|
|
ألكسندر دوغين - تصاعد الخطاب المعادي لإسرائيل في الولايات المتحدة: قراءة في خلفيات التحوّل وحدوده
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8534 - 2025 / 11 / 22 - 11:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
طوفان الأقصى 777
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي
22 نوفمبر 2025
في حديث ناريّ لا يخلو من التحذيرات الثقيلة، قدّم المفكر والفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين رؤية تصعيدية لمسار الأحداث الدولية، خلال مقابلة مطوّلة مع راديو سبوتنيك في برنامج «إسكالاتسيا» بتاريخ 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2025. بدا دوغين وكأنه يعلن، بلا مواربة، أن النظام العالمي القديم يتداعى تحت وقع أزمات لا يمكن إحتواؤها. ومنذ اللحظات الأولى للمقابلة، أثار إنتباه المستمعين بقوله إن العالم يقف على «عتبة إنفجار تاريخي»، وأن الغرب «لم يعد قادرًا على التحكم بالرواية أو بالواقع». بهذا المدخل الحاد، رسم دوغين إطارًا عامًا لفهم ما يراه «منعطفًا وجوديًا» في السياسة الدولية، مؤكدًا أن الأحداث المتلاحقة ليست مجرّد تغيرات عابرة، بل «تحوّل جذري يطيح بكل قواعد اللعبة».
أولًا: واشنطن… ونقطة اللاعودة
في الجزء الأول من المقابلة، ركّز دوغين على بنية الولايات المتحدة الداخلية، محذرًا من أن أمريكا فقدت القدرة على لعب دور الضامن للنظام الدولي. يقول دوغين إن «واشنطن دخلت مرحلة الإنقسام العمودي»، حيث لم يعد الصراع بين الحزبين، بل بين «مشروعين وجوديين» أحدهما قومي–محافظ، والآخر ليبرالي–عولمي أو عولماتي. ويحذّر دوغين بلهجة قاطعة: «إذا إنفجرت التناقضات في الداخل الأمريكي، فلن يبقى أحد في العالم بمنأى عن الشظايا». ويرى أن الولايات المتحدة تدرك هذا الإنهيار البطيء، لذا تحاول نقل مركز الصراع إلى الخارج. وبحسب تعبيره: «عندما تشعر الإمبراطوريات ببدء تفسّخها الداخلي، تبدأ بالبحث عن حروب خارجية. هذه قاعدة تاريخية». هنا يربط دوغين بين التصعيد الأمريكي العالمي وبين حاجة واشنطن إلى «تفريغ الضغط» عبر أزمات خارجية، خصوصًا في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية والكاريبي وإفريقيا.
ثانيًا: إسرائيل أمام موجة غير مسبوقة من الرفض العالمي
واحدة من النقاط الأكثر حساسية في الحوار كانت حول موقع إسرائيل في المشهد الدولي، والذي وصفه دوغين بأنه «يتغير بسرعة لم تشهدها العقود الماضية». يحذّر دوغين قائلاً: «هناك موجة عالمية ضد إسرائيل تتشكل خارج السيطرة، وهي موجة ليست سياسية فقط، بل ثقافية ومدنية». الأمر اللافت في هذا الجزء من المقابلة هو أن دوغين لم يقدّم نقدًا مباشرًا لإسرائيل، بل ركّز على «تحوّل المزاج العالمي» تجاهها. وإعتبر أن ما يجري في الجامعات الغربية ليس تفصيلًا عابرًا، بل مؤشرًا على تغيّر عميق في بنية الرأي العام. ويضيف: «للمرة الأولى منذ عقود، تجد تل أبيب نفسها في قلب عاصفة أخلاقية وفكرية، وليست في قلب صراع جيوسياسي فحسب». ثم يذهب لأبعد من ذلك بالقول إن إسرائيل باتت ترى في هذا التحول «تهديدًا إستراتيجيًا وجوديًا»، وليس مجرد أزمة إعلامية.
ثالثًا: نتنياهو… وحرب السيطرة على السردية
يتوقف دوغين مطولًا عند الخطاب الأخير لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤكدًا أن تطرّقه لموضوع «العاصفة المعادية للسامية» في الولايات المتحدة ليس صدفة. ويعلّق دوغين بلهجة درامية: «عندما يخرج نتنياهو ليحذر الأمريكيين من موجة معاداة السامية، فهذا يعني أن إسرائيل نفسها فقدت السيطرة على السردية داخل أهم ساحاتها الإستراتيجية». ويرى أن خطوة تل أبيب الساعية لشراء منصة «تيك توك» عبر مجموعات مؤيدة لإسرائيل ليست سوى محاولة «لإعادة إنتاج السيطرة الرقمية»، بعد أن تحولت المنصة إلى إحدى الساحات التي «لم تعد إسرائيل قادرة على ضبط توجهاتها». ويحذّر دوغين بشدة: «عندما تسعى دولة إلى شراء منصة تواصل عملاقة بهدف تغيير المزاج الشعبي، فهذا دليل على شعورها بالتهديد وليس على قوتها». ويضيف أن إسرائيل «إقتنعت أن الجبهة الرقمية باتت أخطر من الجبهات العسكرية»، خصوصًا مع تحول الشباب الأمريكي إلى «قوة رأي عام لا يمكن التلاعب به بسهولة».
