أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - ذاكرة الدم… من صبرا وشاتيلا إلى غزة!














المزيد.....

ذاكرة الدم… من صبرا وشاتيلا إلى غزة!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8467 - 2025 / 9 / 16 - 00:47
المحور: القضية الفلسطينية
    


في أيلول/سبتمبر 1982، كانت بيروت تختنق تحت حصارٍ خانق، وكانت المخيمات الفلسطينية في صبرا وشاتيلا مجرّد جزرٍ من الضعف في بحرٍ من البنادق.

حينها وقف فيليب حبيب، المبعوث الأميركي، يفاوض ياسر عرفات على تسليم السلاح. طلب عرفات ضماناتٍ لأهله، فجاءه الجواب بأثقل الكلمات: أميركا تضمنك.

لكن الضمانات الأميركية لم تكن سوى ورقةٍ ملوّثة بالدم. فحين خرج المقاتلون الفلسطينيون من بيروت، تُرك المخيم عارياً، بلا حمايةٍ.

وفي ليلٍ طويلٍ خانق، دخلت القوات اللبنانية والكتائب وقوات سعد حداد، تحت صليبٍ مرفوع في الواجهة، لتُزهق الأرواح وتُذبح النساء والأطفال والشيوخ.

مساء يوم الخميس 16 أيلول/سبتمبر 1982، حوالي الساعة الخامسة والنصف مساءً، بدأ القتلة بدخول حي عرسان ونادي الكرمل الرياضي جنوب مخيم شاتيلا، كما اقتحموا الحي الغربي للمخيم.

وكانت بعض الكنائس صامتة، بل مُرَحِّبة، ولم ترَ الكنيسة المارونية في لبنان في المذبحة ما يستحق حتى إدانة رسمية.

وقبل ظهر يوم السبت 18 أيلول/سبتمبر 1982 غادر القتلة المنطقة بعدما شعروا بأن رائحة الجريمة قد فاحت كثيراً.

هكذا تحوّل الوعد الأميركي إلى خيانةٍ مكتوبة بدماء الآلاف، وهكذا صارت بيروت صيف 1982 شاهدةً على أبشع المذابح.

واليوم… بعد أكثر من أربعة عقود، نرى غزة تعيش صبرا وشاتيلا متكرّرة.

الوجوه ذاتها وإن تغيّرت الأسماء: ضمانات دولية جوفاء، بيانات إدانة بلا فعل، صمتٌ رسمي وديني، وتواطؤ يختبئ خلف شعاراتٍ برّاقة.

والنتيجة واحدة: أطفال يُنتشلون من تحت الركام، نساء يصرخن في العتمة، وشعبٌ يواجه الإبادة وحيداً.

الدم الفلسطيني، من بيروت إلى غزة، كان دائماً الأرخص عند العالم.

في صبرا وشاتيلا ذُبحوا بالسكاكين والفؤوس، وفي غزّة يُبادون بصواريخ الطائرات.

لكن المشهد هو ذاته: قتلةٌ يتباهون، وعالمٌ يلوذ بالصمت، ووعودٌ دولية لا تحمي سوى القاتل.

الفرق الوحيد أنّ جرح صبرا وشاتيلا بقي في ذاكرة التاريخ، أمّا جرح غزة فهو مفتوح الآن، أمام أعيننا، ينـزف كل يوم، كأنه يذكّرنا أنّ المجازر ليست حدثاً من الماضي، بل واقعاً يتكرّر حين يُترك الفلسطيني بلا سند، وحين يُمنح القاتل كلَّ الحصانة.

إنها مأساةٌ لم تُكتب في الكتب فقط، بل تُعاد كتابتها في شوارع غزة، بجثامينَ صغيرة تحمل أسماء لم تكبر بعد، وبأحلامٍ لاجئة لم تجد بيتاً يحميها من الطائرات.

وكأنّ التاريخ يصرّ أن يقول لنا: صبرا وشاتيلا لم تنتهِ… بل عادت في غزة.

وهكذا، بين صبرا وشاتيلا بالأمس وغزة اليوم، يتكشّف الجرح ذاته: دمٌ فلسطيني مسفوح على أرصفة العجز، وصمتٌ عربي وإسلامي يثقل السماء، وعالمٌ يدّعي الحضارة بينما يشيح بوجهه عن المذبحة.

كأنّ الفلسطيني محكومٌ أن يقاتل وحده، أن يدفن شهداءه بيديه، وأن يحمل وحده أمانة القضية.

ما أقسى أن تكون المأساة واحدة منذ عقود، وما أمرّ أن يكون الخذلان هو الثابت الوحيد: خذلان العرب، خذلان المسلمين، وخذلان الإنسانية جمعاء.

*[محمود كلّم] كاتبٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة.. حين انقلب التاريخ من مهبط الرسالات إلى مهبط الطائرات!
- من نيبال إِلى غزّة: حين يُغلِقُ الحاكمُ أُذُنيهِ عن صرخاتِ ش ...
- غزة.. بين نار الإبادة وصمت العالم!
- النجيل الفلسطيني: صمود لا ينكسر في وجه القهر!
- غزّة: السَّماءُ تمطرُ دماً!
- الحذاء الأمريكي… والحذاء العربي!
- خذوا العبرة… من ملوك الاستسلام وأمراء البيانات!
- التاريخ سيكتب: أنتم جميعاً خذلتم غزة!
- عشيرة عرب السّمنيّة.. حين صنع نايف الحسن صوت البطولة!
- فايز خليفة جمعة (أبو مديرس): رمز البطولة والشجاعة في عملية ا ...
- غزة… جنازة الكرامة العربية والإسلامية!
- من نهيق الحمير إلى بيانات الشجب والإدانة!
- غزة… الامتحان الذي أسقط العالم بالضربة القاضية!
- فاطمة البُديري… المرأة التي جعلت الأثير جبهةً للمقاومة
- نزار بنات... حين قال -لا- ونام في تراب الوطن!
- أنس الشريف ومحمد قريقع… حين يكتب الشهداء وصية الحقيقة ويفضحو ...
- في حضرة الخيانة: فلسطين بين نير الاحتلال ووباء الفساد!
- مليارات تُصرف على الحروب... ماذا لو صُرفت على الحياة؟
- في زمن الهوان... حين تئنّ الأمة ويشرق الأمل!
- حينَ كان الذِّئبُ وفيّاً... وخذلنا البشرُ!


المزيد.....




- مصور يوثق حشرة وردية اللون في كندا كأنها خرجت للتو من عالم - ...
- مصممة الأزياء الفلسطينية ريما البنّا تروي قصة فستان بيلا حدي ...
- بلقيس فتحي تخطف الأنظار بإطلالة -فستان الأميرة- في قطر
- مدينة غزة.. خريطة الكثافة السكانية مع إعلان بدء التوغل الإسر ...
- المتظاهرون يتجمعون خارج قلعة وندسور قبيل زيارة ترامب الرسمية ...
- محتجون يشتبكون مع الشرطة في كيتو بسبب خفض دعم الوقود
- هل هناك أسباب علمية لشعور بعضنا بالخجل؟
- مصر: التغير المناخي يهدد حي العطارين التاريخي بالإسكندرية
- فرنسا: -احتمال بقاء روتايو ودارمانان في الحكومة الجديدة-.. و ...
- فيديو: قبل وبعد الحرب...مشاهد لغزة بنبض الحياة وأخرى للقطاع ...


المزيد.....

- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه
- تمزيق الأقنعة التنكرية -3 / سعيد مضيه
- لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي / سعيد مضيه
- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - ذاكرة الدم… من صبرا وشاتيلا إلى غزة!