محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 20:00
المحور:
القضية الفلسطينية
في عام 1982، عندما أبلغت الأجهزة البريطانية رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر بأن القوات العسكرية الأرجنتينية غزت جزر فوكلاند التابعة لبريطانيا، لم تتردّد لحظة في الرد. قالت بحزم: "سندخل الحرب فوراً!".
وعندما اقترح بعض مستشاريها التوجّه إلى مجلس الأمن، ردت بحدة:
"استدعوا مجلس الحرب... أنا لست زعيماً عربياً يتسوّل حقوق بلاده في نيويورك!"
بهذه العبارة الصادمة والمباشرة، لخّصت تاتشر الفرق بين من يعرف قيمة بلاده وسيادتها، ومن ينتظر الآخرين ليفرضوا له قرارات على موائد السياسة الدولية. لم ترَ في الشكوى والاستجداء طريقاً للكرامة، بل رأت أن السيادة لا تُسترد إلا بالحزم، لا بالبيانات والمجاملات.
أما في عالمنا العربي؟
منذ عقود طويلة، والقضايا المصيرية تُدار بمزيج من التردد والمساومة، لا الحسم والمبادرة. تُحتل الأراضي، وتُنهب الثروات، وتُهدر السيادات، ثم يُهرع كثير من القادة إلى أروقة الأمم المتحدة طلباً لقرار أو بيان، في مشهد يتكرر بلا نتائج.
القضية الفلسطينية، مثال مؤلم وحاضر، لم تجد موقفاً عربياً حاسماً بحجم النكبة، بل على العكس، تحولت إلى ملف تفاوضي طويل تنهشه الصفقات والمصالح.
أما العدو، فاستمر بفرض الأمر الواقع، مدعوماً بضعف الموقف العربي.
وفي لبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا، تحولت الأوطان إلى ساحات صراع دولي وإقليمي، بينما الأنظمة تتذرع بـ"الشرعية الدولية" و"الحلول السياسية"، في حين أن الواقع على الأرض يزداد تمزقاً.
الفرق، ببساطة، يكمن في القيادة والرؤية.
تاتشر لم تكن عسكرية، لكنها كانت صاحبة قرار.
لم تكن تغامر، لكنها لم تتردد. أدركت أن للدولة هيبة، وأن هذه الهيبة لا تُشترى من الخارج، بل تُصنع في الداخل.
تخيلوا لو كانت تاتشر زعيمة عربية...
ربما كانت ستصدر بيان إدانة، وتطلب اجتماعاً طارئاً، وتؤكد "تمسكها بالشرعية الدولية"، ثم تنتظر أن يُعيد لها الآخرون ما سُلب منها.
نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى قيادات لا تتسوّل الحقوق، بل تنتزعها. إلى زعماء يعرفون أن التفاوض لا جدوى منه من دون قوة تحميه، وأن السيادة لا تُمنح بل تُنتزع.
لقد أعادت تاتشر جزرها، ولم تنتظر أحداً. وربما آن للعرب أن يتعلّموا هذا الدرس... من امرأة لم تتحدث كثيراً، لكنها فعلت ما يجب أن يُفعل.
[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