أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - صرخة لم تُدفن: ماذا يعني أن تكون نزار بنات؟














المزيد.....

صرخة لم تُدفن: ماذا يعني أن تكون نزار بنات؟


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 03:15
المحور: القضية الفلسطينية
    


في حكايةٍ تبدو عابرة عن ديكٍ صمتَ إلى الأبد، تتخفّى مأساةٌ يعرفها كلُّ من عاش في أرضٍ اعتادت أن تُسكت الصوت قبل أن تُصغي إليه. لم يكن الديك مذنباً حين أيقظ الجيران، ولم يكن صوته اعتداءً، بل كان تذكيراً بأن النهار قادم، لكن أحداً لم يحتمل الحقيقة، فاختاروا ذبحه كي يبقى الليلُ ساكناً كما يشتهون.

عندها أدركتُ، كما أدرك كثيرون عبر التاريخ، أن كلَّ من يحاول إيقاظ الناس من سباتهم يجد أمامه من يستعدّ لقطع رأسه. فالطغاة يخشون الصرخة الصغيرة أكثر ممّا يخشون السلاح، ويخافون الكلمة الواضحة أكثر ممّا يخافون الجموع. فالكلمة حين تُقال بصدق تُصبح دقّةً حادّة في ليلٍ خانق… وهذا ما لا يريده الذين يقتاتون على النوم الطويل.

وفي عالمٍ يتداول فيه الناس أسماء الدجاج، ولا أحد يذكر الديك، تبدو المفارقة مريرة. فالناس يبحثون عمّن يملأ بطونهم، لا عمّن يوقظ عقولهم. يطاردون الخبز، ويهربون من الحقيقة، ويرغبون في حياةٍ بلا صراخ… حتى لو كان الصراخ دعوةً للاستيقاظ.

في فلسطين، تصبح الحكاية أكثر ألماً، فهذه الأرض تُدرك معنى الصوت الحرّ كما تُدرك ثمنه. وتعرف أن الاحتلال يكره الوعي أكثر ممّا يكره الحجارة، وأنه يخشى الكلمة التي تفضحه أكثر من الرصاصة التي تُطلق عليه. ولهذا ظلّت فلسطين تودّع عبر السنين "ديكتها" واحداً تلو الآخر… أصواتاً صافية كانت توقظها قبل أن يُسكتها الرصاص أو القمع أو الغدر.

ومن بين تلك الأصوات، يبقى صوت الشهيد نزار بنات علامةً فارقة في سجلّ الوعي الفلسطيني. رجلٌ لم يطلب إلا حق الناس في أن يعرفوا، وفي أن يقولوا ما يعرفون. كان ديكاً يصيح في زمنٍ يتقن النوم العميق. وحين علا صوته، ارتفعت أصوات أخرى تطالب بإسكاته. لم يحتملوه… فكان مصيره كمصير ذلك الديك الذي ضاق الجيران بصياحه.

لكن ما لم يفهمه مَن أرادوا إسكاتَه، هو أن صوت نزار لم يُدفن معه، وأن صرخته ما زالت تتردّد في كل مكان. لم يكن يملك سيفاً ولا حزباً ولا جداراً يحميه. كان يملك كلمة، والكلمة حين تولد من قلبٍ صادق تصبح أثقل من الرصاص، وأقوى من كل أدوات القمع. رفض أن يكون دجاجةً تُطعم الناس ما يريدون سماعه، وفضّل أن يكون ديكاً يوقظهم مما يريدون الهرب منه.

إن القضية الفلسطينية اليوم ليست بحاجة إلى مزيدٍ من "الدجاج" الذين يُغرقون المشهد بوعودٍ فارغة، بل إلى ديكةٍ توقظ العالم من غفوته. بحاجة إلى أصواتٍ لا تخاف أن تصرخ، ولا تهرب من الحقيقة، ولا تساوم على الوعي أو على حق الناس في المعرفة. فالقضية المحاصرة بالأسوار تحتاج إلى صوتٍ يتجاوزها، لا إلى صمتٍ يختبئ خلفها.

