أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - غزّة... النَّعشُ الذي يمشي وحدهُ














المزيد.....

غزّة... النَّعشُ الذي يمشي وحدهُ


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 20:11
المحور: القضية الفلسطينية
    


تمشي غزّة في جنازتها اليومية، لا تحملها أكتاف المحبّين، بل يسحبها التاريخ مثخنةً بالخذلان. جدرانها تحفظ أسماء الشهداء أكثر مما تحفظ أسماء الأحياء، وطرقاتها تفتح ذراعيها للدم قبل الضوء. كلّ بيتٍ فيها مرقد، وكلّ طفلٍ سيرة نكبة، وكلّ نافذةٍ تُطلُّ على سؤالٍ موجع: هل ما زالت الحياة ممكنةً بين كلّ هذا الموت؟

في زمنٍ لم يكن للضعفاء فيه صوت، كانت غزّة تصرخ للعالم بأسره، لا تطلب شيئاً، بل تعطي كلّ شيء. كانت الشوارع تضجّ بالأعلام، والهتافات تعلو من حناجر صلبة، تهتف من أجل نيلسون مانديلا في زنزانته، ومن أجل نيكاراغوا البعيدة، ومن أجل كلّ مظلومٍ على هذه الأرض. كانت غزّة الصغيرة، المحاصرة بين البحر والخذلان، تفتح قلبها للعالم، ترسل حمضياتها وورودها، ترسل حبّها ونقاءها، وترفض أن تمدّ يدها إلا بالخير.

في شارع عمر المختار وحيّ الرمال، كانت التظاهرات تملأ المكان، وكانت البيوت تضيء بالأمل رغم الألم. غزّة لم تكن تعرف الفقر بمعناه اليوم، بل كانت غنيّةً بالكرامة، والشهامة، والكبرياء الذي لا ينكسر. كانت تتبرّع بالمال، وبالحبّ، وبالصوت، وبالموقف، وكانت تنتظر فقط أن يبقى العالم رحيماً، لكن يلعن هذا الزمان الذي يدور، ثمّ يدوس.
يلعنه حين يُميت القلوب، ويقلب الوجوه، ويجعل من العطاء لعنة، ومن الكرامة تهمة.

شوارعها غارقة في الدمار، أطفالها يحلمون بخبزٍ لا يأتي، وأهلها يمشون بين الركام، يجرّون خلفهم الذكريات. لا حمضيات تُصدَّر، ولا ورد يملأ الطرقات، ولا مال يُرسل للعالم.
اليوم، يطلب الناس في غزّة الدواء، والماء، والخيمة، وبعض الكهرباء.

أولئك الذين كانوا يخرجون لأجل العالم، من خرج لأجلهم؟
أولئك الذين وهبوا أصواتهم لكلّ مظلوم، من صرخ لأجلهم؟
أولئك الذين كانوا يعطون بلا حساب، لماذا تُركوا وحدهم يحصون أنفاسهم تحت الأنقاض؟

يا غزّة... يا أيقونة الكرامة، يا عاصمة الجرح، يا من كنتِ أمّاً للحرية... سامحينا.
فالعالم تغيّر، والناس تبدّلت، والحقيقة ضاعت في زحمة المصالح.
لكن يبقى لكِ المجد، وتبقى لكِ الحكاية التي لن تموت:
أنكِ كنتِ تعطين، حين بُخِلَ العالمُ كُلُّهُ.
أنكِ كنتِ تصرخين، حين صمتت الأرض.
أنكِ كنتِ حيّة، والآخرون موتى بضميرٍ غائب.

غزّة اليوم جريحة، لكنها لا تزال نبيلة.
تئنّ، لكنها لا تنحني.
تبكي، لكنها لا تذلّ.
وغداً، حين يُهزَم الظلم، ستعود غزّة كما كانت:
تعطي، ولا تأخذ، لكن أكثر ما يُوجِع في حكاية غزّة...
أن الذين أضاءوا العالم تُركوا في عتمةٍ موحشة.
أن الذين نادوا بالحرية لكلّ الشعوب، يعيشون اليوم خلف الأسلاك، بلا دواء، بلا ماء، بلا حضنٍ دافئ.

