أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 756 - غزة اليوم هي غيتو وارسو بالأمس














المزيد.....

طوفان الأقصى 756 - غزة اليوم هي غيتو وارسو بالأمس


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8513 - 2025 / 11 / 1 - 00:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

1 نوفمبر 2025


«غزة اليوم هي غيتو وارسو بالأمس» — هكذا صاغ الكاتب جون وايت في مقاله على منصة Medium في 22 آب/أغسطس 2025 صورته المكثفة، ليس كمجرد مقارنة تاريخية، بل كصرخة أخلاقية في وجه عالم نسِي أن المأساة لا تنتهي بموت الضحايا، بل تستمر حين يتحول ضحايا الأمس إلى جلّادين اليوم.
في كانون الثاني/يناير 1943، إنتفض يهود غيتو وارسو ضد آلة الإحتلال النازي، مسلحين ببنادق قديمة وإرادة لا تُقهر، مدركين أن الموت بشرف أفضل من حياة تحت الإذلال. كتب القائد مارك إدلمان: «نترك لكم أن لا يندثر ذكرهم». كانت إنتفاضة الغيتو فعلًا وجوديًا، وصوتًا خالدًا ضد الإبادة.
اليوم، غزة تعيش نسخة معاصرة من ذات المأساة، لكن بأبعاد أشد قسوة. الحصار مستمر منذ أكثر من 18 عامًا، وإرتفاع الكثافة السكانية يجعل كل قصف أشبه بإلتهام حي كامل. المدنيون يواجهون الموت يوميًا بلا حماية دولية، وسط صمت أو تواطؤ الدول الكبرى، التي تسلح إسرائيل وتغطي على جرائمها باسم “حق الدفاع عن النفس”.
الإنكار الأوروبي والتواطؤ الأخلاقي
في تصعيد نادر، وجّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نقدًا لاذعًا للمستشار الألماني أولاف شولتس، مستحضراً ذاكرتي المحرقة وغياب الضمير: ألمانيا، قال أردوغان، التي شهدت الإبادة الجماعية اليهودية في الحرب العالمية الثانية، باتت اليوم تتواطأ صامتة في إبادة الفلسطينيين عبر دعمها السياسي والعسكري لإسرائيل.
هذا الإتهام يجد صدى له في تقرير المقرّرة الأممية فرانشيسكا ألبانيزي، الذي كشف أن أكثر من 60 دولة — بما فيها القوى الغربية الكبرى — تشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في ما وصفه التقرير بـ«آلة الإبادة الجماعية»، من خلال السلاح، التمويل، والدعم الدبلوماسي. وبهذا يتقاطع الصوت التركي مع صوت القانون الدولي، ليكشف إزدواجية أخلاقية مروعة: ما تُبكيه أوروبا في وارسو، تُغض الطرف عنه في غزة.

مقارنة واقعية: من غيتو وارسو إلى غزة

في ذروة حصاره، ضمّ غيتو وارسو نحو 450 ألف شخص على مساحة 3.3 كيلومترات مربعة، أي بكثافة تصل إلى 135 ألف نسمة/كم². مات عشرات الآلاف جوعًا ومرضًا قبل التصفية النهائية خلال أسابيع.
أما غزة، فهي اليوم 2.3 مليون نسمة على مساحة 365 كيلومترًا مربعًا، بكثافة تصل إلى 6 آلاف نسمة/كم²، تحت حصار مستمر منذ 18 عامًا، بلا كهرباء، مياه صالحة للشرب، أو حرية تنقل. منذ أكتوبر 2023، دُمّرت أكثر من 70% من البنية التحتية، وهُجّر أكثر من 1.5 مليون شخص داخليًا، بينما يُقتل المدنيون تحت أعين العالم مباشرة، في زمن يُفترض فيه إحترام القانون الدولي.
هذه الأرقام تكشف أن غزة ليست مجرد غيتو معاصر، بل أشد وحشية، إذ تُستخدم التكنولوجيا الحديثة والتمويل الدولي في إبادة حيّة، كما لو أن التاريخ يعيد نفسه بطرق أكثر تطورًا وألمًا.

