أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - ذاكرةُ الدم: حينَ يكونُ الصمتُ شريكاً في القتل














المزيد.....

ذاكرةُ الدم: حينَ يكونُ الصمتُ شريكاً في القتل


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8316 - 2025 / 4 / 18 - 13:31
المحور: القضية الفلسطينية
    


في حضرة الوجع الفلسطيني، لا يعود الكلام مجرد حروف، بل يتحوّل إلى شهادةٍ على زمنٍ لا يزال الجرح فيه مفتوحاً. هذه السطور ليست استذكاراً للماضي، بل تذكيرٌ بأن الدم لم يجف، وأن الصمت لا يزال شريكاً في القتل.

منذ عام 1937، والدم الفلسطيني يسيل، ولا من يسأله إلى أين يذهب. مجازر تلو مجازر تكتب تاريخاً من الألم، لا تزيّنه الشعارات، ولا تُخفّف من وطأته البيانات.
في حيفا، القدس، يافا، العباسية، الطنطورة، وصبرا وشاتيلا، سُفكت دماء الفلسطينيين بدم بارد، وكأنّ وجودهم جريمة، وكأنّهم عابرون على أرضٍ لا تعترف إلا بالغريب.

في عام 1937، وقعت أولى المجازر في حيفا والقدس. وبعد عام، تكرّرت الجريمة في المدينة ذاتها، وكأنّ النداء لم يكن كافياً. ثم جاءت مجزرة بلد الشيخ عام 1939، فالخصاص عام 1947، فالعباسية عام 1947، وكلّها قبل أن تبدأ النكبة رسميّاً، لكنّ النكبة لم تكن نقطة البداية، بل كانت ذروة المجازر التمهيدية التي هدفت إلى نزع الفلسطيني من أرضه، ومن اسمه، ومن ذاكرته.

وفي عام 1948، عام النكبة الكبرى، اختُتم الفصل الأول من المجازر بمذبحة الطنطورة، التي رُويت الأرض فيها بدماء أبنائها، فيما كان العالم قد أتقن الصمت، واختار أن يشاهد الجريمة دون أن يرف له جفن.

توالت بعدها المذابح: يافا 1948، خان يونس 1956، القدس 1967، وصولاً إلى صبرا وشاتيلا عام 1982، حين وقفت البشرية على أعتاب واحدة من أبشع جرائم العصر، ثم أدارت ظهرها ومضت. وما بين المجزرة والمجزرة، كانت هناك خيبات، وخذلان عربي ودولي لا يقلّ بشاعة عن القتل نفسه ، لكنّ ما هو أشدّ إيلاماً من الرصاص، أن من يُفترض أنّهم يمثلون هذا الشعب العظيم، لم يأتوا من بين صفوفه، بل هبطوا عليه في ليلةٍ مدلهمة، بمساعدة الأعداء، واحتكروا الحديث باسمه. صار الفلسطيني البسيط، الذي حمل الوطن في قلبه، رهينةً لسلطةٍ لا تُشبهه، ولا تفهم معنى أن ينام الأطفال تحت القصف، وأن تحفر الأمهات أسماء أبنائهن على جدران البيوت قبل أن تُهدم.

ومع ذلك، لم ينكسر الفلسطيني. لم يُهزَم.
هو شعب لا يعيش إلا واقفاً، ولو انحنى، فليلتقط حجراً.
شعب لا يكتب تاريخه بالحبر، بل بالدم والخذلان والمقاومة. وما بين مجزرةٍ وأخرى، ينهض من جديد، كأنّ الوجع قدره، وكأنّ الكرامة دينٌ لا يسقط بالتقادم.

وما أقسى أن يُذبح شعبٌ بأكمله على مرأى من العالم، ثم لا يجد حتى من يبكيه. الصمت الذي يلفّ المجازر ليس حياداً، بل شراكةٌ كاملة في الجريمة.
خذلان الأصدقاء، وصمت الأشقاء، وتواطؤ المجتمع الدولي، كلّها وجوه أخرى للمجزرة ذاتها.
لم يكن القاتل وحده يحمل السلاح، بل حمله معه كلّ من تظاهر بالعمى، وكلّ من صمت وهو يعرف الحقيقة.
وهكذا، لا يموت الفلسطيني برصاصةٍ فقط، بل يموت في كلّ مرة يُختزل فيها وجعه إلى رقم، وتُختصر فيها قضيّته إلى نشرة أخبار... ثم يُطفأ التلفاز.

