أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - ياسر عرفات(أَبو عمَّار)… آخرُ الرِّجالِ في زمنِ الانكسارِ














المزيد.....

ياسر عرفات(أَبو عمَّار)… آخرُ الرِّجالِ في زمنِ الانكسارِ


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8324 - 2025 / 4 / 26 - 15:46
المحور: القضية الفلسطينية
    


ليس تمجيداً نكتب عن ياسر عرفات، بل وجعاً. نكتبه لا لأننا نبحث عن بطلٍ بلا أخطاء، بل لأننا نفتقد – في هذا الركام – رجلاً كان، رغم كل ما يمكن أن يُقال، ظلَّ شجرةٍ احتمى بها المشروع الوطني من رياح التمزق والانقسام. نكتبه لأن ما بعده كان سقوطاً… سقطنا فيه بلا ضجيج، وكأنّ القضية قرّرت أن تُطفئ قنديلها الأخير مع آخر نبضةٍ في قلبه المحاصر.

ياسر عرفات (أبو عمَّار)، الرجل الذي حمل فلسطين على كتفه حتى أثقلته، ولم يُسقطها. خطّ ملامح زعامةٍ فطريةٍ، لا تصنعها الخطابات ولا المكاسب، بل تُصاغ من دم الشهداء، وعرق المقاتلين، وصبر المخيمات.
لم يكن منزّهاً، نعم، لكنه لم يكن يوماً شاهداً صامتاً على انحدار الروح الوطنية كما هو الحال اليوم.

كان يعرف خطورة الكلمة، وكان يصوغها كما تُصاغ الطلقة، لا لتُصيب الأخ في خاصرته، بل لتُبقي الخندق موحَّداً، ولو بالحد الأدنى من الاتفاق. حين كنّا نختلف، كان يُذكّرنا بأنّ فلسطين أكبر منّا جميعاً. وحين كانت السكاكين تتهيأ، كان يُبقي "شعرة معاوية" بين الفرقاء، لا حرصاً على موقع، بل صوناً لحُلمٍ نازفٍ لم يمت بعد.

واليوم؟ اليوم لا خطاب، بل شتيمة. لا مشروع، بل مناكفة. لا كاريزما تُوحِّد، بل وجوه شاحبة تتبادل التوقيع على اتفاقات التنسيق، وكأنها إنجاز.
السلطة التي كانت يوماً ثمرة نضال، باتت إدارة هزيمة. والخلافات التي كانت تُحلّ خلف الأبواب، باتت تُبثّ علناً، كأنّ ما تبقّى من فلسطين مجرّد سوق يُتنازع عليه.

أما المقارنة مع خلفه، محمود عباس، فلا تَجُرّنا فقط إلى المسافة الزمنية بين الرجلين، بل إلى المسافة الأخلاقية؛ إلى الفارق الشاسع بين من قاد شعبه تحت النار، ومن جرّه إلى رتابة الانتظار. بين من كان يعلم أن التفاوض ساحة صراع، ومن ظنّ أن التفاوض مجرّد حوار حسن النوايا. بين من وقف في وجه العدو، ومن بات يتحدّث عنه كجارٍ مختلفٍ على الحدود.

نفتقدك يا "أبا عمار"، لا لأنك كنت معصوماً من الأخطاء، بل لأنك كنت تحاول، وتقاتل، وتُخطئ ثم تعود… لكنك لم تخن. كنت الصوت حين صمت الجميع، والظل حين لم يبقَ لنا ظل. كنت الأب الذي يصرخ ليجمع أبناءه، لا ليفرّقهم.

نكتبك اليوم لأننا نبحث عنك في وجوهٍ لم تَعُد تُشبهك، في رايةٍ باهتة، في نشيدٍ نُهينُه كلّ يوم بصمتنا، في خارطةٍ تتآكل، وفي وطنٍ يُؤجَّل.

سلامٌ عليك، يوم قلت: "يريدونني أسيراً أو طريداً أو قتيلاً، وأنا أقول: شهيداً شهيداً شهيداً".
لقد صدقت، ورحلنا بعدك… نبحث عن الوطن في الحناجر الخافتة، وفي الزنازين، وفي وجع الصمت، ولا نجده.

