أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - خلف الحمير… إلى الهاوية!














المزيد.....

خلف الحمير… إلى الهاوية!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 19:07
المحور: القضية الفلسطينية
    


في وطنٍ لا تزال دماؤه رطبة على الإسفلت، وحناجره مبحوحة من كثرة النداء، يبدو أن السير نحو الهاوية قد أصبح عادة متوارثة. لا نسأل عن الاتجاه، ولا عن الذي يقود، فكل ما نفعله أننا نمشي… نمشي خلف من تقدم الصفوف، حتى لو كان لا يرى ولا يُدرك. نُقَاد كما القطيع، نخطو بثقة نحو الهاوية، ونكتفي بترديد: "هذا هو الطريق."



هكذا وجدتُ نفسي أمام حكاية كتبها يمنيٌّ عن قريته، لكنها بدت وكأنها كُتبت عنا نحن — عن قريتنا الكبرى: فلسطين. فكان لا بد أن أكتب… تحت هذا العنوان:



خلف الحمير… إلى الهاوية



في كتابه "نحن والحمير في المنعطف الخطير"، كتب الأديب اليمني محمد مصطفى العمراني عن قصة موجعة من قريته، حيث كان الأهالي يسلكون طريقاً وعراً محفوفاً بالموت للوصول إلى عين الماء، يتبعون فيه الحمير التي تقودهم في مسار خطير يمر بجانب وادٍ سحيق، تسبب في وفاة عدد من الأطفال بعد أن سقطوا مع الحمير إلى القاع. وحين سألهم الكاتب، وقد سقط هو نفسه مراراً في الوادي عندما كان طفلاً يذهب مع حماره إلى العين، عن سبب تمسّكهم بذلك الطريق رغم وجود طرق أكثر أماناً، جاءه الجواب صادماً:

"نحن نمشي خلف الحمير، وهي من تسلك بنا ذلك الطريق."



وكأن العمراني لم يكتب عن قريته اليمنية، بل وصف حالنا نحن في فلسطين.



نعيش في وطن ممزق، تحت احتلال لا يعرف الرحمة، وتحت قيادة تدّعي تمثيلنا، بينما لم تصل إلى مواقعها إلا على ظهر اتفاقيات مذلّة، وبمباركة من المحتلّ نفسه. قيادة تسير أمامنا وتزعم أنها تعرف الطريق، لكنها في الحقيقة تمشي خلف الحمير؛ خلف مصالح ضيقة، وأوامر تصدر من غرف التنسيق الأمني المقدس، ومن أوهام الدولة والسلام.



سقط منا الشهداء كما سقط أولئك الأطفال في وادي القرية. نزفنا أرواحنا في الانتفاضات، في المخيمات، على الحواجز، وفي البيوت التي هُدمت على رؤوس ساكنيها. ومع كل نزف، نسأل: لماذا لا نسلك طريقاً آخر؟ طريق المقاومة الحقيقية، طريق الوحدة، طريق الشعب الذي لم يساوم يوماً على قضيته؟

لكن، كما في قصة العمراني، تأتينا الإجابة صادمة:

"نحن نمشي خلف الحمير."



المنعطف الفلسطيني خطير، والهوة أمامنا تتسع، وأرواح أبنائنا لا تزال تُزهق، والقيادة التي نصّبت نفسها باسم "الشرعية" لا تزال تجرّنا إلى الهاوية، لأنها ببساطة لا ترى إلا ما تراه الحمير: ظل الجدار، ظل الكرسي، وظل الوهم.



نحن بحاجة إلى لحظة وعي جماعية، نرفع فيها رؤوسنا عن خطى الحمير، ونبصر الطريق الحقيقي، ذلك الذي يُكتب بدماء الشهداء لا بحبر المفاوضات، ويُرشدنا إليه الأسرى لا أولئك المترفون.



فإن لم نفعل، سنبقى نسير في هذا المنعطف، نسقط واحداً تلو الآخر، ونُدفنُ في وادٍ لم نَختَر حتى أن نعرف اسمهُ.