الذاكرة كعدالة مؤجلة

كتب فالتر بنيامين أن التاريخ لا يُروى فقط من منظور المنتصرين، بل يحمل نداء الصامتين الذين لم تُنصفهم العدالة. ومقاومة غزة ليست مجرد صراع سياسي، بل صراع على ذاكرة الإنسان نفسه: من يملك حق رواية التاريخ؟ ومن يُعرّف الضحية والجلاد؟
وذكّرتنا حنّة أرندت بأن الشرّ يصل إلى أقصى درجاته حين يُلغى الإنسان ويصبح مجرد رقم في آلة الحرب البيروقراطية، وهو ما نراه اليوم في غزة: القتل باسم القانون، والتبرير باسم الأمن.

خاتمة

بين وارسو 1943 وغزة 2025 يمتدّ خط واحد من القسوة، الحصار، والمقاومة. في الحالتين، واجه المحاصرون آلة عسكرية متفوقة، لكن التاريخ لن يرحم من يزوّر ذاكرته.
كلمات إدلمان تظل صالحة: «نترك لكم أن لا يندثر ذكرهم». واليوم يردّ أطفال غزة من تحت الركام:
«ونحن أيضًا لن نُمحى».

****"

هوامش

1) جون وايت
صحفي وكاتب بريطاني معروف بمقالاته التحليلية حول السياسة الدولية، خاصة الصراعات في الشرق الأوسط.
يركز في كتاباته على العدالة الإنسانية وانتقاد السياسات الغربية تجاه الصراعات والاحتلال.

2) منصة Medium
هي منصة نشر رقمية تمكّن الكتاب والصحفيين والمفكرين من نشر مقالاتهم مباشرة للجمهور دون وساطة دور نشر تقليدية.
تركّز على المحتوى التحليلي والفكري والأدبي، وتتيح للقراء التفاعل والمشاركة بسهولة.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوفان الأقصى 755 - غزة كما تراها روسيا: عن المعايير المزدوجة ...
- ألكسندر دوغين - السيادة والحرب
- طوفان الأقصى 754 - الإنسانية الإنتقائية: مقارنة بين حرب كوسو ...
- ألكسندر دوغين - السيادة الفلسفية أساس إستقلال الدولة
- طوفان الأقصى 753 - قبرص في لعبة الأمم
- طوفان الأقصى 752 - صحيفة ديلي ميل: من -فندق حماس- إلى نفي ال ...
- ألكسندر دوغين - اليابان “لنا”؟ موسكو أمام فرصة لإعادة ضبط ال ...
- طوفان الأقصى 751 - ميكو بيليد: ابن الجنرال الذي تمرّد على أس ...
- ألكسندر دوغين - الغرب المنقسم على ذاته: بين الليبرالية العال ...
- طوفان الأقصى 750 - روسيا وسوريا: ما هو الجديد؟
- ألكسندر دوغين – لروسيا أهداف جديدة في العملية العسكرية الخاص ...
- طوفان الأقصى 749 - بيني موريس والقضية الفلسطينية: من «المؤرخ ...
- طوفان الأقصى 748 - الإعلام العربي في حرب الإبادة على غزة: حي ...
- تشي غيفارا: الأسطورة التي لا تموت
- طوفان الأقصى 747 - القوة الناعمة الإسرائيلية: من كيان دولة ف ...
- ألكسندر دوغين - روسيا كانت معلّقة بخيط فوق الهاوية - بمناسبة ...
- طوفان الأقصى 746 - زيارة الشرع إلى موسكو: بين الواقعية الروس ...
- بعد سبعين عاماً... كواليس -الميدان الهنغاري- - كيف صُنعت إنت ...
- طوفان الأقصى 745 - بين ميونيخ 1938 وغزة 2025 - من إسترضاء هت ...
- ألكسندر دوغين يحذّر من الحرب الكبرى التي لا مفرّ منها - البش ...


المزيد.....




- -تجاوزت مليار دولار-.. الكشف عن معاملات مالية -مشبوهة- لجيفر ...
- قراءة أولية في خطاب العاهل المغربي بعد تصويت مجلس الأمن
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة وعبوة تستهدف جنوده شرق نابلس
- المعارضة بتنزانيا تتحدث عن مقتل المئات في احتجاجات على الانت ...
- الصين ترسل طاقما من 3 رواد إلى محطتها الفضائية
- مالي..-القاعدة- يشدد حصاره على العاصمة ويرتكب انتهاكات مروعة ...
- القصة الكاملة لسقوط الفاشر
- واشنطن تعلن دعمها رفع عقوبات قانون -قيصر- عن سوريا
- رئيس الأركان الأميركي يجري جولة استطلاعية بمروحية فوق غزة
- العاهل المغربي: أدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 756 - غزة اليوم هي غيتو وارسو بالأمس