أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - بدر فلسطين التي غابت دون وداعٍ!














المزيد.....

بدر فلسطين التي غابت دون وداعٍ!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 12:21
المحور: القضية الفلسطينية
    


في عالمٍ يزدادُ فيه الرّحيلُ والألمُ، تغادرنا الحاجة بدر محمد خليل عبدالرحيم (أم مرعي) حاملةً معها عبء الذكريات وأحلام العودة التي لم تتحقق. قصتها ليست مجرد حياة عادية، بل حكاية شعب جُرّد من وطنه، وبقي الحنين يرافقه في غربته حتى الرمق الأخير.

في صباح هادئ من نيسان، انطفأت روح الحاجة بدر في بلدة بحنين شمال لبنان، بعد عمر طويل حمل من الوجع ما لا يُحتمل.
رحلت في 11 نيسان 2025، لكنها لم ترحل وحدها... فقد رحل معها حلم العودة وأمل ظل يسكن قلبها منذ أن اقتلعتها النكبة من بلدتها سعسع التي وُلدت فيها عام 1933، وما غادرتها يوماً في وجدانها.

كانت تسكن في مخيم لكنها تعيش في سعسع، تمشي في دروب اللجوء، لكن خطاها ظلّت معلّقة بتلك الأرض، بزيتونها، وزعرورها، وبركتها، وبكرومها التي كانت مهر زواجها، وبأوراق الطابو التي احترقت في مخيم نهر البارد، كما احترقت معها بقايا الذاكرة. لم يكن الحنين مجرد حكاية، بل وجع يومي، كأنها تمشي في المنفى على رماد وطن.

في عام النكبة 1948، حملت معها فقط تراب الأرض العالق في قلبها، وسار بها التهجير من قرية إلى أخرى، ومن مخيم إلى آخر. لم تترك الأرض بإرادتها، ولم تخن الوطن، بل خذلها الزمن والعالم. عاشت النزوح وانتقلت من الجنوب إلى البقاع، ومن بعلبك إلى نهر البارد، حيث احترق بيتها الأخير في معركة مخيم نهر البارد، كما احترقت أولى حكاياتها.

في عام 1952، تزوجت في مخيم نهر البارد، ثم عاشت فترة من الزمن في الأشرفية مع زوجها أحمد مرعي ناصر الذي كان يعمل في سينما ريفولي بساحة البرج.

رغم قسوة الزمن، كانت امرأة الصلابة، والصبر، والكرامة. لم تُهزم، وإن حاصرها الغياب. ربّت أولادها على الصبر والتمسك بفلسطين، وكان حديثها اليومي: "سعسع لا تزال هناك، تنتظرنا". كانت تتلو أسماء الجبال لأولادها كأنها دعاء، وتحكي عن مغارة الشيخ وهيب، وجبل عداثر، وجبل الضو، كما تروي الأم لطفلها الحكاية الأخيرة قبل النوم.

لم يكن الحنين وحده ما خلّفته وراءها، بل تركت إرثاً إنسانياً ناصعاً تجسّد في ابنها، المحامي والمستشار القانوني الأستاذ مرعي ناصر، أحد أعلام الحقوقيين الفلسطينيين في لبنان. مثّل قضيته بصدق، فكان مستشاراً قانونياً لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، ثم مستشاراً للأونروا لشؤون اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا إلى لبنان. كان ثمرة رعايتها، وصوتها في الميادين، وامتدادها الذي لم ينكسر.

ماتت الحاجة بدر كما يموت الشجر إذا اقتلع من تربته، لكنها حملت في قلبها جذوراً لا تجف وظلالاً لا تختفي. رحلت وفي عينيها صورة الوطن، وفي روحها ومضةٌ خضراءُ، تشبهُ سعسع حين كانت خضراء.

رحلتِ يا(أم مرعي)، وتركتِ خلفكِ فراغاً لا يملؤه إلا الصبر، والحنين أنينٌ طويلٌ يتردد في زوايا البيت وذاكرة من عرفوك.

ارقُدي قَريرةَ العَينِ... وإن لم يُكتب لكِ أن تعودي إلى سعسع،
فأنتِ لم تغادريها يوماً.
سكنتِها، وسكنتكِ، وستظلين فيها ما بقي الزيتون وما بقي الوطن في قلوبنا.

سلام عليكِ،
حين وُلدتِ في تراب فلسطين،
وحين شرّدتكِ النكبة،
وحين متِّ والحنين في عينيكِ.

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهد الصوّاف... صرخةٌ جائعةٌ في وجه أُمَّةٍ خذلتها!
- مارغريت تاتشر... حين قالت: -أنا لست زعيماً عربياً-!
- خوسيه موخيكا يغيب... وغزة تزداد نزفاً
- الإنسان الفلسطيني: المعجزة التي هزمت السلاح!
- جائزة لصانع السلام... ورصاصةٌ لنزار بنات الذي نادى بالحق!
- إنزو مايوركا أنقذ دلفيناً... فمن يُنقذ غزّة؟
- لا تصالح... أمل دنقل والقصيدة التي تنزف من غزة!
- خلف الحمير… إلى الهاوية!
- غزة وحدها... تقاتل كما قاتل الحسين في كربلاء!
- لاهاي تتنحى وكريم خان يأخذ إجازة... وغزّة تغرق في أنقاض الصم ...
- معين بسيسو... الشاعر الذي مات في المنفى وظلّ صوته في فلسطين
- خالد الحسين... أبو الشهداء حين مات الصَّبرُ ونام مسدسُ المَا ...
- فلسطين... خذلانٌ لا ينتهي ومفاتيحٌ لا تصدأ!
- من عُمق الغياب... الشهيد نزار بنات يخاطب محمود عباس (أبو ماز ...
- الجُوعُ... جنازةٌ يوميّةٌ في غزّة!
- غزة تتسلّم الطحين... إن بقي أحدٌ ليستلمه!
- إِهانةُ وطنٍ: عندما يُسلِّمُ النِّظامُ السوري رُفاتَ العدو و ...
- شيرين أبو عاقلة… سقوط الحقيقة في غابة الوحوش
- غزّة ومغولُ العصر... وقلوبُنا المُحصّنةُ بالصّمت
- غزّة وحدها في مُواجهة العالم


المزيد.....




- مصر: بدء تحصيل الإيجار القديم بالأسعار الجديدة.. ومحامي: -ال ...
- -انبهرت من التقدم-.. نجيب ساويرس يشعل تفاعلا بحديثه عن تركيا ...
- أمطار غزيرة تسبب فيضانات مفاجئة في شمال تايلاند وتحذيرات من ...
- أسطول الصمود يغادر برشلونة في محاولة لكسر الحصار على غزة
- خطة ترامب: غزة تحت وصاية أمريكية ل10 سنوات والمال مقابل الرح ...
- لبوة العدالة: الدكتورة ناليدي باندور ضد إسرائيل
- قمة منظمة شنغهاي.. نحو بديل عن الريادة الغربية للعالم؟
- وزارة الصحة: مقتل 98 فلسطينيا على الأقل بنيران إسرائيلية في ...
- صفقات تاريخية في الدوري الإنكليزي: إيزاك إلى ليفربول ودونارو ...
- 11 شهيدا من صحفيي الجزيرة في حرب إسرائيل على رواة الحقيقة


المزيد.....

- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه
- تمزيق الأقنعة التنكرية -3 / سعيد مضيه
- لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي / سعيد مضيه
- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - بدر فلسطين التي غابت دون وداعٍ!