ال ...
- -قرض التعويضات- لأوكرانيا من الأموال الروسية المجمدة في أورو ...
- الدولي المغربي حكيم زياش ينضم إلى نادي الوداد الرياضي في صفق ...
- روبيو يزور إسرائيل وسط تحذير ترامب من فقدان الدعم الأمريكي ف ...
- حكم قضائي منتظر اليوم قد يطيح بزعيم المعارضة التركية أوزغور ...
- عاجل | مراسل الجزيرة: غارة من مسيرة إسرائيلية على سيارة في ب ...
- عائلات أرجنتينية تبيع ممتلكاتها في أسواق السلع المستعملة لتغ ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 748 - الإعلام العربي في حرب الإبادة على غزة: حين صارت الكاميرا هدفًا