أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - من عُمق الغياب... الشهيد نزار بنات يخاطب محمود عباس (أبو مازن)















المزيد.....

من عُمق الغياب... الشهيد نزار بنات يخاطب محمود عباس (أبو مازن)


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8342 - 2025 / 5 / 14 - 14:09
المحور: القضية الفلسطينية
    


من تحت التراب، لا أبحث عن خطابٍ جديد،
ولا أكتب إليك يا محمود لتتأثّر،
ولا حتى لأحاسبك... فقد فاتَ وقتُ الحساب.

أنا فقط... أُراقبك.

أراك تمشي بثقل السنوات التي لم تُنصِف فيها أحداً،
بعينٍ تتهرّب من المرايا،
وبظهرٍ منحنٍ... لا من ثقل العُمر، بل من ثقل الأكاذيب.

يا محمود،
هل تعلم أن الشَّيب لا يغفر؟
وأنّ الشيخوخة ليست عذراً، عندما يُصبح الحاكم شيخاً على عرش الذاكرة المُهترئة؟

حين كنت تُرتّب ملفات "المصالحة"،
كنّا نُرتّب جنازاتنا.

وحين جلست على كرسيّ الرئاسة لعقود،
لم نكن نحسب الوقت، بل نحسب عدد الشهداء، وعدد الاعتقالات، وعدد المرات التي قلت فيها: "نحن نتابع".

نعم... تابعتنا جيّداً.
تابعت أرواحنا وهي تُصفّى على يد أمنك،
تابعت صرخاتنا تُدفن في بيانات التنديد،
تابعت حتى مات صوتُنا من فَرط المتابعة.

يا محمود،
لم آتِ إليك من الآخرة لأُعاتبك،
فالعتابُ يكون بين الأحياء،
وأنت... لست منهم.
أنت مجرّد توقيعٍ يتنفّس،
بيانٍ يمشي،
بيانٍ يُحاك في رام الله ويُدفن في غزّة.

هل ما زلت تحفظ جملة: "الديمقراطية خيارنا الوحيد"؟
قلتها كثيراً... حتى صدّقتها،
لكنّنا لم نَرَ منها سوى صناديق مُقفلة، وقلوبٍ مُغلقة، ومقاعد لا تُغادرها إلّا بالموت.
ولأنك لم تمت بعد... فها أنت هناك.

يا محمود،
حين استُشهد نزار بنات، كنت تُصغي فقط لتقارير الأجهزة،
وحين قُطِعت رواتب الأسرى، كنت تُرتّب أولويّاتك المالية،
وحين نزفت الكرامة في زنزانةٍ مُظلِمة، كنت تُفكّر في خطابٍ جديد عن "وحدة الصف".

لم نعد ننتظر خطابك، يا محمود،
نحن ننتظر صمتك الأخير،
ذلك الصمت الذي لا تعقبه مؤتمرات صحفية،
ولا مواقف سياسية،
صمتُ القبر... حيث لا حاجة لأجهزة تنصّت،
ولا مستشارين،
ولا مُترجمين لابتسامتك الرمادية.

الشهيد نزار بنات (أبو كفاح) ينتظرك، يا عبّاس، في الآخرة،
لا لمحاكمةٍ عادلة،
بل ليرى إن كان الشَّيبُ يُشفِعُ لمن لم يُشفِع للعدل في شبابه.

من هنا، من قاع التراب، أسألك:
هل يُشفَع لك الشَّيب؟
هل ستقول للملَك: إنك لم تكن تدري؟
هل ستقول: "أنا حميتُ القضية"؟
أيُّ قضيّة؟
تلك التي فُقِدت في أرشيف "التنسيق الأمني المقدّس"؟
أم تلك التي وُضِعت على رفّ البنك الدولي؟

نحن موتى، يا محمود...
لكنّنا أحياءٌ أكثرُ منك.

أنت حيّ،
لكن في غيبوبةٍ رسميّة،
بختمٍ على جبينك مكتوب عليه: "الرئيس... منذ قرن".

