أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - الدكتورة آلاء النجار... أُمُّ الشهداء وصبرُ الجبال في وجه العاصفة!














المزيد.....

الدكتورة آلاء النجار... أُمُّ الشهداء وصبرُ الجبال في وجه العاصفة!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 18:47
المحور: القضية الفلسطينية
    


في زاويةٍ من هذا العالم، حيث تمضي الأيام ثقيلةً، مثقلةً بالدم والدمع، تقف امرأةٌ فلسطينيةٌ شامخة، تلبس الحزن عباءة، وتغزل من الدموع صبراً لا يُوصف.
الدكتورة آلاء النجار، لم تكن يوماً تبحث عن مجدٍ أو شهرة، لكنها وجدت نفسها تحمل لقباً لا تحمله إلا النساء العِظام: أُمٌّ لتسعةِ شهداء.

تسعةٌ من فلذاتِ كبدها ارتقوا إلى السماء، ارتقوا بصمت، تاركين خلفهم قلباً مكلوماً، وذكرى محفورةً في كل زاويةٍ من زوايا البيت... تسعُ أرواح، تسعُ وجوه، تسعةُ أسماء كانت تناديها "أمّي" بصوتٍ يشبه الندى، فإذا به اليوم يتحوّل إلى صدىً في المقابر: يحيى، وركان، ورسلان، وجبران، وإيف، وريفان، وسيدين، ولقمان، وسيدرا... أسماءٌ كانت تنبض بالحياة، فإذا بها اليوم تصل إلى قسم الطوارئ، حيث كانت تعمل بصمتٍ كطبيبة أطفال في مستشفى ناصر بخان يونس، تستقبل جثامينهم واحدةً تلو الأخرى، في مشهدٍ لا تحتمله الجبال.

كيف يُمكن لقلبٍ أن يتحمّل كل هذه الانكسارات دفعةً واحدة؟
زوجٌ وتسعة أطفال.

ما أقسى الرحيل حين يتكرّر، وما أوجعه حين يصبح عادةً في بيتٍ لا يغيب عنه نبضُ الحياة، إلا ليعود محمولاً على الأكفّ. لكن المرأة الفلسطينية لا تضعف، بل تشدّ قامتها كما الجبال، تقف في وجه الريح، وتكفّن حزنها بكبرياء، وتقول: "الحمد لله"، بينما كلّ شيءٍ في داخلها يصرخ.

آلاء النجار ليست حالةً استثنائية، بل هي صورةٌ متكررةٌ لنساء فلسطين: أُمُّ الشهيد، وزوجته، وشقيقته، وجدّته. هنّ نساءٌ لم يُخَيَّرن في الوجع، لكنه فُرض عليهن، فَحَمَلْنَه كما يُحمَلُ الوطنُ في القلب. وجعٌ لا يعرفه العالم، لكنه يعرفه ويتجاهله. وجعٌ لا يُكتَب في نشرات الأخبار، لكنه يسكن القلوب، في الصدور، في العيون.

أيُّ صبرٍ هذا الذي يحتمل أن تفقدي ولداً، ثم آخر، ثُمّ تمضي السُّنُونَ وأنتِ تُهيّئينَ نفسكِ لفراقٍ جديدٍ؟ أيُّ قلبٍ ذاك الذي لا يتوقّف عن الخفقان، رغم أن النبضات تمزّق داخله ألماً؟ هي لا تبكي أمام الناس، لكنها تنزف في الليل، حين لا يراها أحد.

المرأة الفلسطينية هي جبلُ المحامل، لا تهزّه العواصف، ولا تُنقص من عظمته الفواجع. تنحني للحظة، ثم تقف... تمسح دموعها، وتواصل طريقها بين ركام البيت، وبين قبور الأحبّة، وبين زغاريدِ الشهادة التي تُخنق في الحلق.

في وجه الاحتلال القاتل، وفي وجه الصمت الدوليّ المخجل، تبقى هذه المرأة عنواناً للفداء، ورايةً للكرامة، وشاهداً حيّاً على عجزِ العالم... وفي قلبها دعاءٌ واحد:
إلى الله المُشتكى.

وما كادت تلملم وجعها، وتربط جراح قلبها، حتى جاءها خبرٌ كالسهم في الصدر:
الدكتور حمدي النجار، رفيق دربها وزوجها، التحق بأبنائه التسعة إلى رحاب الخالدين.
يبدو أن قلبه لم يحتمل فراقهم، فلم يطل به البقاء، فلحق بهم على عجل، وكأن الروح قد سئمت البقاء في جسدٍ فقد كل ملامحه.

