أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - الخُذلانُ يتكرّر... من جبل أُحد إلى رُكام غزّة!














المزيد.....

الخُذلانُ يتكرّر... من جبل أُحد إلى رُكام غزّة!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8335 - 2025 / 5 / 7 - 13:53
المحور: القضية الفلسطينية
    


في كل مرحلةٍ من مراحل الأمة، يتغيّر شكل المعركة، لكن يظل الوجع ذاته، ويتبدّل العدو، لكن يبقى النفاق حاضراً في الصفوف.

من جبل أُحد، حيث انكسرت السيوف أمام خيانة القلوب، إلى غزّة، حيث تنهار البيوت تحت صمت الأقربين... يتكرّر المشهد، ويتجدّد الجرح.

هذا المقال ليس تأريخاً لغزوة، ولا توثيقاً لنكبة، بل صرخة قلب يرى في تكرار الخذلان جرحاً لا يندمل.



في غزوة أُحد، سالت دماء الصحابة، وتناثرت أجسادهم على أرض المعركة، وارتقى أسد الله حمزة، واهتز قلب المدينة حين دخلها النبأ الثقيل: "النبي قد قُتل"¹.

كان يوماً حزيناً في تاريخ الإسلام، لكن الحزن الأكبر لم يكن في السيوف التي مزّقت الأجساد، بل في القلوب التي خانت، والصفوف التي انقسمت، والظهور التي انحنت للريح بدلاً من أن تصمد².



عبد الله بن أُبيّ، رأس النفاق، لم يحتمل أن يُقاتل لأجل قضية لا يرى فيها مصلحته، فانكسر قبل أن تبدأ المعركة، وسحب معه ثلاثمئة رجل من وسط الصف³.

لم يكن العدو وحده أمام المسلمين، بل كان فيهم؛ يُضعف العزائم، ويُفرّق الكلمة، ويَبثّ الشك، وينتظر الهزيمة ليقول ببرود: "لو أطاعونا ما قُتلوا"⁴.



واليوم... تتكرّر أُحد في غزّة، لكن بلا جبل أُحد، بلا سيوف، بلا دروع... فقط لحمٌ ودمٌ، وبيوتٌ تهوي فوق رؤوس أصحابها، وأطفالٌ يستيقظون في قبورهم، وأمهاتٌ يودّعن أبناءهنّ عند الباب فلا يعودون.

غزّة تُقاتل وحدها، وتنتصر وحدها، وتُذبح وحدها⁵.



وفي الأمة كثيرٌ من عبد الله بن أُبيّ:

من انسحب من المعركة قبل أن تبدأ،

من سحب الدعم، وخنق بالحصار، وشارك في خنجر الطعنة،

من قال: "هم السبب، لو سكتوا لما قُتلوا، ما جدوى الصواريخ العبثية؟"

تماماً كما قال المنافقون في أُحد⁶.



كم هو مُرٌّ أن نُخذَل من الداخل قبل أن نُهاجم من الخارج...

وكم هو قاسٍ أن يكون العدو على الحدود، لكن النفاق في القلب.

غزّة لا تبكي من نار العدوّ بل من عينٍ ترى... وتختار العمى،

ومن الألسنة التي تُدين الضحية وتُبرّر الجلاد⁷.



ثبَتَ النبي صلى الله عليه وسلم، وجُرح وجهه، وكُسرت رباعيّته، لكنه لم ينكسر⁸.

وكان هناك رجال لم يفرّوا، لم يتراجعوا، بل وقفوا حتى الرمق الأخير.

وكذلك اليوم، في غزّة، هناك من لا يملكون شيئاً إلا الإيمان...

لكنهم به يصنعون المعجزات⁹.



تبقى غزّة جرحاً مفتوحاً في قلب الأمة، تنزف في كل لحظة، ولا أحد يضمدها.

تبقى أوجاعها تتكرّر على مسامع عالمٍ أصمّ، وعينٍ عمياء، وقلوبٍ تكلّست من كثرة الخذلان.

يموت الطفل في حضن أمّه، ويُدفن الشهيد بلا كفن، وتُهدم البيوت على من فيها،

ثم يُسدل الستار، ويعود النائمون إلى نومهم العميق¹⁰.



لكن غزّة لا تنام...

غزّة تبكي، تصلّي، تصبر، وتنتظر.

تنتظر نصراً من الله، لا من البشر،

لأنها عرفت أنَّ معظمهم... قد باعوها¹¹، لكن أكثر ما يُوجع، أن يموت الطفل في غزّة مرتين:

مرةً تحت الركام، ومرةً في ذاكرة أمةٍ اعتادت النسيان.