لا نريد منك شيئاً،
لا اعتذاراً،
ولا تراجعاً،
فالأوطان لا تعود بخطاب.

لكن حين تمرّ قرب قبري ذات يوم – إن سمحوا لك بالخروج دون موكب –
قِف،
اقرأ اسمي،
ولا تكذب هذه المرة.

قُل لنفسك:
"هنا يرقد رجلٌ كان حرّاً...
ورئيسٌ عاش طويلاً، دون أن يعيش حقّاً".

وإن ضاقت عليك الدنيا بما رَحُبت،
تذكّر أن الموتى لا يُقال لهم: "استقِل"،
ولا يُخاطبون بندوة،
ولا يُحرَجون في مؤتمر.

نحن فقط ننتظر،
وسنلتقي...

في قاعة عدلٍ لا تحتاج بطاقة دعوة،
ولا توقيع مرسوم،
ولا جملة ختامية تبدأ بـ"نحن نُدين ونستنكر".

هناك فقط، يا محمود،
لن تُشفع لك أناقتك،
ولا اسمك الطويل،
ولا صورتك في مكاتب السفراء.

هناك، سنتحدّث جميعاً...
بنزار بنات، وبالدم، وبالحق،
عن وطنٍ... مات على يديك.

وقبل أن أعود إلى صمتي،
توقّف لحظة، يا محمود،
وفكّر... لا في الحُكم، ولا في الكرسي،
بل في ثلاثة وجوهٍ صغيرة، لم تَعُد تبتسم كما كانت.

وجيهان (أم كفاح)...
تلك الأمُّ المكلومةُ التي انكسر قلبُها ألف مرّةٍ ولم يُجبره أحد،
تُركت وحدها في العراء، تُواجهُ رياح الخُذلان،
خذلها القريبُ قبل البعيد، وغابت عنها الأكتافُ حين احتاجت من يُسندها،
بقيت في العتمة، تُصارعُ ألمها كأنها آخرُ من بقي من وطنٍ غادره الجميع،
أمٌّ تقاسمت الحزن مع الجدران،
وأنجبت الصبر من أنقاضِها المُنهارة، ثم مات الصبرُ بين يديها... ولم يُعزِّها أحد.

خليل...
ذاك الطفل الذي كَبُر قبل أوانه،
يجلس قرب النافذة كل مساء،
لا يقرأ كتاباً، ولا يلعب،
بل يُحدّق في الغياب، كمن يحاول رسم ملامح أبيه من الذاكرة.
إلى جواره، كلبه "كشكش"،
يتقاسم معه الصمت، ويحرُس وحدته الصغيرة بصبرٍ لا يُشبه إلا وفاء الكلاب.

مريم...
تلك الصغيرة التي خبّأت طفولتها خلف وجعٍ أكبر من عمرها،
لا تدري ما الذي حدث، لكنها تعرف أن والدها لن يعود...
وتعرف أن العالم كلّه، لم يُكلّف نفسه حتى أن يقول: "آسف".

مارية...
تلك الصغيرة التي تركتها خلفي، لا تعرف من الدنيا سوى كلمة: "بابا"،
كانت تقف عند الباب، تظنّ أن من يغيب لا بدّ أن يعود،
ما زالت تعدّ خطواتٍ لا تأتي...
ولا تدري أن من يذهب إلى القبر، لا يطرق الأبواب مرّة أخرى.

هؤلاء، يا محمود،
لا يقرؤون بيانات الرئاسة،
ولا يفهمون لغة المؤتمرات،
لكنّهم يُتقنون شيئاً واحداً: الانتظار.

انتظارُ العدالة التي لم تأتِ،
وانتظارُ الحقيقة التي دُفِنت مع أبيهم،
وانتظارُ وطنٍ لا يعود من تحت الركام.

فإذا مررت ذات يومٍ بجانبهم،
لا تُكلّمهم،
فقط... انظر في عيونهم.

