أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - طارق الدوخي… الذي نجا من المجزرة ولم يَنجُ من الغيابِ














المزيد.....

طارق الدوخي… الذي نجا من المجزرة ولم يَنجُ من الغيابِ


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8323 - 2025 / 4 / 25 - 21:09
المحور: القضية الفلسطينية
    


لا أحد يعودُ من الغيابِ الطويلِ بنفسِ الملامحِ التي رحلَ بها، فكيف بمن لم يَعُد أصلاً؟

كيف لأمٍّ أَكلَ الغيابُ من رُوحها، أن تهدأ، أن تُطفئَ ضوء الانتظارِ عند بابِ القلبِ؟

منيفة طالب الصالحاني… امرأةٌ لم تُوَدِّع ولدها، ولم تستقبله.

امرأةٌ علَّقَت قلبها على جدارِ الشكِّ منذ السابعِ والعشرينَ من تموز، عام ألفين.

في تلك الليلةِ، نامتِ المدنُ، واستفاقتِ الأمهاتُ على صوتِ الغياب.



طارق علي الدوخي…

فتى صبرا وشاتيلا، النّاجي من فمِ الوحش، من المدافعِ والطوائفِ والحروبِ التي لم ترحم طفولته.

وُلِدَ في مخيَّم شاتيلا عام 1974، لكنه لم يعرف طمأنينة الرّضيعِ في سريرٍ آمن.

منذ اللحظةِ الأولى، كان يفتحُ عينيه على أصواتِ القذائفِ، لا أغاني المهد،

ويخطو أولى خطواته فوق رمادِ البيوت.

في عامه الثامن، شهِد واحدةً من أفظعِ مجازرِ القرن: مجزرة صبرا وشاتيلا 1982.

نجا بأعجوبة، لكن من ينجو فعلاً من مجزرةٍ كهذه؟

فقد والده علي، فقد أصدقاءَه، جيرانه، ملامح المكان… ولم يفقد وعيه بما جرى.

ظلّ الطفلُ فيه متيقّظاً، يصرخُ من الداخل، كلما نامت ذاكرةُ العالم عن المجزرة.



كبر طارق وسط الحُطام، لاجئاً في وطنٍ مكسور، غريباً في خيمةٍ لا تقي من الموت.

وحين شبّت حربُ المخيماتِ في الثمانينات، عاشها بكلّ تفاصيلها: الحصار، القصف، الدم، والجوع.

كان الموتُ رفيقاً يوميًاً، لكنّ طارق الدوخي… نجا من كلّ ذلك.



في العام 1989، حمل ما تبقّى من عمرِه ورحل إلى السويد،

ظنّاً أنَّ المنفى نهايةُ الألم… ولم يدرِ أنَّ للغيابِ وجعاً آخر.



في السويد، لم يكن لاجئاً عاديّاً.

كان فتى عبقريّاً، متفوّقاً في العلومِ والشرع، كما قال عنه صديقُه الشيخ سمير.

تعلَّم اللغة السويدية وأبدع فيها،

درس هندسة الكمبيوتر في جامعة مالمو، ثم إدارة المدارس في جامعة أوربرو،

عمل في التعليم، وكان له دورٌ في تأسيس "مدرسة السّلامة" في مالمو،

لم يكن مجرَّد مدير، بل أباً بديلاً لأطفالٍ يحملون على أكتافِهم منافي ثقيلة. ورغم كلِّ هذا… اختفى.



عصر يوم 27 تموز 2000، في مدينة هلسنبوري،

كان يُجهّزُ لافتتاحِ مدرسةِ "المعارف"، وكان الحُلمُ يكبر…

ثم اختفى.

لا شهود، لا كاميرات، لا أثر.

كان اسمُه يلمعُ في العملِ التربويّ والدينيّ، وكان لتميُّزِه أعداء.

ربّما امتدّت إليه يدُ الغدر…

وربّما لا يزالُ حيّاً، خلف جدرانٍ لا نعرفُها.

لكنّ قلب أُمِّه لا يعيشُ على "ربما".



منيفة الصالحاني، تلك الأمُّ المصلوبةُ على حافةِ الرجاءِ،

ما زالت تنتظرُ أن يُفتحَ بابٌ ذات مساء، فيدخل ابنُها كما كان: بابتسامته، بحقيبته، بصوتِه الذي لا يزالُ يملأُ البيت.

تسألُ كلَّ يوم:

هل قُتل؟

وإن قُتِل، أين جثمانُه؟

أليس من حقِّها أن تزور قبره؟

أن تقف عند شاهدةٍ تقول: هنا يرقدُ طارق، الفتى الذي نجا من الحرب ولم ينجُ من الغياب؟



كلُّ أُمٍّ في هذا العالمِ تَعرفُ شكل الغياب،

لكنَّ الغياب الذي لا يُفسَّر، الغياب الذي لا يُدفن… هو عذابٌ لا يُطاق.

