أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - الجُوعُ... جنازةٌ يوميّةٌ في غزّة!














المزيد.....

الجُوعُ... جنازةٌ يوميّةٌ في غزّة!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8341 - 2025 / 5 / 13 - 14:52
المحور: القضية الفلسطينية
    


الجوع ليس خبراً يُنشر في صدر الصحف، ولا مجرد عنوان تلتقطه كاميرات العالم ثم تمضي، بل هو في غزة لعنة متواصلة، وطابور طويل من الذلّ، ونداء لا يجد صدى.
في غزة، الجوع ليس حالة طارئة، بل هو نظام حياة، مفردة قاسية من مفردات البقاء، تُكتب بالدمع وبكسرة الخبز اليابسة.

الوجوه هناك لا تشي بالحياة، الأجساد ذابلة، والعيون غائرة، كأنها تنظر من عمق المقابر.
لو كشف أحدهم عن جسده، لرأيت سجناً محفوراً في الجلد، هيكلاً عظمياً يُشبه جدران المعتقل، لا يسكنه إلا الأنين.
وتحت كل حجر في غزة، أنين مكتوم، صرخة بحجم العالم، لكنها لا تخترق آذاناً صمّاء.

في غزّة لا يطلب الناس طعاماً فاخراً، بل يبحثون عن فتات الخبز، عن كسرة جافة، حتى لو اعتراها العفن، فإنهم ينفضونه عنها، يُقمّرونها تحت شمس الله، ويتقاسمونها كما لو كانت مائدة ملوك.
لأن الجوع لا يُخيّر، والجائع لا يختار، ولأن الطفولة في غزة صارت تلعب بطوابير الانتظار بدلاً من الدمى.

وفي الخلف، تقف الجيوش ببطون ممتلئة، تحرس الطعام من الوصول إلى الجوعى، وتترك الشاحنات تموت على أبواب المعابر، وكأنها تعلم أن القهر أشد وقعاً من الرصاص.

الرجال في غزة لا يركضون خلف الرزق فقط، بل يهربون من العجز، من رؤية أمهاتهم وأطفالهم يسقطون أمامهم، يتهاوون من الجوع، ولا حول لهم ولا قوة.
والنساء هناك بين من آثرن الموت على المذلة، وبين من اقتحمن الصفوف لأن الموت أصبح أهون من أن تُترك بطون أطفالهن خاوية.

لم تعد المائدة تجمع الأهل، بل فرّقتهم الطوابير، كلٌّ في جهة، يبحث عن لقمة يسند بها حياة جنين، أو مريض، أو شيخ يتداعى.

غزة اليوم لا تجوع فقط، بل تتعلم الجوع. تصنع له مناهج وقوانين. يأكل أهلها كل ثلاثة أيام، يصومون لا تعبُّداً فحسب، بل فقراً وقهراً، ويقدّسون وجبة "البقاء" كأنها فرض من فروض النجاة.

هذا الجوع ينهش الكرامة، يُقوّض الروح، يجعل الإنسان أمام خيارين: إما أن ينكسر ويتحوّل إلى ما دون الإنسان، أو أن يفرّ إلى الله، متخففاً من كل حاجة، قابضاً على ما تبقى من الكرامة واليقين.

غزة لا تموت من الجوع، بل من القهر. من شعورها بأنها وحدها، وأن صرخاتها لا تُسمع، وأن كرامتها تُذبح كل يوم أمام مرأى العالم.

الجوع في غزة ليس خبراً،
إنه شهادة وفاة لهذا العالم.

في غزة، لا ينتهي الجوع، ولا ينقضي الألم. كل يوم يولد من رحم معاناة جديدة، وكل ليلة تجرّ خلفها أوجاعاً لا تنتهي.
لا أمل في الأفق، ولا وعد بالسلام، بل موت بطيء لا يشبع.
إنهم يموتون كل يوم بصمت، تائهين بين أنينٍ لا يسمعه أحد، وحلمٍ ضائع تحت أنقاض هذا الواقع القاسي.
غزة لا تحتاج إلى أخبار، ولا إلى تعاطف؛ هي تحتاج إلى قلبٍ ينبض من أجلها، إلى روحٍ ترفض أن تصمت أمام هذا الجوع الذي يلتهم أكثر من الجسد، يلتهم الأمل، والكرامة، والإنسانية.