غزّة التي علّمتنا كيف نكون كباراً، تُهان اليوم بصمتٍ عالميٍّ مُخزٍ.
وغزّة التي علّمتنا الكرامة، تُذبَح كلّ يوم وسط خذلانٍ يُقطّع القلب.

تبكي غزّة، ولا يسمعها أحد.
تصرخ، لكن صوتها يضيع في صدى المصالح.
وتموت واقفة، لأنّ الركوع لم يكن يوماً من شيمها.

وحدها غزّة... تمشي في الجنازة، وهي الميتة.
وحدها غزّة... تُشيّع أحلامها، وتُقبّل أطفالها الراحلين، وتُكمل الطريق.
فمن لغزّة حين خذلها العالم؟

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزّة تكتُبُ قصيدة الشّاعر نزار قبّاني الأَخيرة!
- بدر فلسطين التي غابت دون وداعٍ!
- شهد الصوّاف... صرخةٌ جائعةٌ في وجه أُمَّةٍ خذلتها!
- مارغريت تاتشر... حين قالت: -أنا لست زعيماً عربياً-!
- خوسيه موخيكا يغيب... وغزة تزداد نزفاً
- الإنسان الفلسطيني: المعجزة التي هزمت السلاح!
- جائزة لصانع السلام... ورصاصةٌ لنزار بنات الذي نادى بالحق!
- إنزو مايوركا أنقذ دلفيناً... فمن يُنقذ غزّة؟
- لا تصالح... أمل دنقل والقصيدة التي تنزف من غزة!
- خلف الحمير… إلى الهاوية!
- غزة وحدها... تقاتل كما قاتل الحسين في كربلاء!
- لاهاي تتنحى وكريم خان يأخذ إجازة... وغزّة تغرق في أنقاض الصم ...
- معين بسيسو... الشاعر الذي مات في المنفى وظلّ صوته في فلسطين
- خالد الحسين... أبو الشهداء حين مات الصَّبرُ ونام مسدسُ المَا ...
- فلسطين... خذلانٌ لا ينتهي ومفاتيحٌ لا تصدأ!
- من عُمق الغياب... الشهيد نزار بنات يخاطب محمود عباس (أبو ماز ...
- الجُوعُ... جنازةٌ يوميّةٌ في غزّة!
- غزة تتسلّم الطحين... إن بقي أحدٌ ليستلمه!
- إِهانةُ وطنٍ: عندما يُسلِّمُ النِّظامُ السوري رُفاتَ العدو و ...
- شيرين أبو عاقلة… سقوط الحقيقة في غابة الوحوش


المزيد.....




- بعد رد حماس.. هل توسع إسرائيل عملياتها بغزة؟
- مسيرة في تونس دعما لفلسطين
- -غير مقبول- - ويتكوف ينتقد رد حماس على المقترح الأمريكي لغزة ...
- أردوغان: نعمل على تنظيم اجتماع روسيا وأوكرانيا في إسطنبول لض ...
- -معاريف-: اغتيال محمد السنوار خلق ثلاث مشاكل لحماس مع قطر وم ...
- القوات الروسية تحرر بلدة -زيلونوي بولي-
- القوات الإسرائيلية تعتدي على موظف نظافة جنوب نابلس (فيديو)
- تأجيل زيارة الوزراء العرب إلى رام الله
- نتنياهو يعاود طعن حماس وينتهز الفرصة لإرضاء ويتكوف وواشنطن.. ...
- الجيش الإسرائيلي ينذر سكان خان يونس وبني سهيلا وعبسان ويطلب ...


المزيد.....

- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - غزّة... النَّعشُ الذي يمشي وحدهُ