وها نحن، بعد كل هذه السنوات، لا نزال ننتظر على قارعة الطريق، نُشيّع أبناءنا، ونرمم بيوتنا، ونبكي في زوايا وطنٍ مكسور. نمشي بخطى مثقلة، لا نسأل إلى أين نمضي، ولا نجرؤ على رفع رؤوسنا لنرى الحقيقة كاملة. لقد ألفنا المنعطف، وألفنا السقوط، حتى صار الموت مألوفاً، والخذلان تقليداً سياسياً.



وربما سيأتي يوم يسألنا فيه طفل فلسطيني: لماذا لا نسلك طريقاً آخر؟

ويخيفني أن يكون جوابنا، كما أجاب أولئك الوجهاء:

"نحن نمشي خلف الحمير."



حينها، سيكون الجواب أكثر إيلاماً من السقوط نفسه.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة وحدها... تقاتل كما قاتل الحسين في كربلاء!
- لاهاي تتنحى وكريم خان يأخذ إجازة... وغزّة تغرق في أنقاض الصم ...
- معين بسيسو... الشاعر الذي مات في المنفى وظلّ صوته في فلسطين
- خالد الحسين... أبو الشهداء حين مات الصَّبرُ ونام مسدسُ المَا ...
- فلسطين... خذلانٌ لا ينتهي ومفاتيحٌ لا تصدأ!
- من عُمق الغياب... الشهيد نزار بنات يخاطب محمود عباس (أبو ماز ...
- الجُوعُ... جنازةٌ يوميّةٌ في غزّة!
- غزة تتسلّم الطحين... إن بقي أحدٌ ليستلمه!
- إِهانةُ وطنٍ: عندما يُسلِّمُ النِّظامُ السوري رُفاتَ العدو و ...
- شيرين أبو عاقلة… سقوط الحقيقة في غابة الوحوش
- غزّة ومغولُ العصر... وقلوبُنا المُحصّنةُ بالصّمت
- غزّة وحدها في مُواجهة العالم
- كَشكَش يحرُسُ العدالة... وخليل نزار بنات ينتظرُ الغائبين
- وداعاً سكايب: رثاء لصوتٍ كان يعبر المسافات
- مخيّم شاتيلا يسقي غزّة: رسالةُ حُبٍّ من تحتِ الرُّكامِ
- الخُذلانُ يتكرّر... من جبل أُحد إلى رُكام غزّة!
- حين تُصبحُ النّكبةُ في غزّة خبراً بلا ذاكرة
- غزّة تنزفُ... واليمن آخرُ الأَوفياءِ
- هل يمُوتُ نوح في طُوفانه؟! فلسطين وثباتُ الأَنبياء
- غزّة… الشّجرةُ التي لا تنكسرُ


المزيد.....




- ماذا قالت وزارة الدفاع الأمريكية عن قبول الطائرة القطرية الف ...
- السعودية تدين تعرض وفد دبلوماسي أجنبي لإطلاق نار من قبل الجي ...
- ترامب يلتقي رئيس جنوب إفريقيا في المكتب البيضاوي ويعرض ما يق ...
- باكستان: تفجير انتحاري في بلوشستان يستهدف حافلة مدرسية ويقتل ...
- الجوع يفتك بقطاع غزة وسط تدهور مريع في الأوضاع الإنسانية
- نقل عشرات الأبقار جواً في إطار عملية إخلاء قرية سويسرية بسبب ...
- غزة تنتظر المساعدات وتفاؤل أمريكي حذر بنهاية -سريعة- للحرب
- لندن.. تظاهرة احتجاجية دعما لفلسطين
- حماس: نتنياهو مهووس بالقتل والإبادة ويدفع المنطقة برمتها نحو ...
- -البنتاغون-: الخارجية توافق على صفقة بيع قنابل إلى بولندا ب ...


المزيد.....

- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - خلف الحمير… إلى الهاوية!