يبقى السؤال... هل سيأتي يومٌ يُكتب فيه لغزة حياة؟ أم أن هذه الأرض ستظل محاصرة بالجوع والقهر، بينما العالم يواصل عبور الزمن دون أن يلتفت إليها؟

غزّة رغم الجوع، ستظل صامدة، ولكن إلى متى؟

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة تتسلّم الطحين... إن بقي أحدٌ ليستلمه!
- إِهانةُ وطنٍ: عندما يُسلِّمُ النِّظامُ السوري رُفاتَ العدو و ...
- شيرين أبو عاقلة… سقوط الحقيقة في غابة الوحوش
- غزّة ومغولُ العصر... وقلوبُنا المُحصّنةُ بالصّمت
- غزّة وحدها في مُواجهة العالم
- كَشكَش يحرُسُ العدالة... وخليل نزار بنات ينتظرُ الغائبين
- وداعاً سكايب: رثاء لصوتٍ كان يعبر المسافات
- مخيّم شاتيلا يسقي غزّة: رسالةُ حُبٍّ من تحتِ الرُّكامِ
- الخُذلانُ يتكرّر... من جبل أُحد إلى رُكام غزّة!
- حين تُصبحُ النّكبةُ في غزّة خبراً بلا ذاكرة
- غزّة تنزفُ... واليمن آخرُ الأَوفياءِ
- هل يمُوتُ نوح في طُوفانه؟! فلسطين وثباتُ الأَنبياء
- غزّة… الشّجرةُ التي لا تنكسرُ
- من أَعماق القبر... الشهيد نزار بنات يُحاكمُ -رئيس الوزراء ال ...
- من تحت التراب... الشهيد نزار بنات يكتب لمحمد اشتية
- غزَّة... حين يُكتَبُ التَّاريخُ بدم الشُّهداءِ
- من تحت التراب... رسالة الشهيد نزار بنات إلى حسين الشيخ!
- غزَّة وحدها... والأُمَّةُ في صمتِ الغِيابِ
- رئيس -زعَلَطي-… في حضرةِ الدمِ والخذلانِ
- ياسر عرفات(أَبو عمَّار)… آخرُ الرِّجالِ في زمنِ الانكسارِ


المزيد.....




- خريطة تُظهر المناطق الحيوية في أوكرانيا التي ستكون محل نقاش ...
- كيف علّق اللبنانيون على زيارة علي لاريجاني أمين المجلس الأعل ...
- أوكرانيا تستعيد 84 أسيرا في أحدث عملية تبادل مع روسيا بينهم ...
- مصرع 46 شخصا وفقدان 200 بعد هطول أمطار غزيرة مفاجئة في كشمير ...
- إضافة فعالة لروتينك اليومي.. كيف تستفيدين من مرهم الزنك في ا ...
- شاهد.. الاحتلال يقصف 3 فلسطينيين أثناء انتشال شهيد بالشجاعية ...
- -ألم يأن أوان التحرك؟-.. نشطاء: تجويع غزة إبادة إسرائيلية بأ ...
- استمرار الاحتجاجات المنددة باغتيال إسرائيل صحفيي الجزيرة
- -ثوب الكِرِب- تراث سوداني يتحدى الحداثة
- من الطلاق الانتقامي إلى التعافي.. خطوات الانتصار الذاتي بعد ...


المزيد.....

- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه
- تمزيق الأقنعة التنكرية -3 / سعيد مضيه
- لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي / سعيد مضيه
- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني
- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - الجُوعُ... جنازةٌ يوميّةٌ في غزّة!