أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - الخائن يُستَخدم ثم يُرمى: تأملات في زمن الانكسار الفلسطيني!














المزيد.....

الخائن يُستَخدم ثم يُرمى: تأملات في زمن الانكسار الفلسطيني!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8513 - 2025 / 11 / 1 - 16:35
المحور: القضية الفلسطينية
    


تسيل الكلمات كالمطر فوق وجهٍ متعب. في شارعٍ لا يُرى منه إلا أطرافه، يقبع الناس على ركام بيوتهم، يفتّشون عن لقمةٍ تُحيي جوع أطفالهم، أو عن جَرّة ماءٍ تغسل وجه امرأةٍ أنهكها الحزن. وفي المقاهي التي ما زالت تحتفظ بندى الذاكرة، تُروى أحاديث عن قيمٍ تلاشت، وعن وعودٍ ذهبت مع أوّل ريحٍ عاصفة.

حين يسمع البعض أن زعيماً أجنبياً يطلب الإفراج عن رجلٍ محبوبٍ من الجماهير (مروان البرغوثي)، يتبدّد في قلوب أهلنا مزيجٌ من الأمل والألم.
الأمل، لأن صوتاً خارجياً يُفكّر بصوتٍ يشبه نبض الشارع الفلسطيني؛ والألم، لأن من كان يُفترض أن يقف في خندق الشعب، صار أداةً تُستَخدم ثم تُلقى.
تصريحاتٌ كهذه تُذكّرنا كيف أن السياسة الدولية تلعب دورها بدمٍ باردٍ على حساب حياة الناس.

أما غزة، فهي كتابٌ لم يُغلق بعد؛ فصولٌ من الجوع والبرد والمرض تُكتب كل صباح.
لم تعد الأخبار مجرّد أرقامٍ على الشاشات، بل أسماءُ أطفالٍ لم يعد لديهم موعدٌ مع المستقبل، وأمهاتٌ يفتقدن رائحة الخبز منذ زمنٍ طويل.
تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تصف واقعاً قاسياً: حصارٌ يمتدّ، واستجابةٌ إنسانية متقطّعة، ومؤشّراتُ مجاعةٍ وصلت إلى مستوياتٍ صادمةٍ في أجزاء من القطاع.
كل سطرٍ من هذه التقارير يُوجِع، لأنه يُقاس بدماء البشر ووجوههم.

وفي خلفية هذا الألم، ثمة مؤامرةٌ أكثر خفاءً وخطورةً: تآمرٌ صامتٌ من بعض أركان السلطة في رام الله، يظهر في فشلٍ إداري، وتواطؤٍ سياسي، وتراجعٍ عن الدفاع عن حقوق الناس خوفاً من مراكز النفوذ.
ليس جديداً أن تُوجَّه إلى القيادات اتهاماتٌ بالفساد والضعف، لكن الجديد هو أن هذا الانقسام الداخلي يطعن ظهر المنتصرين الحقيقيين، أولئك الذين يئنّون تحت وطأة الحصار والقصف والجوع.
عندما تهدر السلطة مصداقيتها أو تتورّط في حساباتٍ ضيّقة، فلا ترى معاناة المواطنين إلا كأرقامٍ على خريطةٍ، يصبح الغدر أعمق من أيّ عدوانٍ خارجي.

الصور الصغيرة تروي حكاياتٍ أعظم من أيّ تحليل:
طفلٌ يلعق بقايا عصيرٍ من علبةٍ مهشّمة، وزوجةٌ تبحث عن دواءٍ لزوجٍ في حالةٍ حرجة،
ونساءٌ يئنّ جسدُهنّ من التعب، لكن أعينهنّ ما زالت تحرس الأرض كما لو أنّها الوصية الأخيرة للحلم.
تلك الصور ترفع سؤالاً مُرّاً: كيف سيُحاسَب كلّ من باع الأمل أو استسلم أمام الضغوط الدولية أو المحلية؟ وكيف سيُعاقَب من خانوا شعبهم بتواطؤٍ صامتٍ أو فعلٍ مباشر؟

لا تُغرينا لحظاتُ الكلام في سياساتٍ بعيدة.
فحديثٌ عن إطلاق سراحٍ أو ترشيحٍ أو وساطةٍ، مهما حمل من نوايا إنسانية، لا يُعوّض أمّهاتٍ فقدن أبناءهنّ، ولا شبّاناً باتوا يرون في القنابل واقعهم اليومي بدلاً من أحلامهم.
لا يكفي أن تتناقل الصحف أن زعيماً يُفكّر في خطوةٍ رمزية، إن لم تُصاحبها خطواتٌ حقيقيةٌ لوقف المجاعة، وحماية المدنيين، وإعادة بناء مؤسّساتٍ فلسطينيةٍ شفافةٍ تُعنى بالناس لا بالمناصب.

