أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 765 - النفط والماء... كيف تحاول تركيا ترسيخ أقدامها الإقتصادية في العراق؟















المزيد.....

طوفان الأقصى 765 - النفط والماء... كيف تحاول تركيا ترسيخ أقدامها الإقتصادية في العراق؟


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 00:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

10 نوفمبر 2025

مقدمة: بين أنابيب النفط ومجاري الأنهار

في مقاله التحليلي بعنوان «النفط والماء: تركيا تحاول ترسيخ وجودها الإقتصادي في العراق»، الصادر عن مؤسسة الثقافة الاستراتيجية في 30 أكتوبر 2025، يقدم الكاتب الروسي دميتري نيفيودوف قراءة دقيقة لمعادلة النفوذ التركي المتنامي في العراق، عبر محورين متوازيين: الطاقة والمياه. ويذهب الكاتب إلى أن أنقرة باتت تستخدم هذين الموردين بوصفهما أداتين ناعمتين لتحقيق أهداف إستراتيجية تتجاوز المصالح الإقتصادية إلى الهيمنة الإقليمية وإعادة رسم خريطة النفوذ في المشرق العربي.

يقول نيفيودوف في بداية مقاله: «تُعاد اليوم صياغة خريطة تصدير موارد الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، في ظل سعي تركيا إلى تثبيت حضورها الإقتصادي في العراق، عبر مشاريع الطاقة والمياه، بما يعزز نفوذها الإقليمي»، وهو ما يعكس الإطار العام الذي ينطلق منه التحليل: إقتصاد الطاقة بوصفه سلاحًا سياسيًا جديدًا في يد أنقرة.



أولاً: عودة شريان كركوك – بانياس – طرابلس

يتوقف نيفيودوف مطولًا عند الإتفاق العراقي – السوري – اللبناني لإعادة تشغيل خط النفط التاريخي الممتد من كركوك إلى موانئ طرطوس وبانياس، مع فرعٍ يصل إلى طرابلس اللبنانية. ويصف هذه الخطوة بأنها قادرة على «تغيير كبير في خريطة تصدير النفط بشرق المتوسط والمنطقة العربية».
الكاتب يوضح أن العمل الفني لإعادة تأهيل الخط سيبدأ في منتصف نوفمبر 2025، وأن بغداد ترى فيه وسيلة لـ«تنويع أسواق تصدير النفط وإستئناف الإمدادات عبر الأراضي السورية».

إن هذا الخط، الذي تعود جذوره إلى خمسينيات القرن الماضي، ظل متوقفًا عقودًا طويلة بسبب الحروب والخلافات السياسية، قبل أن يُدمّر جزئيًا خلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. ويشير نيفيودوف إلى أن «إعادة تشغيل هذا الخط ستتيح للعراق تصدير نفطه إلى أوروبا عبر مسار أكثر تنافسية من مسار كركوك – جيهان»، وهو تصريح بالغ الأهمية، لأنه يعني تراجع الإعتماد العراقي على تركيا كمنفذٍ وحيدٍ لصادراته النفطية الشمالية.


ثانيًا: أنقرة في مأزق "التحكيم الدولي"

لا يغفل الكاتب الإشارة إلى التوتر المزمن بين بغداد وأنقرة حول خط كركوك – جيهان، الذي توقف عن العمل في فبراير 2023 بعد الزلزال الكبير، ثم أوقفت تركيا الإستيراد في مارس إثر حكم محكمة التحكيم الدولية في باريس الذي أدانها لإنتهاكها إتفاق 2009 مع بغداد.
ويقول نيفيودوف: «أنقرة توقفت عن إستيراد النفط من شمال العراق بعد أن أقرت المحكمة الدولية بأن تركيا سمحت بتصدير النفط من كردستان دون موافقة بغداد».

هذه النقطة تكشف بوضوح الإزدواجية التركية: فمن جهة، تسعى أنقرة للظهور بمظهر الشريك الإقتصادي، ومن جهة أخرى، تستثمر في الخلافات الداخلية العراقية، وخصوصًا تلك القائمة بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان، للحفاظ على ورقة ضغطٍ جيوسياسيةٍ حساسة.


