محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8424 - 2025 / 8 / 4 - 20:13
المحور:
القضية الفلسطينية
لم يشهد التاريخ الإسلامي عصراً أشدَّ وطأةً ولا حالاً أكثر انكساراً مما نعيشه اليوم. أمةٌ كانت في يوم من الأيام تُرعب الطغاة إذا سارت، وتزرع العدل إذا حكمت، وتنير صفحات التاريخ بالبطولات والمفاخر، أصبحت تتخبّط في أزمات داخلية، وتغرق في مستنقعات التفرقة والضعف. واقعٌ مؤلمٌ يجعل السؤال مشروعاً: ما الذي أوصلنا إلى هذا الحد من الانحدار؟
إنها أمة محمد ﷺ، التي حملت رسالة الإسلام إلى مشارق الأرض ومغاربها، تلك التي إن اعتدى عليها معتدٍ، هبّت الأرضُ من تحت أقدامه. أما اليوم، فتُستباح أراضيها، وتُسفك دماؤها، وتُنتهك مقدساتها، فلا تجد من يغضب لله، أو يتحرك دفاعاً عن العرض والكرامة. المشهد مأساوي، تختلط فيه الدماء بالخذلان، ويغيب فيه صوت الحق وسط ضجيج المصالح الدولية.
العالم يتفرج، وبعضه يبرّر. صمتٌ دوليٌّ مريب، يقابله صمتٌ داخليٌّ أكثر إيلاماً: صمت الشعوب، صمت القادة، وصمت الضمير. في كل ركن من أركان العالم الإسلامي تقريباً، نجد دماء تُراق، وأحلاماً تُغتال، وكرامة تُهان. ومع ذلك، لا يزال الصمت هو الرد الرسمي والشعبي الغالب.
لكن الأسوأ من كل ما سبق، هو أن هذا الواقع لا يبدو مؤقتاً، ولا طارئاً. بل هو امتداد لزمنٍ من التراجع واللامبالاة، تُهدر فيه القيم، وتُباع فيه القضايا، ويُنسى فيه التاريخ المجيد. المسجد الأقصى يُهان، والمقدسات تُدنس، والقدس تُساوَم عليها علناً، لا في الخفاء، وكل ذلك يتم بلا أدنى مقاومة تُذكر.
ومع ذلك، فإن المأساة الحقيقية ليست فقط في ما يحدث، بل في أننا نعرف المجد وقد عايشناه — ولو في كتب التاريخ — ومع ذلك لا نتحرك. نملك القرآن، ونحمل العقيدة، ونردد المبادئ، لكننا نفتقر إلى الفعل، إلى الإرادة، إلى القرار.
في خضم هذا الهوان، يبرز سؤال الأمل: هل انتهى كل شيء؟ هل كُتب علينا السبات الأبدي؟
الجواب، رغم مرارة الواقع، لا يزال يحمل بصيص رجاء. فالظلام، وإن اشتد، يبقى مؤقتاً. والجرح، مهما نزف، لا بد له من التئام. والأمة، مهما ضعفت، لا تموت. لأن وراءها ربّاً لا يخذل، وكتاباً لا يَبلى، ورسالةً لا تنكسر.
لقد آن الأوان أن نستيقظ. أن نراجع أنفسنا، ونحمل مسؤوليتنا تجاه ديننا، وتاريخنا، ومستقبل أجيالنا. فليست العودة إلى المجد حلماً مستحيلاً، لكنها حتماً ليست طريقاً سهلاً. إنها تتطلب وعياً، وتضحيات، ونهضةً تبدأ من الداخل، من إصلاح الفرد، فبناء الأسرة، فاستنهاض الأمة.
نعم، نحن في زمن الهوان ، لكن لعلّه زمن التوبة والعودة أيضاً... إن أردنا.
[محمود كلّم] كاتبٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنَين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