حين نكتب عن نزار بنات، فنحن لا نكتب عن رجلٍ غاب، بل عن معنى بقي. عن صرخة حاولوا ذبحها فارتفعت أعلى. عن ديكٍ أرادوا إسكاته فصار رمزاً. نكتب لأننا نؤمن أن في كل بيتٍ فلسطيني ديكاً صغيراً يكبر صوته يوماً بعد يوم… وأن كلَّ صوتٍ سيكبر ليوقظ من تبقّى من نيام هذا العصر.

وربما حين يأتي الفجر الكامل لفلسطين سندرك جميعاً أن المشكلة لم تكن يوماً في صياح الديك، بل في الذين أرادوا الليل طويلاً لا ينتهي.


* محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار الطرشان في فلسطين… وغزة وحدها تقول الحقيقة!
- جورج حبش… سيرةُ قائدٍ عصاميٍّ في زمنٍ يزدحمُ بالمُرتزقةِ!
- فلسطين.. حين يعلو الشعب على الرايات!
- ياسر عرفات... القائد الذي خانته البنادق التي صنعها!
- حينَ يبكِي التُّرابُ: مرثِيّةُ وطنٍ أَثقلتهُ الحُرُوبُ وتخلّ ...
- في غزة... هزيمةٌ مُذلّةٌ للمجتمع الدولي وحقوق الإنسان!
- غزة… وسام الحياة في زمن الخذلان!
- حين يُصبحُ الوطنُ قبراً
- كلّما عاهدوا عهداً... نبذه فريقٌ منهم!
- غزّة والفاشر.. وجهان لمأساةٍ واحدة!
- الخائن يُستَخدم ثم يُرمى: تأملات في زمن الانكسار الفلسطيني!
- غزة.. مرآة الكرامة في زمن التصفيق!
- غزّة... من قصف البيوت إلى قصف الحقيقة!
- المحررون خلف الأبواب المغلقة: خذلانٌ عربيّ يلاحق الأسرى بعد ...
- الشجاعة في غزة.. حين يصبح الخوف رفيقاً لا يفارق!
- الذين خانُوا غزّة... سقطُوا من ذاكرة الوطن!
- عبّود بطاح: الوجه الحيّ للمقاومة بعد حنظلة!
- لم تنتهِ الحكاية بعد.. غداً تطير العصافير يا غزة!
- غزّة... آخِرُ ما تبقّى من شرفِ الأُمّةِ!
- غزّة... حين تسقط الأقنعة!


المزيد.....




- النيابة الفرنسية تفتح تحقيقاً في اتهام لاعب تولوز بـ -إهانة ...
- هل يُسهم تدخل الرئيس الأمريكي في الأزمة السودانية بوضع نهاية ...
- -سيناريوهات- يناقش مستقبل -قانون قيصر- بشأن سوريا
- 3 سيناريوهات تحدد مصير -قانون قيصر- في الكونغرس الأميركي
- نتنياهو يشترط للانتقال إلى المرحلة الثانية ويتحدث عن القوة ا ...
- فيديو – فلسطينيون يشيّعون قتلى الغارات الإسرائيلية في غزة
- كييف تتسلم من واشنطن مشروع خطة لإنهاء الحرب.. وزيلينسكي يستع ...
- عقوبات أوروبية على المسؤول الثاني في قوات الدعم السريع بالسو ...
- فرنسا: تهديد عصابات المخدرات يوازي الإرهاب
- ماكرون - تبون: هل يتم اللقاء في قمة العشرين؟


المزيد.....

- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والموقف الصريح من الحق التاريخي ... / غازي الصوراني
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - صرخة لم تُدفن: ماذا يعني أن تكون نزار بنات؟