ثالثًا: الإحتلال الإقتصادي – العسكري

من أكثر مقاطع المقال لفتًا للنظر، ما أورده نيفيودوف عن الوجود العسكري التركي في شمال العراق. يقول بالحرف: «وفقًا لتحليل BBC، فإن تركيا ما تزال تسيطر فعليًا على أكثر من 2000 كيلومتر مربع من أراضي شمال العراق بفضل شبكة واسعة من القواعد العسكرية ومواقع المخابرات التي يصل عددها إلى 130 قاعدة».

ويضيف أن 90% من هذه القواعد أُنشئت بعد عام 2018، وأنها تنتشر على مقربة من مسار خط النفط كركوك – جيهان. وهذا الترابط الجغرافي بين البنية التحتية للطاقة والمواقع العسكرية التركية يكشف أن المسألة ليست أمنية بحتة، بل إقتصادية-إستراتيجية في جوهرها.

لقد تحول شمال العراق إلى منطقة نفوذ تركية مقنّعة، يجري فيها تثبيت بنية تحتية عسكرية ومدنية تركية ضخمة (طرق بطول 660 كم، منشآت لوجستية، نقاط مراقبة). وكأن أنقرة، كما يلمح نيفيودوف، تسعى إلى خلق «حزام أمني-اقتصادي» متصل من أراضيها إلى عمق العراق، يحمي مصالحها في مجال الطاقة ويمنحها أوراق ضغط مستقبلية.


---

رابعًا: البعد المائي – الوجه الآخر للهيمنة

في القسم الأخير من مقاله، ينتقل نيفيودوف من الحديث عن النفط إلى المياه، موضحًا أن تركيا لم تكتفِ بورقة الطاقة، بل تستخدم أيضًا ورقة الأنهار لتعزيز نفوذها في العراق.
يكتب: «تسعى تركيا إلى دعم حكومة محمد شياع السوداني التي تواجه تحديات خطيرة، من خلال زيادة تدفق مياه دجلة والفرات إلى العراق، في محاولة لتهدئة الغضب الشعبي المتصاعد في الجنوب بسبب نقص المياه».

لكن نيفيودوف لا يغفل التذكير بأن الأزمة المائية مصدرها الحقيقي هو بناء تركيا للسدود الضخمة على النهرين، وهو ما أدى إلى انخفاض منسوب المياه في العراق إلى «أدنى مستوى له منذ 80 عامًا». وقد بلغ مجموع المياه المخزنة في السدود العراقية «10 مليارات متر مكعب فقط»، وفق تقديراته.

ويرى الكاتب أن أنقرة تتقن اللعب بهذه الورقة الحساسة: فهي تُظهر تعاونًا ظاهريًا في ملف المياه، لكنها تستخدمه كأداة ضغط سياسي واقتصادي. بل إن تزامن هذه التحركات مع الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في نوفمبر 2025 يوحي – كما يقول نيفيودوف – بأن أنقرة «تدعم حكومة السوداني ظرفيًا، دون أن تمنحه ثقتها الكاملة».


---

خامسًا: الدبلوماسية متعددة الأبعاد

يربط الكاتب بين نشاط تركيا في مجال المياه والطاقة وبين استراتيجيتها الأوسع في المنطقة، مشيرًا إلى سلسلة من التطورات المهمة:

في مارس 2024، حظر العراق نشاط حزب العمال الكردستاني، استجابة لمطلب تركي قديم.

في أغسطس 2024، تم توقيع اتفاق للتعاون العسكري والأمني بين أنقرة وبغداد.

وفي مايو 2025، انضم العراق إلى آلية إقليمية خماسية بقيادة تركيا تضم لبنان وسوريا والأردن، تهدف إلى تنسيق السياسات الأمنية ومكافحة الإرهاب.


هذه التطورات – بحسب نيفيودوف – تؤكد أن تركيا لا تتحرك في فراغ، بل تنتهج سياسة منهجية تجمع بين الأمن والطاقة والمياه والدبلوماسية المتعددة الأطراف، لبناء نظام نفوذ إقليمي جديد تشكل فيه أنقرة المحور المركزي.


---

خاتمة: تركيا بين "أنبوب النفط" و"نهر السياسة"

يختم نيفيودوف مقاله بملاحظة لافتة، قائلاً: «رغم التصريحات الرسمية عن الصداقة بين بغداد وأنقرة، فإن دوائر القرار العراقية لم تعد تميل إلى منح الثقة الكاملة لتركيا، وتبحث عن تنويع مسارات تصدير النفط بعيدًا عن الإعتماد على الجار الشمالي وحده».

