محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 21:26
المحور:
القضية الفلسطينية
على بُعد ثلاث أو أربع ساعات فقط من قلب أوروبا، يُذبَح شعبٌ بأكمله أمام أعين العالم، لحظةً بلحظة. لا تحتاج أن تكون محللاً سياسياً، ولا حتى أن تفهم التاريخ المُعقَّد للمنطقة، كي تُدرك ما يحدث. كل ما تحتاجه هو قلب... قلبٌ لا يزال ينبض بالإنسانية.
قالها جوارديولا، مدرب مانشستر سيتي، بمرارة: "الإنسان يمتلك الإنسانية، لكن يبدو أنها تختفي عندما يتعلق الأمر بفلسطين." وكأنه وضع إصبعه على جرحٍ ينزف منذ عقود. كيف يُترك الأطفال للموت تحت الأنقاض؟ كيف تتحوّل البيوت إلى ركام، والمستشفيات إلى أهداف، والمدارس إلى قبور؟ أين العالم؟ أين صوته؟ أين نخوته؟
في الحربين العالميتين، كانت الجرائم تُرتكب في الخفاء، بعيداً عن أعين الكاميرات. أما اليوم، فكل شيء يُبثّ مباشرة. ترى الأم تحتضن طفلها المغطى بالغبار والدم، تسمع صراخ الأب الذي فقد عائلته، وتشاهد الجنازات تتوالى بلا توقّف. ومع ذلك… لا أحد يتحرّك.
غزة ليست مجرد شريطٍ ضيّق من الأرض؛ إنها شهادةُ موتٍ مكتوبةٌ بعجز العالم. شعب يُباد، لا لأنه ارتكب جريمة، بل لأنه وُلد في المكان الخطأ، وتحت الاحتلال الخطأ. يعيش تحت الحصار منذ أكثر من 17 عاماً: بلا كهرباء، بلا ماء، بلا دواء… والآن، بلا حياة.
ما يحدث في غزة ليس "صراعاً"، بل إبادة. ليس "دفاعاً عن النفس"، بل قتلٌ ممنهج. كل دقيقة تأخير في وقف هذه المأساة هي جريمةٌ مشتركة، يرتكبها صمت العالم، وتقاعس المؤسسات، وتواطؤ الدول.
لم نعد بحاجة إلى أدلّة، فالمجازر تُعرَض علينا كما تُعرض نشرات الطقس. لم نعد بحاجة إلى شهود، فكل طفلٍ نُزع من حضن أمه هو شاهد، وكل بيتٍ مُسح عن الخريطة هو شهادة، وكل قلبٍ ينكسر يومياً في غزة… هو صفعةٌ على وجه هذا العالم المتخاذل.
ويبقى السؤال: هل ما زالت هناك إنسانية؟
أم أنها تُستثنى… عندما يكون الدم فلسطينياً؟
أيُعقل أن يُباد شعبٌ عربي، ويظلّ العرب صامتين؟
أين الغضب؟ أين الكرامة؟ أين المروءة؟
غزة تنزف، والعالم يتفرّج... لكن الأصعب أن يكون أقرب الناس هم أول من خذلها.
فأيّ خزيٍ هذا الذي نعيشه؟
[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهُويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