وها نحن بعدك يا "أبا عمار"، لا نحمل الراية، بل نحمل ذكراك. نتلمّس الطريق في ليلٍ طويلٍ بلا نجوم، ونُقنع أنفسنا أن الوطن لا يزال ممكناً، رغم كل ما يُقال ويُفعل باسمه.
لم تَعُد البنادق تُوجَّه إلى العدو، بل إلى صدورنا. ولم تَعُد الكلمات تُبنى، بل تُقصَف، كأنها عار.
غبتَ، فغاب الإيقاع، وانكسر الإيمان البسيط بأننا – مهما اختلفنا – كنا نُحب فلسطين أكثر ممّا نُحبّ أنفسنا.

رحلتَ، وما زلنا هنا…
نحصي الهزائم، ونكتب القصائد، ونُطفئ الشموع، لا لنُضيء الطريق، بل لنُخفي ما تبقّى من ملامحنا.

رحمك الله،
فأنت رحلتَ واقفاً…
ونحن بقينا… نتهاوى، بلا ظلّ.

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طارق الدوخي… الذي نجا من المجزرة ولم يَنجُ من الغيابِ
- معين عبدالغني الجشي… حين يُصابُ الأَرشيفُ بالصَّمتِ
- خليل الوزير (أبو جهاد)… رَجُلٌ مِن زمنٍ لم يَبلُغ رام الله.
- ياسر عرفات(أبو عمار): حين خانتهُ البنادقُ التي ربّاها
- عبد القادر الحسيني: بطلُ القسطل ورمزُ الفداءِ في تاريخِ فلسط ...
- الذين خذلونا… هُناك، حيث يُدفَنُ الوطنُ في حضرةِ الفسادِ
- خان يونس: زُهورُ الطفولةِ التي احترقت نائمةً
- ذاكرةُ الدم: حينَ يكونُ الصمتُ شريكاً في القتل
- الأَسدُ لا يُفاوِضُ على قُوتهِ
- لا تَنسَ يا أَحمد... فذاكرتُكَ تفضحُهُم
- وداعاً أَبا أَحمد: حين تغادرُنا الطُّيُورُ الأَصيلةُ بلا ودا ...
- هذه ليلتُها... وغزَّة تَصحو على خُذلانٍ بلا فجرٍ
- حينَ تفرَّقَ الأَصحابُ وضاعَتِ الخُطى: حِكايةٌ من مُخيَّمٍ ف ...
- عيسى أَحوش ودار بيسان: صوتُ فلسطين الذي لا يمُوتُ
- من فِيتنام إلى غزّة: أَمريكا في مَسَارِ الهزائمِ والخيباتِ
- الاستسلامُ ليس خياراً: دُروسٌ من بيروت إلى غزَّة
- الدكتور صالح الشيباني... من تُرابِ فلسطين تَكَوَّنَت رُوحُهُ
- أَحمد الشُّقيري... رجُلٌ صَنَعَ الثَّورة فخذلتهُ!
- نوح الفلسطيني: بين طوفانِ الخذلانِ وسفينةِ الصُّمودِ
- فرحان السعدي: الشَّيخ الذي صامَ عن الحياةِ وارتوى بالمجدِ


المزيد.....




- البيان الختامي لقمة الدوحة: عدوان إسرائيل -الغاشم- على قطر ي ...
- الثانية خلال شهر.. إسبانيا تلغي صفقة سلاح ضخمة مع إسرائيل عل ...
- صفقات تتجاوز 10 مليارات دولار.. لندن وواشنطن تستعدان لتوقيع ...
- بعد 5 سنوات على الكارثة..بلغاريا توقف مالك السفينة التي ح ...
- نيبال: بين رفاهية فاحشة وفقر مدقع...-جيل زد- ينتفض ويقود مظا ...
- الجزائر: ما الذي ينتظر الحكومة الجديدة محليا وإقليميا ودوليا ...
- المشتبه به في مقتل تشارلي كيرك.. جمهوري ومتبرع لحملة ترامب؟ ...
- قمة الدوحة - الدول المغاربية: إدانات مغاربية لانتهاك سيادة ق ...
- صحيفة بريطانية: الإرهاب الزراعي جبهة خطيرة قد تهددنا مستقبلا ...
- محللون: بيان قمة الدوحة وضع الدول المطبعة أمام التزامات أخلا ...


المزيد.....

- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه
- تمزيق الأقنعة التنكرية -3 / سعيد مضيه
- لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي / سعيد مضيه
- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - ياسر عرفات(أَبو عمَّار)… آخرُ الرِّجالِ في زمنِ الانكسارِ