أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - خليل نزار بنات... يكبُرُ على وجعِ الوطنِ!














المزيد.....

خليل نزار بنات... يكبُرُ على وجعِ الوطنِ!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8379 - 2025 / 6 / 20 - 15:23
المحور: القضية الفلسطينية
    


في حيٍّ بسيط من دورا – الخليل، حيث البيوت متلاصقة كأنها تتعانق خوفاً من الوحشة، يقع بيتٌ لا يشبه سواه.
هناك، عند الزاوية الشرقية، في بيت الشهيد نزار بنات، ما زال الحزن يسكن الجدران، وما زال طفلٌ اسمه خليل يقف عند الشباك ينتظر.

خليل لا يعرف تماماً ما حدث. يعرف فقط أن والده خرج ذات فجر ولم يعد. لم يخبره أحد أن والده استُشهد وهو يقاتل بالكلمة، لا بالسلاح. كان نزار بنات، من داخل منزله في دورا – الخليل، صوتاً لا يُقهر، صريحاً في زمن المواربة، جريئاً في وجه الفساد والخوف. حتى فجر تلك الليلة، حين اقتحمت أقدام الظلم البيت، وسكت كل شيء... ما عدا الحقيقة.

ومع كل هذا، من يشرح لخليل معنى "الاعتقال السياسي"، أو "القمع"، أو حتى "الاغتيال"؟ هو فقط يعرف أن والده لم يعد إلى حضنه، وأن المساء صار طويلاً منذ ذلك اليوم.
يقف خليل عند شباك البيت في الطابق الأرضي، يتأمل الشارع، يحصي الخطوات، ويسأل أمه: "متى يرجع بابا؟"

وبجانبه دائماً "كَشكَش"، كلبه الصغير.
منذ استشهاد نزار بنات، لم يعد "كَشكَش" كما كان. صار أكثر صمتاً، أكثر حذراً، وأكثر وفاءً. لا يترك باب البيت، ينام عند العتبة، ويستيقظ فجأة إذا ما سمع صوتاً يشبه وقع خطوات نزار.
"كَشكَش" لا يعرف الكلام، لكنه يفهم الغياب، ويمارس الحراسة، ليس على البيت فقط، بل على ما تبقى من العدالة.

في بيت نزار في دورا- الخليل، تُروى الحكايات همساً.
صورته على الحائط، صوته في ذاكرة الهاتف، مقالاته التي لم تكتمل، وأحلامه التي كانت أكبر من أن تُدفن. لم يطالب بالكثير: فقط وطن نظيف، وكرامة، وعدالة. لكنهم لم يحتملوا كلماته.

خليل اليوم يكبر على الغياب، يدرس في زاويةٍ كانت يوماً مجلساً لوالده، يكتب اسمه على دفاتره، ويضع تحت الاسم كلمة واحدة: ابن الشهيد. لا يفهم عمق الكلمة بعد، لكنه يعرف أنها أثقل من سنوات عمره.

وفي كل مساء، حين تميل الشمس نحو الغروب، يقترب من الشباك كمن يدخل طقساً من الحنين، يضع يده على الزجاج، يتنفس بخفة، يرسم قلباً صغيراً، ويكتب داخله: "بابا".
لا شيء يجيب. فقط "كَشكَش" ينبح مرة، ثم يعود إلى صمته. كأنهما، خليل وكلبه "كَشكَش"، يقيمان حراسة على ذاكرة رجلٍ لم يكن ينبغي أن يُغتال، لكنه اغتيل… لأنه قال الحقيقة.

وتمضي الأيام في دورا – الخليل، ولا شيء يتغير في ذلك البيت الذي فقد صوته العالي.
نزار بنات غائب بجسده، حاضر في كل ركن، في كل تنهيدة، في عيون خليل التي شاخت قبل أوانها، وفي نباح "كَشكَش" الذي صار مرثية يومية لعدالة لم تأتِ.

خليل ما زال ينتظر، لا لأنه لا يفهم الموت، بل لأنه لا يريد أن يصدق أن من كان يملأ البيت بالحياة، يمكن أن يُمحى هكذا.
" وكَشكَش" ما زال يحرس العتبة، كأن صاحبه سيعود، كأن الظلم سينهزم، كأن الحقيقة ستنهض وتمشي من جديد.

لكن الحقيقة موجعة، والعدالة أبطأ من دمعة طفل، ونزار... نزار بنات لن يعود.

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نزار بنات... شهيدُ الكلمة والشّاهدُ الذي كتب وصيّتهُ بدمهِ!
- نزار بنات واليمن... قصّةُ حُبٍّ لا تعرفُ الخيانة!
- نزار بنات: شهيد الحقيقة في زمن الخيانة!
- حين بكى غسان... ونام نزار في تراب فلسطين
- جيهان ونزار... وحدهُما في حُضنِ الغيابِ!
- حين تُناديه الأُمُّ... ولا يُجيبُ!
- حين ينكسرُ قلبُ الأب… ولا أحدَ يسمع!
- مجزرة مدرسة صيدا الرسميَّة – المدخل الجنوبي: حين تحوَّل المل ...
- محمد نمر غضبان: ضميرُ الثورة الذي خذله الزمن!
- غزّة لا تنتظر القيامة... إنّها تعيشها!
- حين يموتُ المُؤرِّخُ... وتبقى غزّة تكتُبُ المأساة!
- الدكتورة آلاء النجار... أُمُّ الشهداء وصبرُ الجبال في وجه ال ...
- غزّة تمُوتُ ببُطءٍ... والعالمُ يغُضُّ الطّرف
- غزّة... النَّعشُ الذي يمشي وحدهُ
- غزّة تكتُبُ قصيدة الشّاعر نزار قبّاني الأَخيرة!
- بدر فلسطين التي غابت دون وداعٍ!
- شهد الصوّاف... صرخةٌ جائعةٌ في وجه أُمَّةٍ خذلتها!
- مارغريت تاتشر... حين قالت: -أنا لست زعيماً عربياً-!
- خوسيه موخيكا يغيب... وغزة تزداد نزفاً
- الإنسان الفلسطيني: المعجزة التي هزمت السلاح!


المزيد.....




- السعودية.. عيدي أمين -جزار أوغندا- والملك فيصل ومنفاه في الم ...
- الكويت.. فيديو مداهمة مسكن ساحرة ومشعوذة وما وجد معها بالبيت ...
- زيلينسكي يستبعد التنازل عن إقليم دونباس مع تحقيق روسيا تقدما ...
- حرائق تجتاح أوروبا مع استمرار موجة الحر القياسية وإجلاء آلاف ...
- دعوى لوقف نُزل -ريتز كارلتون- في ماساي مارا الكينية
- الترويكا الأوروبية تدرس إعادة فرض العقوبات على إيران
- مصدر لـCNN: تدخل مبعوث ترامب في المفاوضات حول أوكرانيا أصاب ...
- رفع دعوى قضائية أمام -الجنائية الدولية- بشأن -استهداف إسرائي ...
- بوتين يبلغ زعيم كوريا الشمالية تفاصيل لقاءه المرتقب مع ترامب ...
- إدارة ترامب تخفف انتقاداتها الحقوقية لإسرائيل ودول صديقة


المزيد.....

- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه
- تمزيق الأقنعة التنكرية -3 / سعيد مضيه
- لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي / سعيد مضيه
- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني
- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - خليل نزار بنات... يكبُرُ على وجعِ الوطنِ!