من يُواسي قلبها؟

من يُخبرُها بما حلَّ بابنها؟

أيُّ قانونٍ في الدنيا يُبرِّر أن يُنسى شابٌّ بهذه الصورة؟

أن تتحوَّل سيرتُه إلى هَمسٍ، واسمُه إلى سؤالٍ يتيم؟



طارق الدوخي لم يكن رقماً، لم يكن مجرَّد لاجئٍ أو موظّفٍ أو مدير.

كان قصةً كاملة، كان مستقبلاً لأمِّه، لأطفالٍ تربّوا في مدرسته، لرفاقٍ تشاركوا معه الحلم.

واليوم… لا صورة جديدة، لا كلمة، لا قبر.



فهل يبقى للعدالةِ من معنى، إن لم تُنصف الأمهات؟

هل يبقى للذاكرةِ من جدوى، إن لم تحمِ أبناءَها من النسيان؟



يا طارق… إن كنت حيّاً، فاعلم أنَّ أُمّك لم تنم منذ خمسةٍ وعشرين عاماً.

وإن كنت ميتاً، فاعلم أنَّ قلبها ما زال يدقُّ كلّما مرَّت نسمةٌ تُشبه صوتك،

وأنّها ستظلُّ تنتظر…

حتى وإن وقف العالمُ كلُّه في وجهِ انتظارِها.



[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنينِ السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماءِ والهُويَّةِ الفلسطينيَّةِ. يرى في الكلمةِ امتداداً للصَّوتِ الحُرِّ، وفي المقالِ ساحةً من ساحاتِ النِّضالِ.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معين عبدالغني الجشي… حين يُصابُ الأَرشيفُ بالصَّمتِ
- خليل الوزير (أبو جهاد)… رَجُلٌ مِن زمنٍ لم يَبلُغ رام الله.
- ياسر عرفات(أبو عمار): حين خانتهُ البنادقُ التي ربّاها
- عبد القادر الحسيني: بطلُ القسطل ورمزُ الفداءِ في تاريخِ فلسط ...
- الذين خذلونا… هُناك، حيث يُدفَنُ الوطنُ في حضرةِ الفسادِ
- خان يونس: زُهورُ الطفولةِ التي احترقت نائمةً
- ذاكرةُ الدم: حينَ يكونُ الصمتُ شريكاً في القتل
- الأَسدُ لا يُفاوِضُ على قُوتهِ
- لا تَنسَ يا أَحمد... فذاكرتُكَ تفضحُهُم
- وداعاً أَبا أَحمد: حين تغادرُنا الطُّيُورُ الأَصيلةُ بلا ودا ...
- هذه ليلتُها... وغزَّة تَصحو على خُذلانٍ بلا فجرٍ
- حينَ تفرَّقَ الأَصحابُ وضاعَتِ الخُطى: حِكايةٌ من مُخيَّمٍ ف ...
- عيسى أَحوش ودار بيسان: صوتُ فلسطين الذي لا يمُوتُ
- من فِيتنام إلى غزّة: أَمريكا في مَسَارِ الهزائمِ والخيباتِ
- الاستسلامُ ليس خياراً: دُروسٌ من بيروت إلى غزَّة
- الدكتور صالح الشيباني... من تُرابِ فلسطين تَكَوَّنَت رُوحُهُ
- أَحمد الشُّقيري... رجُلٌ صَنَعَ الثَّورة فخذلتهُ!
- نوح الفلسطيني: بين طوفانِ الخذلانِ وسفينةِ الصُّمودِ
- فرحان السعدي: الشَّيخ الذي صامَ عن الحياةِ وارتوى بالمجدِ
- اليمن: أَصلُ العروبة وَشُمُوخُ الجبالِ


المزيد.....




- مسلسل -The Studio- يحقق إنجازًا تاريخيًا.. بعض لحظات إيمي ال ...
- لحظات مرعبة لثلاثة شقيقات عايشن حادثة إطلاق نار في الفصل الد ...
- مصدر يكشف لـCNN ما إذا كان روبيو سيزور قطر بعد إسرائيل
- المشتبه به في اغتيال تشارلي كيرك -يلتزم الصمت-.. والسلطات تب ...
- -حزب ميرتس- يتصدر نتائج انتخابات ولاية شمال الراين-ويستفاليا ...
- -فلسطين فازت- بطواف إسبانيا ـ تفاقم الأزمة بين مدريد وإسرائي ...
- انطلاق السفينة الإسبانية -مارينات- أولى سفن -أسطول الصمود- م ...
- لازاريني: إسرائيل قصفت 10 مبان للأونروا بغزة في 4 أيام
- عودة خدمات -ستارلينك- للإنترنت بعد انقطاع واسع في أميركا
- سوريون يردون على مؤتمر طلاس بباريس: صديق الأسد لا يحق له الت ...


المزيد.....

- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه
- تمزيق الأقنعة التنكرية -3 / سعيد مضيه
- لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي / سعيد مضيه
- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - طارق الدوخي… الذي نجا من المجزرة ولم يَنجُ من الغيابِ