رابعًا: الغرب يفقد الهيمنة على الرموز والمعاني
في جزء آخر بالغ الأهمية، يطرح دوغين فكرة أن الغرب لم يعُد مهيمناً على «الرموز والمعاني» في الخطاب العالمي. يقول: «الهيمنة ليست دبابات وطائرات فقط. الهيمنة هي قدرة على تحديد ما هو الصواب والخطأ، من هو الضحية ومن هو الجلاد، ما هو المبدأ وما هي الإستثناءات». ويضيف محذرًا: «اليوم، هذه القدرة تتفلت من يد الغرب. لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية». ضمن هذا التحليل، يضع دوغين صعود الصين، روسيا، والفاعلين الجدد – مثل الحركات الشعبية في الغرب نفسه – ضمن سياق «إنهيار البنية الرمزية» التي إحتكرها الغرب لعقود. وأشار إلى أن «الجيل الشاب في الغرب لم يعد يقبل الروايات الرسمية»، معتبرًا أن ما يحدث هو «زلزال ثقافي». ويقول بحدة: «إنتهى الزمن الذي كانت فيه واشنطن قادرة على أن تقول للعالم من هو الظالم ومن هو البريء».
خامسًا: الشرق الأوسط… البركان المفتوح
عند الإنتقال إلى الشأن الشرق أوسطي، يتحدث دوغين عن «عودة النار إلى مركز اللعبة»، مشيرًا إلى أن المنطقة أصبحت نقطة الإلتقاء بين الأزمات الأمريكية–الإسرائيلية، وبين صعود عالم متعدد الأقطاب. ويحذّر بشدة: «الشرق الأوسط عاد ليكون ساحة تحديد مصير النظام العالمي. هنا ستتقرر معالم القرن الحادي والعشرين». وفق دوغين، تصاعد الأحداث ليس معزولًا، بل «مرتبط عضوياً» بالتوتر الأمريكي الداخلي، وبمحاولة واشنطن الحفاظ على مكانتها عبر دعم غير محدود لإسرائيل، رغم تداعيات ذلك على صورتها العالمية. ويضيف: «كلما ضعفت شرعية واشنطن الأخلاقية عالميًا، إزدادت حاجتها إلى دعم تل أبيب، وكلما إزداد إعتماد إسرائيل على أمريكا، إزداد الضغط الشعبي على واشنطن. إنها دائرة مغلقة ومرعبة».
سادسًا: التحوّل في الشارع الأمريكي… الزلزال القادم
من أكثر النقاط التي شدّد عليها دوغين كانت علاقة إسرائيل بالمجتمع الأمريكي، خصوصًا الشباب. يقول: «الجيل الجديد في أمريكا هو الأكثر تمردًا على السرديات الرسمية في التاريخ الأمريكي الحديث». ويضيف محذرًا: «إذا خسر الغرب الجيل الشاب، فهو يخسر المستقبل كله». يرى دوغين أن الجامعات الأمريكية أصبحت «مسرحًا لثورة ثقافية مكتومة» قد تنفجر في أي لحظة، وأن محاولة تكميمها عبر قرارات حكومية لن تنجح، لأنها «موجة ليست سياسية بل حضارية».
سابعًا: أين تتجه إسرائيل؟
يستعيد دوغين في الجزء الختامي من المقابلة مسألة «قلق تل أبيب من التحولات العالمية»، مؤكدًا أن هذا القلق يأخذ طابعًا «وجوديًا» وليس مجرد خلاف سياسي. ويحذّر: «إسرائيل تدرك أن العالم يتغير بطريقة لا يمكن التحكم بها، ولذلك تتحرك بعصبية غير مسبوقة». ثم يضيف: «ما يحرك إسرائيل اليوم ليس القوة كما يتوهم البعض، بل الخوف». ويرى أن تل أبيب تعتقد أنها تستطيع إدارة الرأي العام العالمي عبر الأدوات التقليدية، لكن «الواقع الجديد ينسف هذه القاعدة». ويقول: «لم تعُد البيانات الرسمية تكفي. ولم تعد المنصات الكبيرة تطيع. ولم تعد الجامعات تُدار بالريموت. اللعبة تغيّرت». ويصل إلى جملة مفصلية: «إنّ ما يحدث داخل المجتمع الأمريكي هو العامل الأكثر خطورة على مستقبل إسرائيل».
