محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8326 - 2025 / 4 / 28 - 15:02
المحور:
القضية الفلسطينية
انتهى تكبُّرُ فرعون في لحظاتٍ، وهو يغرق في البحر، وانهارت قصةُ النمرود ببعوضةٍ دخلت أنفه، وسقطت عظمةُ جالوت بحجرٍ صغيرٍ من يد راعٍ شابّ، وانخسف قارون في الأرض بكل ماله ونفوذه.
أما جيش أبرهة فهلك بحجارةٍ ألقتها طيور الأبابيل؛ لا مدافع ولا طائرات.
تاريخُ الطغيان يعرف نهاياتٍ مفاجئة.
والعدل، حين يقرع الأبواب، لا يستأذن.
فمتى تُكتب نهايةُ الاحتلال؟
ومتى تتحررُ غزّة من جرحها؟
ومتى نستفيق نحن، العرب والمسلمين، من سبات العار؟
غزّة لا تطلب معجزة، لأنها هي المعجزة.
غزّة التي تنام على القصف، وتستيقظ على الحداد.
غزّة التي يُقتل أطفالها وهم يحتضنون دفاتر المدرسة،
وتُدمَّر بيوتها على من فيها، ثم يُقال: "نأسف لسقوط ضحايا مدنيين."
غزّة التي تنتظر موقفاً لا يأتي، وصوتاً لا يُسمع،
بينما تُغلق العواصمُ أبوابها،
ويُنسى الأذان في مآذنها،
وتُرفع رايات الصمت بدل رايات النصر.
في غزّة، أطفالٌ يحترقون أحياءً تحت وابل القصف،
لا ذنب لهم سوى أنهم وُلدوا في أرضٍ تُعاقب على وجودها.
ما يجري ليس مجرد حرب... إنه هولوكوست العصر الحديث،
إبادة جماعية تُنفّذ بدمٍ بارد ضد شعبٍ أعزل،
على مرأى ومسمعٍ من عالمٍ صامت.
أين أنتم؟
يا من تتصدرون قضيتنا على منصاتكم،
يا من تبكون القدس في الأغاني، وتبيعونها في الاتفاقات.
أين الغضب؟
أين الحياء من دماءٍ لم تجف،
وأرواحٍ لم تُدفن بعد،
وأنقاضٍ ما زالت تحتها صرخاتٌ لا يسمعها سوى الله؟
أمّةٌ تُقصف قُدسها ولا تغضب،
تُذبح غزّتها ولا تنتفض،
أيُّ مستقبلٍ ينتظرها؟
أيُّ ماضٍ تتبرأ منه؟
وأيُّ حاضرٍ ترضى به؟
غزّة لا تنتظر أحداً،
لكنّ التاريخ ينتظر.
والتاريخ لا ينسى.
سيسجّل، بلا مجاملة ولا رتوش،
أنّ مدينةً صامدةً سقطت وحدها،
بينما أمتها كانت تنظر إليها من خلف شاشاتٍ باهتة.
سيُكتب يوماً أن الأمة انقسمت إلى قسمين:
من صلّى من أجل غزّة، ومن صلّى على غزّة وهو يوقّع صكوك التطبيع.
وسيعلم الذين خذلوا، أيّ منقلبٍ ينقلبون.
وغداً، حين تخفت أصوات المدافع،
وحين يعود الصمت ليملأ الفراغ فوق الركام،
لن تجد غزّة أحداً تسأله: "أين كنتم؟"
لأن الجواب صار أوضح من أن يُقال:
تركتموها تحترق وحدها،
ترفع يديها إلى سماءٍ مغلقة،
تبكي شهداءها في الليل الطويل،
وتُعدّ أسماءهم على أصابع البكاء.
وغداً، حين يُكتب التاريخ بالدمع لا بالحبر،
سيكون هناك سطرٌ يتيم:
"كانت غزّة وحدها، وكانت الأمة غائبة."
[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