أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 6 - الشرعية السياسية بين القيصر والكرملين: قراءة في تطور مفهوم السلطة في روسيا والإتحاد السوفياتي















المزيد.....

بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 6 - الشرعية السياسية بين القيصر والكرملين: قراءة في تطور مفهوم السلطة في روسيا والإتحاد السوفياتي


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8521 - 2025 / 11 / 9 - 17:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي


9 نوفمبر 2025

تُثير مسألة الشرعية السياسية في روسيا سؤالاً عميقاً عن طبيعة السلطة وكيفية قبولها في الوعي الجمعي الروسي عبر العصور، من زمن القياصرة حتى عهد فلاديمير بوتين. فالكاتب الروسي يوري كوزنيتسوف الذي يناقش في مقاله“دور مجالس السوفيات في إنهيار الإتحاد السوفياتي” يرى أن أصل الأزمة لم يكن في المؤسسات بقدر ما كان في غياب الشرعية، أي غياب ذلك الرابط النفسي والإجتماعي الذي يجعل الشعب يعترف بحق الحاكم في الحكم ويقبل بقوانينه طوعاً لا كرهاً.

من الشرعية الموروثة إلى القبول الشعبي

في روسيا القيصرية، كانت السلطة تقوم على مبدأٍ بسيط لكنه راسخ: الحق الإلهي في الحكم. كان القيصر هو “أب الأمة” وممثل الإرادة الإلهية على الأرض، وبالتالي فإن شرعيته لم تكن موضع تساؤل. حتى عندما قُتل بعض القياصرة أو أُزيحوا من السلطة، فإن خصومهم لم يطعنوا في أصل الشرعية نفسها، بل سعوا فقط إلى الإستحواذ على السلطة الشرعية القائمة.
ولذلك كانت مهنة “القيصر” من أخطر المهن في التاريخ: فقرابة ربع الحكام الروس أُزيحوا بالقوة أو أُعدموا، لكن أحداً لم يشكك في أن روسيا تحتاج إلى قيصر يحكمها.

الثورة والشرعية الجديدة

مع ثورة 1917، إنقلب ميزان المفهوم. فالبلاشفة الذين أطاحوا بالنظام الإمبراطوري لم يمتلكوا في البداية أدوات قانونية لتبرير سلطتهم، لكنهم إستندوا إلى شرعية رمزية – ثورية تمثلت في شخص فلاديمير لينين. لم يكن السؤال حينها: “بأي حق يحكم لينين؟” بل “هل سيقودنا إلى الخبز والسلام؟”.
تحولت الثورة إلى بديلٍ عن العقد الإجتماعي، وتحولت شخصية لينين إلى مصدر الشرعية العليا في وجدان الجماهير. لم يكن مهمًّا ما إذا كان رئيساً لمجلس مفوضي الشعب (أي رئيس الوزراء) أو زعيماً حزبياً؛ فالمسميات لم تكن تعني شيئاً أمام “الكاريزما الثورية” التي صاغت صورة “القيصر الأحمر”.

ستالين: الشرعية بالقوة والإنجاز

عندما خلفه جوزيف ستالين، ورث هذا الرصيد الرمزي وأضاف إليه عنصراً آخر: الشرعية البيروقراطية – الإنتاجية. فقد حوّل الحزب والدولة إلى آلة عملاقة تدين له بالولاء، وفرض إحترامه من خلال الإنتصارات الإقتصادية والعسكرية التي ربطت مصير الإتحاد السوفياتي بشخصه.
لكن غياب الآليات القانونية لتحديد شرعية السلطة أنتج صراعات دموية داخل النخبة، تُوِّجت بتصفية الخصوم في الثلاثينيات. كانت “الشرعية” تُحسم حينها بمن ينجو من الرصاص. فالحكم لم يكن نتاج إنتخابات أو مؤسسات، بل نتيجة النجاة من الصراع الداخلي. هكذا تحولت السياسة إلى ساحة بقاء، لا إلى منظومة تداول.

