محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8412 - 2025 / 7 / 23 - 18:11
المحور:
القضية الفلسطينية
في ركنٍ صغير من هذا الكوكب، حيث البحر يلامس تراباً عتيقاً، تختنق غزة بين نار الحصار ولهيب القصف. غزة ليست مدينة كغيرها، بل جُرح مفتوح على خارطة العالم، تنزف منذ عقود، وقلوب أهلها معلّقة ما بين الموت والحياة، ما بين الخبز المفقود والأمل الممنوع.
تحت سماء غزة، لا تسقط فقط القنابل، بل تتهاوى القيم، وتنهار المبادئ، وتُدفن إنسانية العالم في ركام البيوت المهدّمة. تُقصف الأحياء بحجة "حق الاحتلال في الدفاع عن نفسه"، لكن من يدافع عن أطفال غزة؟ من يحمي الشيوخ الجائعين؟ من يوقف هذا النزيف المستمر؟
كل ضمير عالمي يلتزم الصمت، وكل شعار إنساني يصبح بلا قيمة حين يُختبر على أرض غزة.
أطفال تُنتشل جثثهم من تحت الأنقاض، ليس لأنهم حملوا السلاح، بل لأنهم حلموا بمدرسةٍ لم يُكمِلوا طريقها. أمهات يحتضن ذكريات أولادهن، وآباء يودّعون أبناءهم بدموع مكبوتة. بيوت تُمحى من الوجود، وعائلات تُمسح أسماؤها من السجل المدني، وأحلام تنكسر تحت جنازير الدبابات.
تُمنع عن غزة لقمة العيش، يُحاصرها الجوع قبل أن يحاصرها الموت. هل الجوع شكل من أشكال الدفاع عن النفس أيضاً؟! متى أصبح خنق شعبٍ بأكمله مشروعاً تحت أعين العالم؟ كيف لم تتدخّل الأمم المتحدة؟ أين مجلس الأمن؟ أهو شاهد زور أم شريك في الجريمة؟!
العالم منافق. صوته عالٍ فقط عندما يتعلّق الأمر بما يخدم مصالحه، أما حين تكون الضحية من غزة، فالصمت سيّد الموقف. والعالم العربي... بين متخاذلٍ يغضّ الطرف، وبين متآمرٍ يشرعن المذابح بصمته أو تواطئه.
أما الأمم المتحدة، فباتت كياناً خاوِياً من المعنى، مجلساً يجتمع لا ليمنع المجازر، بل ليبرّرها، أو على الأقل، ليمرّرها دون مساءلة. فما جدوى القوانين الدولية التي لا تُطبّق إلا على الضعفاء؟ وما قيمة الشرعية الدولية إن كانت لا ترى إلا بعين واحدة؟!
إذا كانت هذه هي "العدالة"، وإذا كانت الغلبة هي التي تفرض "الحق"، فمرحباً بشريعة الغاب، تلك التي باتت تحكم هذا العالم بلا حياءٍ ولا إنصاف.
غزة اليوم ليست مجرد جغرافيا، إنها عنوانٌ للسقوط الأخلاقي العالمي. إنها مرآة تعكس قبح هذا العصر، وجرس إنذارٍ لضميرٍ مات أو يتظاهر بالموت.
لكن رغم الركام، رغم الدم، تبقى غزة واقفة. لا لأن العالم أنصفها، بل لأنها تعلّمت كيف تُقاوم، كيف تبني من الألم عزيمة، ومن الجراح إرادة. غزة ليست فقط مدينة، إنها شهادة على عصرٍ خان فيه الإنسانُ أخاه، وعلى ذاكرةٍ لن تمحوها قرارات مجلس الأمن، ولا صمت المتخاذلين.
[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