أن تُطفأ البيوت، وتُكتم الصرخات، ويُغلق الباب على جرحٍ لا يسأله أحد:

"هل ما زلتَ تنزف؟"¹²



غزّة لا تطلب كثيراً... فقط ألا تُباع، ألا تُنسى،

ألا تكون ضحيةً جديدة في حفلات التصفيق لجلاديها.



وإن كانت أُحد قد انتهت في التاريخ،

فإن غزّة ما زالت تُقاتل، وحدها، ضد جيشين:

واحدٌ يأتي بالدبابات... وآخرُ يأتي بالصمت.



غزّة تنادي، لا لتُنقَذ، بل لتُذكّرنا أننا خذلناها مراراً...

وأننا، إن لم نستفق، سنكتب أُحداً جديدة... كل يوم.



[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



.................................



الهوامش والمراجع



1. ابن هشام، السيرة النبوية، فصل غزوة أُحد.



2. محمد الغزالي، فقه السيرة، ص216، تحليل أسباب الهزيمة.



3. ابن كثير، البداية والنهاية، ج4، ص27.



4. القرآن الكريم، آل عمران: 168.



5. تقارير المنظمات الإنسانية في غزة، وواقع الحصار (راجع: الأونروا، 2023).



6. تفسير ابن كثير، تفسير الآية نفسها، والربط بالمنافقين.



7. عبد الوهاب المسيري، الصهيونية والعنف الرمزي.



8. صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب: غزوة أحد.



9. مالك بن نبي، شروط النهضة.



10. تقارير الشهداء في غزة، مركز الميزان لحقوق الإنسان.



11. خطب وبيانات علماء فلسطين، رابطة علماء المسلمين.



12. باسل الأعرج، مقالات متفرقة في المقاومة والذاكرة.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تُصبحُ النّكبةُ في غزّة خبراً بلا ذاكرة
- غزّة تنزفُ... واليمن آخرُ الأَوفياءِ
- هل يمُوتُ نوح في طُوفانه؟! فلسطين وثباتُ الأَنبياء
- غزّة… الشّجرةُ التي لا تنكسرُ
- من أَعماق القبر... الشهيد نزار بنات يُحاكمُ -رئيس الوزراء ال ...
- من تحت التراب... الشهيد نزار بنات يكتب لمحمد اشتية
- غزَّة... حين يُكتَبُ التَّاريخُ بدم الشُّهداءِ
- من تحت التراب... رسالة الشهيد نزار بنات إلى حسين الشيخ!
- غزَّة وحدها... والأُمَّةُ في صمتِ الغِيابِ
- رئيس -زعَلَطي-… في حضرةِ الدمِ والخذلانِ
- ياسر عرفات(أَبو عمَّار)… آخرُ الرِّجالِ في زمنِ الانكسارِ
- طارق الدوخي… الذي نجا من المجزرة ولم يَنجُ من الغيابِ
- معين عبدالغني الجشي… حين يُصابُ الأَرشيفُ بالصَّمتِ
- خليل الوزير (أبو جهاد)… رَجُلٌ مِن زمنٍ لم يَبلُغ رام الله.
- ياسر عرفات(أبو عمار): حين خانتهُ البنادقُ التي ربّاها
- عبد القادر الحسيني: بطلُ القسطل ورمزُ الفداءِ في تاريخِ فلسط ...
- الذين خذلونا… هُناك، حيث يُدفَنُ الوطنُ في حضرةِ الفسادِ
- خان يونس: زُهورُ الطفولةِ التي احترقت نائمةً
- ذاكرةُ الدم: حينَ يكونُ الصمتُ شريكاً في القتل
- الأَسدُ لا يُفاوِضُ على قُوتهِ


المزيد.....




- الرئيس الباكستاني لـ RT: يمكن لروسيا لعب دور مهم لإنهاء الصد ...
- عراقجي يدعو الهند وباكستان إلى التحلي بضبط النفس
- المالية الأوكرانية لن تسدد ديونها للغرب على مدى 30 عاما القا ...
- طهران ترد على نية ترامب بتغيير تسمية الخليج: الحقائق لا تتغي ...
- طرابلس..احتفالية بذكرى النصر على النازية
- رغم التوترات.. باكستان والهند تقيمان اتصالا على مستوى وكالة ...
- شي جين بينغ بموسكو للتباحث حول أوكرانيا والعلاقات مع واشنطن ...
- محللون: المقاومة لا تزال متماسكة وقادرة على القتال في غزة
- ترامب: أحترم وعود الحوثيين وقد أظهروا شجاعة كبيرة
- روسيا وأوكرانيا.. بدء سريان -هدنة بوتين- لـ3 أيام


المزيد.....

- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - الخُذلانُ يتكرّر... من جبل أُحد إلى رُكام غزّة!