ليس أصعب من أن يُقتل شعب ويُنسى، وأن تُدفن القضايا تحت ركام النسيان. لكن ما دام في القلب نبض، وفي الذاكرة بقايا صور، فإن حكاية الفلسطيني لن تُختصر، ولن تُنسى، مهما طال الصمت.

[محمود كلَّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنينِ السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماءِ والهُويَّةِ الفلسطينيَّةِ. يرى في الكلمةِ امتداداً للصَّوتِ الحُرِّ، وفي المقالِ ساحةً من ساحاتِ النِّضالِ.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأَسدُ لا يُفاوِضُ على قُوتهِ
- لا تَنسَ يا أَحمد... فذاكرتُكَ تفضحُهُم
- وداعاً أَبا أَحمد: حين تغادرُنا الطُّيُورُ الأَصيلةُ بلا ودا ...
- هذه ليلتُها... وغزَّة تَصحو على خُذلانٍ بلا فجرٍ
- حينَ تفرَّقَ الأَصحابُ وضاعَتِ الخُطى: حِكايةٌ من مُخيَّمٍ ف ...
- عيسى أَحوش ودار بيسان: صوتُ فلسطين الذي لا يمُوتُ
- من فِيتنام إلى غزّة: أَمريكا في مَسَارِ الهزائمِ والخيباتِ
- الاستسلامُ ليس خياراً: دُروسٌ من بيروت إلى غزَّة
- الدكتور صالح الشيباني... من تُرابِ فلسطين تَكَوَّنَت رُوحُهُ
- أَحمد الشُّقيري... رجُلٌ صَنَعَ الثَّورة فخذلتهُ!
- نوح الفلسطيني: بين طوفانِ الخذلانِ وسفينةِ الصُّمودِ
- فرحان السعدي: الشَّيخ الذي صامَ عن الحياةِ وارتوى بالمجدِ
- اليمن: أَصلُ العروبة وَشُمُوخُ الجبالِ
- نافع محمد: من القامشلي إِلى فلسطين.. حكايةُ عشقٍ لا تنتهِي!
- الشَّهِيدُ مرعي الحسين: نَسرٌ حَلَّقَ في سماءِ المجدِ ولم يه ...
- حينَ يغيبُ الكبارُ... وداعاً أَبا سعيد!
- إبراهيم أبو خليل: عاشقُ الوطنِ الذي رَوَى الأرضَ بِدَمِهِ
- فاطمة فاعور.. أُمُّ الشهداء التي ودَّعتهُم ثُمَّ لحِقَت بِهِ ...
- عمر المحمود (أبو مروان): طائرُ الحُزنِ والحنينِ للوطنِ
- نمر كلّم وحَمَر.. قصَّةُ شهيدٍ لم يُخذِّلهُ كلبُهُ!


المزيد.....




- مصر تبدأ أولى خطوات -تحرير- سوق الكهرباء لجذب القطاع الخاص.. ...
- ما العلاقة بين الأطعمة فائقة المعالَجة والوفاة المبكرة؟
- وزير الخارجية الأمريكي: أوقفنا منح تأشيرات لمن يأتون لإحراق ...
- احتجاجات تقاطع كلمة نتنياهو في ذكرى الجنود القتلى
- عون يؤكد سيطرة الجيش على معظم جنوب لبنان و-تنظيفه-
- ترامب يعرب عن استيائه من -ضخ الأموال- الأمريكية في أوكرانيا ...
- قضية هزت مصر.. احتفاء بانتصار العدالة لطفل دمنهور
- حماس: تصريحات نتنياهو بشأن رفح تعكس جنون الهزيمة ووهم الانتص ...
- الجزائر - العراق: تبون يتسلم رسميا دعوة لحضور القمة العربية ...
- الخارجية المغربية تعلن قرار إنهاء مهام سفير المملكة لدى تونس ...


المزيد.....

- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - ذاكرةُ الدم: حينَ يكونُ الصمتُ شريكاً في القتل