محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 04:55
المحور:
الادب والفن
في كل قلبٍ منا بابٌ كان مفتوحاً، يقوده الأمل والحنين والثقة بلا حدود. ومع مرور الأيام، ومع كل جرح وكل خيبة، تُغلق الأبواب بهدوء، دون ضجيج، لتبقى خلفها مساحات صامتة نحاول فيها أن نجد سلامنا. لم يعد في العمر متسع لتجارب عبثية، ولم يعد القلب يحتمل من لا يعرف كيف يبقى. هنا، حيث يلتقي الحزن بالهدوء، نصبح أكثر حكمة… وأكثر حذراً.
يصل الإنسان في مرحلةٍ من عمره إلى نقطةٍ صامتة، لا يعلنها لأحد، لكنها تُغيّر كل شيء. مرحلة يُدرك فيها أن عمره ليس واسعاً بما يكفي لكل هذا الخذلان، ولا طويلاً بما يسمح بتجارب عبثية جديدة، ولا مرناً كما كان حين كان يُسامح بسهولة ويبدأ من جديد في كل مرة.
في الماضي، كنا نُرحّب بالجميع. نفتح الأبواب دون حذر، ونُعطي بلا حساب، ونُبرّر جراحنا باسم الطيبة أو الحب أو الأمل في أن يتغير الآخر. كنا نُخطئ، لكننا كنّا نملك وقتاً لنُصلح، وقلوباً لم تتعب بعد. أما الآن… فقد صار القلب هشّاً، والخيبة ثقيلة، والعمر يركض كما لو أنه يخشى أن يُفلّت منا دون أن نجد فيه سكينة.
لم يعد في العمر متسع لمزيد من الأشخاص الخطأ؛
لأن كل علاقة خاطئة تسرق جزءاً من سلامنا، وكل وعد كاذب يضيف طبقة جديدة من الصمت داخلنا.
نحن لا نكره أحداً، ولا نحمل ضغينة، لكننا تعلّمنا أن نختصر الطريق نحو الهدوء، أن نُغلق الأبواب برفق، وأن نُحب من بعيد فقط أولئك الذين لا يُحسنون البقاء.
إننا لا نبحث عن الكمال، بل عن الصدق.
عن وجودٍ لا يُرهقنا تفسيره، ولا يُشبه امتحاناً يومياً في الاحتمال.
عن أشخاصٍ لا يُشعلون فينا قلق الغياب، ولا يجعلوننا نندم على أننا فتحنا قلوبنا مرة أخرى.
العمر لم يعد كما كان، والروح لم تعد كما كانت.
لهذا نختار العزلة أحياناً، لا هروباً من الناس، بل حفاظاً على ما تبقّى فينا من سلام.
فبعض الصمت، أصدق من كثيرٍ من الكلام، وبعض الغياب، أرحم من حضورٍ باهتٍ يؤلم.
وفي النهاية، نتعلّم أن بعض الأبواب تُغلق ليس لتمنعنا من الآخرين، بل لتبقينا نحن على قيد الحياة… مع سلامٍ قليلٍ لكنه صادق.
*محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