فاضت روحه وهو يردّد أسماءهم في صلاته، وكأنّه على موعدٍ معهم...
غادر بصمت، كما غادروا، وترك وراءه آلاء تواجه الليل وحدها، وحيدةً تماماً، إلا من الله، وألمٍ لا قاع له.

وهكذا تمضي آلاء النجار، كما تمضي آلافُ الأمهات في فلسطين، تحمل صورَ أبنائها وزوجها في قلبها، وتنتظر لقاءً في السماء، بعدما غاب اللقاء على الأرض. لا بيت يملؤه الضحك، لا مقعد في البيت إلا وتغمره الذكرى، ولا ليل يمرّ دون أن يغرس أنيابه في صدرها. رحل أحبّاؤها، وبقيت هي شاهدةً على وطنٍ ينزف، وشعبٍ يُذبَح، وأمّةٍ تصمت.

يبكيها القلب، ولا تواسيها الكلمات. وحده الله يعلم وجعها، وحده الله يسمع أنينها حين ينام الجميع. وفي هذا الخراب الممتد من بحر غزة إلى أزقّة القدس، تبقى هي أُمَّ الشهداء... أُمَّ الوجع الذي لا ينتهي، والدمعة التي لا تجف، والنداء الذي يرتفع من أعماق الروح:
يا رب... لا ملجأَ منك إلا إليك.

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزّة تمُوتُ ببُطءٍ... والعالمُ يغُضُّ الطّرف
- غزّة... النَّعشُ الذي يمشي وحدهُ
- غزّة تكتُبُ قصيدة الشّاعر نزار قبّاني الأَخيرة!
- بدر فلسطين التي غابت دون وداعٍ!
- شهد الصوّاف... صرخةٌ جائعةٌ في وجه أُمَّةٍ خذلتها!
- مارغريت تاتشر... حين قالت: -أنا لست زعيماً عربياً-!
- خوسيه موخيكا يغيب... وغزة تزداد نزفاً
- الإنسان الفلسطيني: المعجزة التي هزمت السلاح!
- جائزة لصانع السلام... ورصاصةٌ لنزار بنات الذي نادى بالحق!
- إنزو مايوركا أنقذ دلفيناً... فمن يُنقذ غزّة؟
- لا تصالح... أمل دنقل والقصيدة التي تنزف من غزة!
- خلف الحمير… إلى الهاوية!
- غزة وحدها... تقاتل كما قاتل الحسين في كربلاء!
- لاهاي تتنحى وكريم خان يأخذ إجازة... وغزّة تغرق في أنقاض الصم ...
- معين بسيسو... الشاعر الذي مات في المنفى وظلّ صوته في فلسطين
- خالد الحسين... أبو الشهداء حين مات الصَّبرُ ونام مسدسُ المَا ...
- فلسطين... خذلانٌ لا ينتهي ومفاتيحٌ لا تصدأ!
- من عُمق الغياب... الشهيد نزار بنات يخاطب محمود عباس (أبو ماز ...
- الجُوعُ... جنازةٌ يوميّةٌ في غزّة!
- غزة تتسلّم الطحين... إن بقي أحدٌ ليستلمه!


المزيد.....




- هذا الرجل يُنظم رحلات جنونية لفائقي الثراء في جنوب شرق آسيا ...
- -عمل مقزز ومليء بالفساد-.. ماسك يوجه انتقادات لاذعة لمشروع ت ...
- إسرائيل.. أزمة قانون الإعفاء من التجنيد تهدد بتمزق الائتلاف ...
- الطائرات الصغيرة تصنع الفارق: هل تغير الحرب في أوكرانيا قواع ...
- تقرير السلام لعام 2025: الناتو -لا مستقبل له- بسبب ترامب
- جزيرة المتاحف في برلين.. شاهد على عقود من النكوص والنهوض في ...
- استخدام الحشيش في المأكولات يرتبط بزيادة خطر أمراض القلب
- من بكين.. لوكاشينكو يشير إلى ضغوط غربية غير مسبوقة على الصين ...
- خامنئي يرد على واشنطن: لن نتخلى عن التخصيب!
- هجوم روسي أطبقت فيه -السماء على الأرض-!


المزيد.....

- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - الدكتورة آلاء النجار... أُمُّ الشهداء وصبرُ الجبال في وجه العاصفة!