خاتمة: العالم يدخل زمن المفاجآت الكبرى
يختتم دوغين تحليله بإطلاق تحذير نهائي، لا يخلو من نبرة صدامية: «نحن نعيش في زمن تسقط فيه الأقنعة. لم يعد ممكنًا إخفاء الحقائق. كل مشروع لا يستند إلى قوة أخلاقية وثقافية سوف ينهار، مهما إمتلك من المال والسلاح والتكنولوجيا». ثم يرفع مستوى التحذير إلى ذروته قائلًا: «العالم يتغير بسرعة أكبر مما تتغير حكوماته. ومن لا يقرأ اللحظة جيدًا… ستبتلعه الأحداث». بهذه الخاتمة النارية، ينهي دوغين أحد أكثر تحليلاته درامية وإثارة للجدل، تاركًا سؤالًا مفتوحًا أمام القارئ: هل نحن أمام بداية نهاية النظام العالمي القديم، أم أمام بداية الفوضى الكبرى التي ستولد نظامًا جديدًا بالكامل؟ الأسابيع المقبلة قد تجيب… لكنها بالتأكيد لن تكون هادئة.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألكسندر دوغين - ماغا MAGA والصليب في زمن “السلام الكاذب”
-
طوفان الأقصى 776 - واشنطن – تل أبيب: ترامب يطلب العفو عن نتن
...
-
طوفان الأقصى 775 - غزة بين الخطة الأمريكية والإعتراضات الإقل
...
-
ألكسندر دوغين - لماذا تحتاج روسيا إلى إنترنت سيادي؟
-
طوفان الأقصى 774 - مراجعة لكتاب الغد كان بالأمس - 3-3
-
طوفان الأقصى 773 - مراجعة لكتاب الغد كان بالأمس - الجزء 2-3
-
طوفان الأقصى 772 - مراجعة لكتاب -الغد كان بالأمس: الحياة وال
...
-
طوفان الأقصى 771 - تغيّر بوصلة الغضب في الشرق الأوسط: قراءة
...
-
طوفان الأقصى 770 - السلام في الشرق الأوسط وممر النقل العابر
...
-
طوفان الأقصى 769 - خطوة إلى الأمام... خطوتان إلى الوراء: قرا
...
-
طوفان الأقصى 768 - إيران وتوقيت العودة إلى التخصيب: إستراتيج
...
-
طوفان الأقصى 767 - حرب متعددة الأبعاد: كيف يستخدم نتنياهو ال
...
-
طوفان الأقصى 766 - نتنياهو يزرع الفوضى... في بحثٍ محموم عن ح
...
-
بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 7 والأخير - لماذ
...
-
طوفان الأقصى 765 - النفط والماء... كيف تحاول تركيا ترسيخ أقد
...
-
بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 6 - الشرعية السي
...
-
طوفان الأقصى 764 - واشنطن و«سوريا الجديدة»: بين إعادة التدوي
...
-
بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 5 - ألكسندر سامس
...
-
طوفان الأقصى 763 - غزة وأوشفيتز: وجهان لعملة تاريخية واحدة
-
بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 4 - عشرة أيام هز
...
المزيد.....
-
تركيا.. زواج محارم سبب بناء مدينة بودروم.. هذه قصة أحد عجائب
...
-
بلجيكا تقع في المحظور.. برطمانات الكاربونارا في متجر البرلما
...
-
بعد مهلة ترامب.. زيلينسكي يعلق على خطة الـ28 نقطة لوقف حرب ر
...
-
شاهد مزحة ترامب بلقاء ممداني بعد وصف الأخير له بـ-الفاشي-
-
تحت وقع خلافات بالجملة ـ قمة مجموعة العشرين تنطلق في البرازي
...
-
قمة العشرين: ألمانيا تسعى لتعزيز التقارب مع البرازيل والمكسي
...
-
العالم يعيد رسم خرائطه: ماذا يعني غياب الثلاثة الكبار عن مجم
...
-
كييف تبحث مع الأوروبيين مقترح السلام الأمريكي فيما أعلنت موس
...
-
الاحتلال يداهم مناطق بالضفة والمستوطنون يحرقون منشأة زراعية
...
-
أوكرانيا تبحث الخطة الأميركية مع الأوروبيين وترامب يمهلها حت
...
المزيد.....
-
اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات،
...
/ رياض الشرايطي
-
رواية
/ رانية مرجية
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
المزيد.....
|