أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - نزار بنات ويوسف نصّار... حكايات لا تنتهي!














المزيد.....

نزار بنات ويوسف نصّار... حكايات لا تنتهي!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8476 - 2025 / 9 / 25 - 20:27
المحور: القضية الفلسطينية
    


كان للشهيد نزار بنات العديد من المحطات والمواقف المضحكة والمحزنة والمبكية مع صديقه يوسف نصّار. لم يكن مجرد إنسان عابر، بل كان حكاية متواصلة من الصدق والعناد والإصرار على المبدأ، حتى في أبسط تفاصيل الحياة.

يروي يوسف نصّار أنه في يوم من الأيام طلب منه نزار أن يذهبا لتحصيل دين مادي على أحد الأشخاص في منطقة تبعد نحو خمسة كيلومترات. كانا يطرقان بابه مراراً وتكراراً، وفي كل مرة يسمعان الجواب نفسه: "مش موجود". شعر يوسف حينها أن الرجل يتملص من سداد الدين، وأن الأمر لا يستحق كل هذا العناء.

في اليوم التالي سأل يوسف صديقه:
– كم قيمة الدين يا نزار؟
فأجاب:
– الفكرة ليست بالمبلغ، بل لا أحب أن يستغلني أحد.

فأعاد يوسف السؤال:
– كم المبلغ يا نزار؟
فأجاب: خمسون شيكلاً، أي ما يعادل خمسة عشر دولاراً.

صرخ يوسف فيه: "يا رجل، صرفتُ بنزين لسيارتي بمبلغ يفوق الخمسين شيكلاً، وجعلتني أطرق باب هذا الشخص على مدى أسبوع كامل لأجل مبلغ زهيد؟"
ابتسم نزار وقال: "الموضوع مبدأ، وسبق أن أخبرتك... أرفض أن يستغلني أحد."

وفي المرة الأخيرة، أصر يوسف أن يتوقف بعيداً مسافة ثلاثين متراً، وأن يذهب نزار وحده ليطالب بدينه. وبعد دقائق عاد نزار حاملاً ورقة الخمسين شيكلاً بكلتا يديه، يعرضها من بعيد كأنه أنجز شيئاً عظيماً.

كان يوسف متأكداً أن المدين لا يملك غيرها، وأن ما دفعه نزار من وقته وجهده للمطالبة بها طوال أسبوع لم يكن من أجل المال، بل من أجل كرامته ومبدئه. فقد كانت حالة طوارئ بسبب تفشي جائحة كورونا، وتوقفت أعماله في المنجرة، والوضع الاقتصادي كان مشلولاً تماماً.

لم يكن نزار يملك المال، ولكن إن ملك القليل منه، يسارع لدعوة صديق على فطور أو غداء أو مشروب. كان كريماً إلى حدّ لا يُتخيّل، ولم يكن يحسب للغد أي حساب.

في ذلك اليوم اشترى الفطور له ولصديقه يوسف، واجتمعا في المزرعة التي كانا يمكثان فيها أياماً طويلة. كانت المزرعة منزلاً قيد الإنشاء يتوسط قطعة أرض مساحتها دونمان، يحيطها سور عالٍ، وفيها بئر ماء وأشجار. جلسا وتناولا الفطور، ثم سجّل نزار أحد فيديوهاته، وتحادثا وشربا القهوة. وبعد ساعات ما بعد العصر غادرا المكان.

وعلى بعد مئة متر، صادفا قطة في الشارع تتلوى ألماً، وقد عرفا أنها تعرضت لحادث دهس من سيارة. صرخ نزار: "توقف! توقف! القطة ستموت من الوجع."
قال يوسف متذمراً: "طيب شو أعملك يعني؟"
فأجاب نزار بإصرار: "وقف، خذها بسرعة إلى الطبيب البيطري."
فمازحه يوسف: "شو رأيك أشغّل صافرة الإنذار؟"
فرد نزار غاضباً: "إيوه، تمسخر!"

حملا القطة وذهبا بها إلى الطبيب البيطري. طلب 30 شيكلاً كشفية، و5 شواكل ثمن حقنة مضاد حيوي لليوم التالي، كما طلب نزار علبتي طعام للقطط بخمسة شواكل إضافية. دفع نزار 40 شيكلاً من مجموع ما يملك، أي الخمسين شيكلاً التي طالب بها لأيام طويلة.