وما يزيد الوجع أن كثيرين في رام الله نفسها يشعرون بأنّ قياداتهم اختارت مساراً يبعدها عن نبض الشارع.
الاتهامات ليست أخلاقيةً فحسب، بل سياسيةٌ بامتياز، إذ إنّ فشل القيادة أو تواطؤها مع ضغوطٍ خارجيةٍ أو داخليةٍ يُترجم إلى حياةٍ تُهدَر.
قد تبدو هذه الكلمات قاسية، لكن الذين يعيشون في غزة هم وحدهم من يملكون تصديقها أو نفيها؛ لأنّ حكمهم قائمٌ على الجوع والحزن والدموع.

وفي نهايةٍ حزينة، يبقى السؤال الذي لا يُجاب عنه بسهولة:
كيف نُعيدُ للوجوه عافيتها؟
كيف نُعيدُ للشعب قيادته التي تسمع له؟
كيف نُعيدُ للأرض كرامتها دون أن يكون ذلك وعداً يتلاشى عند أوّل اختبار؟
وربما الأشدّ ألماً: كيف نُعيدُ للذين خانوا أنفسهم مكاناً في ذاكرةٍ ترفض النسيان؟

هذا المقال لا يُقدّم حلّاً سحرياً، بل هو مرآةٌ مظلمة تُظهِر ما آل إليه الواقع من قهرٍ في غزة، وتلطّخِ سمعةٍ في رام الله، ولعبةٍ دوليةٍ تُستعمَل فيها الرموز وتُرمى عند أوّل انتهاء الغرض.
والدموع على هذه الأرض وحدها لا تكفي؛ فالمحاسبة الحقيقية، والعمل الصادق، واستعادة الثقة، هي ما قد يُحوّل هذا الحزن إلى بدايةٍ جديدة، ليست بالضرورة سعيدة، لكنها على الأقل عادلة.

محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة.. مرآة الكرامة في زمن التصفيق!
- غزّة... من قصف البيوت إلى قصف الحقيقة!
- المحررون خلف الأبواب المغلقة: خذلانٌ عربيّ يلاحق الأسرى بعد ...
- الشجاعة في غزة.. حين يصبح الخوف رفيقاً لا يفارق!
- الذين خانُوا غزّة... سقطُوا من ذاكرة الوطن!
- عبّود بطاح: الوجه الحيّ للمقاومة بعد حنظلة!
- لم تنتهِ الحكاية بعد.. غداً تطير العصافير يا غزة!
- غزّة... آخِرُ ما تبقّى من شرفِ الأُمّةِ!
- غزّة... حين تسقط الأقنعة!
- غزة تصرخ… وصمت الأخوة يقتلها!
- غزة… الجرح الذي يفضح إنسانيتنا!
- غزة لم تنكسر!
- غزة… المدينة التي نامت على رمادها وحدها!
- غزة… عنوان الصبر وشمس الكرامة
- المفاوض الفلسطيني بين الخيبة والإنصاف!
- مروان البرغوثي… القائد الذي لم تغب روحه عن الوطن!
- غزة... والخزي والعار لمن غاب حين وجب الحضور!
- غريتا... ضميرٌ يبحر نحو غزة حين خذلها العالم!
- يوميّات من القلب... حين يتحوّل الألم إلى إبداع!
- أبواب أغلقتها الأيام!


المزيد.....




- وزير خارجية عُمان: إسرائيل هي المصدر الرئيسي لغياب الأمن بال ...
- المتحف المصري الكبير... صرح ثقافي يروي تاريخ الحضارة الفرعون ...
- فرنسا: القضاء سيدرس طلب إخلاء سبيل ساركوزي في نوفمبر
- ترامب يبدي استعداده للإبقاء على تمويل برنامج الإعانات الغذائ ...
- أرقام جديدة عن ضحايا الإبادة والمصابين بالأمراض المزمنة في غ ...
- ظروف صعبة لنازحي الفاشر والدعم السريع تخطط للانسحاب من المدي ...
- بولس: خطاب العاهل المغربي كان حكيما لجهة مد اليد إلى الجزائر ...
- توم براك: على لبنان التقدم بسرعة بشأن حصر سلاح حزب الله
- غارات على غزة بعد إعلان إسرائيل تسلّمها جثثا لا تعود لرهائن ...
- افتتاح المتحف الكبير.. بداية حقبة جديدة في السياحة المصرية


المزيد.....

- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - الخائن يُستَخدم ثم يُرمى: تأملات في زمن الانكسار الفلسطيني!