هذا الإقتباس الأخير يُلخّص جوهر التحليل: العراق بدأ يستشعر أن النفوذ التركي ليس شراكة تنموية، بل مشروع إحتواء إقتصادي وسياسي.
فالنفط الذي أرادت تركيا أن يكون جسرًا للتعاون، بات اليوم رمزًا لتنازع المصالح، والمياه التي عرضت أنقرة زيادتها للعراق تحوّلت إلى ورقة ضغط في لعبة معقدة من التوازنات الإقليمية.

وفي ضوء قراءة نيفيودوف، يمكن القول إن أنقرة تسعى إلى ما هو أبعد من «الإستقرار الإقتصادي» في جوارها الجنوبي: إنها تريد ترسيخ وجودها كقوة مهيمنة في قلب المشرق العربي، حيث تلتقي خطوط النفط بخطوط السياسة، وتصبح كل قطرة ماء أو برميل نفط جزءًا من إستراتيجية الهيمنة الصامتة.

*****

المرجع

1. دميتري نيفيودوف، «النفط والماء: تركيا تحاول ترسيخ وجودها الإقتصادي في العراق»، موقع مؤسسة الثقافة الاستراتيجية، 30 أكتوبر 2025.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 6 - الشرعية السي ...
- طوفان الأقصى 764 - واشنطن و«سوريا الجديدة»: بين إعادة التدوي ...
- بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 5 - ألكسندر سامس ...
- طوفان الأقصى 763 - غزة وأوشفيتز: وجهان لعملة تاريخية واحدة
- بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 4 - عشرة أيام هز ...
- طوفان الأقصى 762 - من الأسطورة إلى الإبادة: قراءة في كتاب «م ...
- بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 3 - مؤرخ روسي يق ...
- طوفان الأقصى 761 - إغتيال القذافي: جريمة العصر
- بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى - الجزء 2 - أكتوبر غيّ ...
- طوفان الأقصى 760 - إسرائيل تحت «القبّعة» الأميركية
- بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى 1 - أكتوبر العظيم
- طوفان الأقصى 759 - هل يستطيع العراق أن يحلّ محلّ سوريا في من ...
- ألكسندر دوغين - كيف تخطط روسيا لصدم الغرب؟
- طوفان الأقصى 758 - غزة: هذه الأرض النازفة – مراجعة لرواية جو ...
- ألكسندر دوغين: «توماهوك، المقامرة النووية، ووداع ترامب لأمري ...
- طوفان الأقصى 757 - لماذا يخاف ترامب من نتنياهو؟
- ألكسندر دوغين: الصراع الأوكراني أشعله دعاة العولمة؛ وروسيا، ...
- طوفان الأقصى 756 - غزة اليوم هي غيتو وارسو بالأمس
- طوفان الأقصى 755 - غزة كما تراها روسيا: عن المعايير المزدوجة ...
- ألكسندر دوغين - السيادة والحرب


المزيد.....




- من بينها مصر والمغرب: ما هي أفضل أماكن مشاهدة كسوف الشمس الق ...
- تقارير عن لقاء بين كوشنر وأبو شباب.. وواشنطن تنفي
- اتهامات بالتجارب النووية ترفع مستوى التوتر: روسيا تعلن استعد ...
- ملفات جيفري إبستين.. غيسلين ماكسويل تسعى لطلب تخفيف عقوبتها ...
- اقتراب أكبر حاملة طائرات من سواحل أميركا اللاتينية يثير توتر ...
- عكس التوقعات.. العراق ينتخب بمشاركة قياسية وسط تغيرات اقليمي ...
- الجفاف والحشرات الغازية يقوضان غابات الصنوبر التاريخية في لب ...
- حاملة طائرات أمريكية تصل أمريكا اللاتينية.. وفنزويلا تعلن عن ...
- ماكرون يؤكد لعباس أن ضم الضفة -خط أحمر-.. وتشكيل لجنة مشتركة ...
- شاهد: تحطم طائرة عسكرية تركية في جورجيا قرب الحدود الأذربيجا ...


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 765 - النفط والماء... كيف تحاول تركيا ترسيخ أقدامها الإقتصادية في العراق؟