محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 16:15
المحور:
القضية الفلسطينية
في غزّة، الليل فيها ليس للراحة، بل موعد مع قصف جديد، وخوف جديد، ووداع أخير.
تئن الأرصفة تحت خطوات من يبحثون عن مكان أكثر أماناً، بينما لا مكان في غزّة محصَّن من الموت.
تتساقط القنابل على البيوت، والمدارس، والمستشفيات، وكأنها تعرف أنها تستهدف بيوت الفقراء والأحلام الصغيرة.
في شوارع غزّة، لا يُقتل الناس فقط، بل يُقتل الصوت، وتُغتال الصورة، وتُمحى الرواية، ويُقتل الأمل.
في الخلفية، تقف أمريكا بثوبها اللامع، تتحدث عن الحرية والعدالة، لكنها ترتدي معطف غطرسةٍ عتيق، وتُشرف على المجزرة بعين باردة.
تصدر البيانات، لكنها لا توقف الصواريخ.
تمدّ يدها للديمقراطية، لكنها تُغمض عينيها عن الدماء الفلسطينية.
تُطلق النار على أطفالنا دون سبب، وتمنح القاتل صكوك الغفران.
فهل الدستور في "سيّدة العالم"، كما قال نزار قبّاني، مكتوبٌ بالعبري؟
هل كُتب ليُذلّ العرب ويمنح القاتل حصانةً أبدية؟
في غزّة، لا تُنتهك فقط حقوق الإنسان،
بل يُغتال معنى الإنسان ذاته.
وفي حين تنشغل شاشات العالم بتفاصيل الانتخابات، وأسعار الوقود، وتقلبات الطقس،
تمضي غزّة في درب معاناتها وحدها.
تخيط من الأنقاض علماً جديداً، وتُعيد فتح مدرسة تحت خيمة، وتصنع الحياة من أشلاء الموت.
غزّة، هي المرآة التي لا يريد العالم أن ينظر إليها.
هي الامتحان الذي يفشل فيه كل من يدّعي الإنسانية.
هي الحقيقة التي يحاولون طمسها، لكنها تعود في كل مرة، أقوى... وأصدق.
أيها القارئ، حين تسمع عن غزّة، لا تُطفئ الشاشة،
لا تكتفِ بالدعاء، ولا تُصدّق كل ما يُقال.
في غزّة، هناك شعب… لا يريد سوى أن يعيش.
لا تطلب غزّة شيئاً مستحيلاً،
فقط… أن يُعامل أطفالها كأطفال.
لكن ما أقسى هذا العالم، حين تصبح الطفولة هدفاً عسكرياً،
وحتى لعب الأطفال في غزّة، باتت أهدافاً مشروعة للصواريخ.
ويُقاس الإنسان بعدد صواريخه، لا بعدد أحلامه،
ويُترك الجائع ليأكل من فتات المساعدات المغشوشة.
فالذي يمكنه أن يضع مواد مخدّرة في طحين المساعدات، لا يُستبعد أن يُضيف مواد مسرطنة، أو مواد تؤثّر على الخصوبة، أو مواد خطيرة على صحة الإنسان.
في غزّة، حتى الخبز مشكوك في جودته، وحتى الغذاء محفوف بالخطر.
وتُترك غزّة وحدها في العراء،
تُصارع عالماً أخرس، وتدفن أبناءها ولا تجد وقتاً للبكاء.
تمضي المجازر،
ولا يتغيّر المشهد…
سوى عدد القبور.
وفي زاوية المخيم،
تبقى أمٌّ تمسك صورة طفلها، وتسأل السماء:
لماذا لم يُولد في عالمٍ رحيم؟
[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