من خروتشوف إلى بريجنيف: شرعية تآكلت

بعد وفاة ستالين، برزت أزمة الشرعية مجدداً. فنيكيتا خروتشوف لم يكن بطلاً ثورياً من الصف الأول، ولا صاحب مجد حربي إستثنائي. لذلك بدت سلطته في أعين كثيرين مفروضة من فوق، لا من الشعب. ومع مرور الوقت، أصبح الحكم في عهد بريجنيف بيروقراطياً متخشباً، وفقدت الدولة تلك “الهالة المقدسة” التي أحاطت بالزعماء السابقين.
تحولت النكات السياسية في المقاهي والمصانع إلى مؤشر على التآكل الرمزي للسلطة. فحين يسخر الشعب من حاكمه، تكون الشرعية قد بدأت تتبخر. ومع نهاية السبعينيات، كانت الفجوة بين الحزب والمجتمع قد بلغت ذروتها.

غورباتشوف والبحث عن شرعية مفقودة

حين جاء ميخائيل غورباتشوف إلى الكرملين، أدرك أن النظام السوفياتي لم يعد يملك شرعية حقيقية. الحزب الحاكم لم يعد موضع ثقة، والشعب لم يعد يرى في القيادات الحزبية سوى طبقة مغلقة تعيد إنتاج نفسها. لذلك قرر أن يفتح الباب أمام انتخابات حقيقية لمجالس السوفيات، في محاولة يائسة لإستعادة الشرعية عبر “إصلاح سياسي من الداخل”.

لكن النتيجة جاءت معاكسة: فقد أدت الإنتخابات التعددية إلى تفجّر التناقضات المكبوتة داخل المجتمع، وصعود طبقة من المثقفين الليبراليين الذين حملوا لواء النقد ضد الحزب والدولة معاً. كانت النية إعادة الشرعية، فإذا بها تفتح الباب لإنهيارها الكامل. لقد حاول غورباتشوف أن “يُنقّي الشرعية”، فإنتهى إلى تفكيك الأساس الذي تقوم عليه السلطة كلها.

من فوضى التسعينيات إلى عودة “الشرعية الشخصية”

مع سقوط الإتحاد السوفياتي، عانت روسيا من فراغ شرعي غير مسبوق. فسلطة بوريس يلتسين لم تكن مدعومة إلا بالإنتخابات الشكلية ووعود الإقتصاد الحر، لكن الدولة نفسها كانت على وشك التفكك. لم يعد الشعب يرى في الكرملين مركزاً للقوة، بل موطناً للفساد والفوضى.
ثم جاء فلاديمير بوتين في مطلع الألفية ليعيد صياغة مفهوم الشرعية من جديد، على النمط الروسي التقليدي: شرعية الإستقرار والهيبة. لم يكن بوتين وريث ثورة، ولا زعيم حزب جماهيري، لكنه أعاد إلى الدولة “وجهها الإمبراطوري” المفقود. ومع الوقت، صار إسمه ذاته مرادفاً للدولة. حتى أن الروس يقولون اليوم مازحين: “أيٌّ كان الرئيس في روسيا، ما دام إسمه بوتين”.

الشرعية في مرآة التاريخ

يخلص التحليل الروسي إلى أن الشرعية في الوعي السياسي الروسي ليست قانوناً بقدر ما هي شعور جمعي بالثقة والهيبة. الشعب الروسي لا يقيس الحاكم بعدد الأصوات، بل بقدرته على الحفاظ على وحدة البلاد ومنع الفوضى. لذلك يمكن لحاكم أن يحكم لعقود دون أن تُثار ضده ثورة، ما دام يُشعر الناس بأن الدولة قوية وتحت السيطرة.
وحين تغيب هذه الثقة، كما حدث في الثمانينيات، تبدأ شرارة الإنهيار مهما بلغت صلابة الأجهزة أو كثافة الشعارات الأيديولوجية.

بين موسكو وكييف: مفارقة الشرعية

وفي خاتمة النص الروسي، يلمّح الكاتب إلى المفارقة بين التجربتين الروسية والأوكرانية، حيث يرى أن أوكرانيا تعاني من نقيض المشكلة الروسية: فبينما يبالغ الروس في تقديس السلطة، يميل الأوكرانيون إلى رفضها وعدم الإعتراف بها منذ لحظة إنتخابها. وهو رأي مثير للجدل لكنه يعكس إختلافًا عميقاً في البنية الثقافية والسياسية بين الشعبين: أحدهما يرى الدولة كقيمة عليا، والآخر كعبء يجب التحرر منه.