هناك، في ذلك البؤسِ الصامت،
تكمُن كلّ ما لم تستطع قوله،
وكلّ ما لن تُغفر لك فيه الأيام.

وإن كنت تنسى...
فهم لا ينسون،
يبكون في صمتٍ لا يلتفت إليه أحد،
وتذبل طفولتُهم كزهرةٍ نسيها المطر.
والله... لا ينسى،
وهو أحنّ عليهم ممّن غابوا.

هذا النص، وإن كُتب بلغة الأحياء، فلا يعدو كونه صوتاً تخييلياً لصديقٍ موجوع، اسمه محمود كلّم، كتب بجرح القلب عن رفيقٍ اسمه نزار بنات، رحل صامتاً تحت التراب، فحاول أن يُعيد إليه الصوت؛ لا ليُواسي موته، بل ليُدين صمت الأحياء.


[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجُوعُ... جنازةٌ يوميّةٌ في غزّة!
- غزة تتسلّم الطحين... إن بقي أحدٌ ليستلمه!
- إِهانةُ وطنٍ: عندما يُسلِّمُ النِّظامُ السوري رُفاتَ العدو و ...
- شيرين أبو عاقلة… سقوط الحقيقة في غابة الوحوش
- غزّة ومغولُ العصر... وقلوبُنا المُحصّنةُ بالصّمت
- غزّة وحدها في مُواجهة العالم
- كَشكَش يحرُسُ العدالة... وخليل نزار بنات ينتظرُ الغائبين
- وداعاً سكايب: رثاء لصوتٍ كان يعبر المسافات
- مخيّم شاتيلا يسقي غزّة: رسالةُ حُبٍّ من تحتِ الرُّكامِ
- الخُذلانُ يتكرّر... من جبل أُحد إلى رُكام غزّة!
- حين تُصبحُ النّكبةُ في غزّة خبراً بلا ذاكرة
- غزّة تنزفُ... واليمن آخرُ الأَوفياءِ
- هل يمُوتُ نوح في طُوفانه؟! فلسطين وثباتُ الأَنبياء
- غزّة… الشّجرةُ التي لا تنكسرُ
- من أَعماق القبر... الشهيد نزار بنات يُحاكمُ -رئيس الوزراء ال ...
- من تحت التراب... الشهيد نزار بنات يكتب لمحمد اشتية
- غزَّة... حين يُكتَبُ التَّاريخُ بدم الشُّهداءِ
- من تحت التراب... رسالة الشهيد نزار بنات إلى حسين الشيخ!
- غزَّة وحدها... والأُمَّةُ في صمتِ الغِيابِ
- رئيس -زعَلَطي-… في حضرةِ الدمِ والخذلانِ


المزيد.....




- بين تحليل صور جوية وتصريحات مشرعين.. ماذا نعلم عن منشآت إيرا ...
- بعد 3 سنوات من إزالته من قائمة المخدرات.. حكومة تايلاند تفرض ...
- غزة: صراع من أجل البقاء ولو إلى حين.. هكذا يُصنع الوقود من ا ...
- قتلى بينهم طيار في أعنف هجوم جوي روسي على أوكرانيا منذ بدء ا ...
- مخيم الهول.. ملجأ يضم عائلات مقاتلي تنظيم الدولة
- 3 دولارات ثمن الحياة.. مغردون: من المسؤول عن فاجعة -شهيدات ل ...
- عرض أميركي يقابله شروط لبنانية.. هل تؤتي زيارة باراك ثمارها؟ ...
- حماس تشترط وترامب يضغط.. هل تقترب صفقة غزة؟
- بولتون يكشف -السبب الحقيقي- الذي ضرب ترامب إيران لأجله
- روسيا تشن -أضخم هجوم جوي- على أوكرانيا


المزيد.....

- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - من عُمق الغياب... الشهيد نزار بنات يخاطب محمود عباس (أبو مازن)