عادا لإرجاع القطة إلى المزرعة، على أن يعطيها نزار الحقنة في اليوم التالي. وفي طريق العودة توقّف ليشتري خبزاً وعلبة سجائر وبعض الحلوى لابنه الطفل خليل الذي كان ينتظره. لكنه عاد ليقول ليوسف: "هات 2 شيكل، نقص عليّ."
فمازحه يوسف: "هو أنا مخلفك وناسيك؟ بدك أصرف على القطط تاعونك؟"
نظر نزار إلى السماء وقال: "يا رب، احسب 2 شيكل ثواباً وأجراً ليوسف نصّار، وأنا بكفيني 38." ثم ضحك وأضاف: "يلا هات."

ظل نزار يهتم بالقطة، وبالطيور، وبالحيوانات في المنطقة حتى بدأت مطاردته. ولا زالت القطة وأبناؤها وأحفادها في المزرعة، ولا يزال يوسف نصّار يعتني بها يومياً، وفاءً لرفيقه.

هكذا كان نزار بنات... لا يُقاس بالعمر ولا بالمال، بل بمواقفه وإنسانيته التي تجاوزت كل اعتبار. عاش على مبدأ أن لا يظلمه أحد، ولم يسمح لنفسه أن يُستغل أو يستغل غيره. كان شهيد المبدأ والإنسانية.

[محمود كلّم] كاتبٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علاء الريماوي ونزار بنات: حين يلتقي الألم بالألم، وتتكلم الك ...
- ناجي العلي… الغربة التي أبعدت فلسطين عن ريشتها الصادقة!
- غزّة... حين يساوي التّوقيعُ وطناً!
- صبرا وشاتيلا… حين يصبح الوطن غطاءً للقتل!
- ذاكرة الدم… من صبرا وشاتيلا إلى غزة!
- غزة.. حين انقلب التاريخ من مهبط الرسالات إلى مهبط الطائرات!
- من نيبال إِلى غزّة: حين يُغلِقُ الحاكمُ أُذُنيهِ عن صرخاتِ ش ...
- غزة.. بين نار الإبادة وصمت العالم!
- النجيل الفلسطيني: صمود لا ينكسر في وجه القهر!
- غزّة: السَّماءُ تمطرُ دماً!
- الحذاء الأمريكي… والحذاء العربي!
- خذوا العبرة… من ملوك الاستسلام وأمراء البيانات!
- التاريخ سيكتب: أنتم جميعاً خذلتم غزة!
- عشيرة عرب السّمنيّة.. حين صنع نايف الحسن صوت البطولة!
- فايز خليفة جمعة (أبو مديرس): رمز البطولة والشجاعة في عملية ا ...
- غزة… جنازة الكرامة العربية والإسلامية!
- من نهيق الحمير إلى بيانات الشجب والإدانة!
- غزة… الامتحان الذي أسقط العالم بالضربة القاضية!
- فاطمة البُديري… المرأة التي جعلت الأثير جبهةً للمقاومة
- نزار بنات... حين قال -لا- ونام في تراب الوطن!


المزيد.....




- الأمين العام لحلف الناتو لـCNN: تسلل الطائرات المسيرة فوق أج ...
- ترامب يتحدث عن -قُرب- توصل إسرائيل و-حماس- لاتفاق بشأن غزة
- ترامب: أردوغان كان مسؤولا عن المساعدة بإزاحة نظام الأسد في س ...
- ترامب يطلق ممشى المشاهير الرئاسي في البيت الأبيض ويستبدل باي ...
- روسيا دب وليست نمر من ورق .. الكرملين يرد على تصريحات ترامب ...
- بزفّة طبول عراقية وبصحبة سبايدرمان مصري… كيف شجع آباء أطفاله ...
- -خطة ترامب- لإنهاء الحرب في غزة: صمت رسمي إسرائيلي وردود فعل ...
- واشنطن بوست: هيغسيث يجمع 800 من كبار مسؤولي البنتاغون بشكل ...
- سلوفينيا تمنع نتنياهو من دخول أراضيها وتعتبره شخصاً غير مرغو ...
- تنامي شعور الاغتراب لدى المسلمين الشباب في ألمانيا بفعل تجار ...


المزيد.....

- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه
- تمزيق الأقنعة التنكرية -3 / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - نزار بنات ويوسف نصّار... حكايات لا تنتهي!