خاتمة

إن دراسة تطور مفهوم الشرعية في روسيا والإتحاد السوفياتي تكشف أن المشكلة المركزية في التاريخ الروسي ليست الإستبداد بحد ذاته، بل غياب آليات متفق عليها لتجديد الشرعية. فعندما ترتكز السلطة على الشخصية لا على المؤسسة، تصبح الدولة رهينة بقاء الحاكم لا بقوة القانون.
ولهذا، من القيصر إلى ستالين، ومن غورباتشوف إلى بوتين، ظلّ سؤال الشرعية يتكرر في أشكال مختلفة، لكن جوهره واحد: هل تعترف روسيا بحاكمها لأنها تحبه، أم لأنها تخاف من غيابه؟

*****

المرجع:

مقال نشر بتاريخ 29 أكتوبر 2025 تحت عنوان: «شرعية السلطة في روسيا والإتحاد السوفياتي» على منصة Aftershock.news، وهي منصة روسية مستقلة أسسها ناشطون إقتصاديون ومحللون في مطلع الألفية الثانية، تُنشر فيها مقالات وتحليلات سياسية وإقتصادية وإجتماعية من منظور قومي روسي وإنتقادي للغرب.
تُعد منبرًا مفتوحًا يشارك فيه كتّاب بأسماء مستعارة، وتجمع بين الطابع الإخباري والمنتدى الحواري.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوفان الأقصى 764 - واشنطن و«سوريا الجديدة»: بين إعادة التدوي ...
- بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 5 - ألكسندر سامس ...
- طوفان الأقصى 763 - غزة وأوشفيتز: وجهان لعملة تاريخية واحدة
- بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 4 - عشرة أيام هز ...
- طوفان الأقصى 762 - من الأسطورة إلى الإبادة: قراءة في كتاب «م ...
- بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 3 - مؤرخ روسي يق ...
- طوفان الأقصى 761 - إغتيال القذافي: جريمة العصر
- بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى - الجزء 2 - أكتوبر غيّ ...
- طوفان الأقصى 760 - إسرائيل تحت «القبّعة» الأميركية
- بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى 1 - أكتوبر العظيم
- طوفان الأقصى 759 - هل يستطيع العراق أن يحلّ محلّ سوريا في من ...
- ألكسندر دوغين - كيف تخطط روسيا لصدم الغرب؟
- طوفان الأقصى 758 - غزة: هذه الأرض النازفة – مراجعة لرواية جو ...
- ألكسندر دوغين: «توماهوك، المقامرة النووية، ووداع ترامب لأمري ...
- طوفان الأقصى 757 - لماذا يخاف ترامب من نتنياهو؟
- ألكسندر دوغين: الصراع الأوكراني أشعله دعاة العولمة؛ وروسيا، ...
- طوفان الأقصى 756 - غزة اليوم هي غيتو وارسو بالأمس
- طوفان الأقصى 755 - غزة كما تراها روسيا: عن المعايير المزدوجة ...
- ألكسندر دوغين - السيادة والحرب
- طوفان الأقصى 754 - الإنسانية الإنتقائية: مقارنة بين حرب كوسو ...


المزيد.....




- بيان للخارجية المصرية وسط تقارير عن اختطاف 3 مصريين في مالي ...
- غاز الميثان.. خطر خفي يهدد كوكبنا!
- هبوط تسع طائرات كويتية اضطراريا بمطار البصرة.. والسبب؟
- صفقة تسلا التريليونية لماسك تشعل الجدل على منصات التواصل
- باكستان تبدي استعدادها للتحاور مع أفغانستان بعد فشل المفاوضا ...
- الحكومة الإسرائيلية: لن يتم نشر أي جنود أتراك بغزة
- المغرب والجزائر.. جذور الأزمة وسبل المصالحة
- صحف عالمية: مهمة مستحيلة لتأمين غزة ومسؤولية أميركية عن فظائ ...
- باستثناء فئة واحدة.. ترامب يعتزم دفع 2000 دولار لكل أميركي
- غراهام: لا سلام في الشرق الأوسط طالما بقيت حماس مسلحة


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 6 - الشرعية السياسية بين القيصر والكرملين: قراءة في تطور مفهوم السلطة في روسيا والإتحاد السوفياتي