أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - حين ينكسرُ قلبُ الأب… ولا أحدَ يسمع!














المزيد.....

حين ينكسرُ قلبُ الأب… ولا أحدَ يسمع!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8371 - 2025 / 6 / 12 - 13:17
المحور: القضية الفلسطينية
    


عن الحاج خليل محمد بنات، والد الشهيد نزار بنات.
الأبُ الذي ربّى نزار، وربّى الصوت… ثم فقد كليهما.

في الزاويةِ المقابلة، بعيداً عن عدسات الكاميرات، كان يقف الحاجُّ خليل بنات…
أبُ الشهيد نزار،
رجلٌ يُشبه الأرض في صلابتها، لكنّه يوم رحيلِ نزار، تصدَّعت فيه الجبال.

لم يقُل كثيراً، ولم يَبكِ أمام الناس،
لكن في عينيه شيءٌ يُشبه الحريق…
نارٌ هادئة، لكنها لا تنطفئ.

هو الأبُ الذي أنجب الصوت، وربّى الصدق، وغرس في ابنه جذور الرجولة.
علّمه أن يمشي مرفوع الرأس، حتى لو كانت الأرضُ كلُّها منحدراً نحو الخوف،
لكن… من يُعلّم الأب كيف ينهض حين يسقطُ ابنُه؟

في كلِّ بيتٍ فلسطينيٍّ حكايةُ وجع،
لكنّ جرح الأب... هو الجُرحُ الصامت.

لا يكتبُ الشُّعراءُ عن دموعه،
ولا تقف الخُطبُ كثيراً عند غصّته.
لأنّه لا يصرخ،
ولا ينهارُ أمام أحد.

نزار لم يكن مجرّد ابن،
كان صديقاً لوالده، وظلَّه الذي لا يُفارقه.
كان يفتخر بأبيه، ويحملُه في قلبه أينما ذهب.
وحين رُزق نزار بابن، سمّاه "خليل"، تيمُّناً بالرجلِ الذي علّمه الرجولة.
قال يومها:
"أبي يستحق أن يبقى اسمُه حيّاً، حتى في حفيدي."

لكن نزار غاب،
وغابت معه الضحكةُ، والنقاشاتُ، وكوبُ الشاي المشتركُ عند الغروب.

في الليل، حين تنام الأمُّ وتغفو الأحفاد،
يجلس الحاج خليل في صمتٍ طويل، يحدّق في صورته،
ويُحادثه كأنّه لم يمت:
"كنتَ تقول الحقيقة يا بُنيّ، لكن الحقيقة قتلتك… وقلبي معك ما زال ينزف."

هو لا يبحثُ عن عدالةٍ في المحكمة،
ولا عن عزاءٍ في المواساة،
هو فقط يُريد أن يسمع صوته مرّةً أخيرة،
أن يسمعه يضحك، يغضب، يقول:
"صباحُ الخير يا أبي."

لكن صباحات البيت لم تعُد كما كانت.
المائدةُ ناقصة،
والكرسيُّ الخشبيُّ بجانبِ البابِ فارغ،
والكوفيّةُ التي كان نزار يضعُها، ما زالت مُعلّقة… لم يجرؤ أحدٌ على لمسِها.

الأب لا ينهار كما تفعل الأمهات،
هو ينهار من الداخل،
ببطءٍ، دون صوت، دون ضجيج.

وحين يذكر أحدٌ اسم نزار أمامه،
يكتفي بهزّة رأس، أو تنهيدةٍ طويلة،
ثم يقول:
"كان ابني… وكان وطناً."

الشهيد نزار بنات لم يكن مجرّد ابنٍ لأمٍّ عظيمة،
كان أيضاً امتداداً لقلبِ رجلٍ اسمه خليل،
أبٌ ربّى الصوت، فصار الصوتُ وطناً.

في زمنٍ تُقال فيه الشهاداتُ على المنابر،
هناك آباءٌ يكتبونها بصمت،
كلّما عادوا إلى بيوتهم،
ولم يجدوا أبناءهم عند الباب.

رحل نزار… وترك في قلب أبيه حفرةً لا قرارَ لها.
صار الحاج خليل يُخفي وجعه بين الناس،
ويمسح دموعه بصمتٍ حين لا يراه أحد.
ليس لأنّه لا يشعر،
بل لأنّ الجرح أكبر من أن يُروى،
وأشدُّ من أن يُشارك.

هو لا يعيش بعده كما كان،
لكنه يتظاهر بالحياة…
فقط لأن نزار كان يحبُّ أن يراه قويّاً.

وفي كلِّ مساء، حين يُطفأ ضوء البيت،
يبقى نورٌ صغير لا ينطفئ في قلب الأب:
أملٌ ضعيفٌ بلقاءٍ في حلمٍ،
أو صوتٌ يأتيه من الغياب، يهمس:
"يابا… لا تزعل، أنا لا زلتُ حولك."

رحل نزار،
لكن الأب ما زال هناك في السلط…
ينتظر صوته،
ويُخبّئ الوجع في صدره كأنّه آخرُ ما تبقّى منه حيّاً.

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجزرة مدرسة صيدا الرسميَّة – المدخل الجنوبي: حين تحوَّل المل ...
- محمد نمر غضبان: ضميرُ الثورة الذي خذله الزمن!
- غزّة لا تنتظر القيامة... إنّها تعيشها!
- حين يموتُ المُؤرِّخُ... وتبقى غزّة تكتُبُ المأساة!
- الدكتورة آلاء النجار... أُمُّ الشهداء وصبرُ الجبال في وجه ال ...
- غزّة تمُوتُ ببُطءٍ... والعالمُ يغُضُّ الطّرف
- غزّة... النَّعشُ الذي يمشي وحدهُ
- غزّة تكتُبُ قصيدة الشّاعر نزار قبّاني الأَخيرة!
- بدر فلسطين التي غابت دون وداعٍ!
- شهد الصوّاف... صرخةٌ جائعةٌ في وجه أُمَّةٍ خذلتها!
- مارغريت تاتشر... حين قالت: -أنا لست زعيماً عربياً-!
- خوسيه موخيكا يغيب... وغزة تزداد نزفاً
- الإنسان الفلسطيني: المعجزة التي هزمت السلاح!
- جائزة لصانع السلام... ورصاصةٌ لنزار بنات الذي نادى بالحق!
- إنزو مايوركا أنقذ دلفيناً... فمن يُنقذ غزّة؟
- لا تصالح... أمل دنقل والقصيدة التي تنزف من غزة!
- خلف الحمير… إلى الهاوية!
- غزة وحدها... تقاتل كما قاتل الحسين في كربلاء!
- لاهاي تتنحى وكريم خان يأخذ إجازة... وغزّة تغرق في أنقاض الصم ...
- معين بسيسو... الشاعر الذي مات في المنفى وظلّ صوته في فلسطين


المزيد.....




- بمقولة خليفة أموي بعد الضربة الإسرائيلية في إيران.. مبعوث تر ...
- وكالة: البيت الأبيض يوعز بإجراء تدقيق على العقود الحكومية مع ...
- هل ما يحدث بين إسرائيل وإيران -حرب- فعلاً؟ ومتى نطلق هذه الت ...
- +++تواصل الغارات المتبادلة بين إسرائيل وإيران وسط دعوات للته ...
- أمريكا: احتجاجات -لا ملوك- ضد استعراض ترامب العسكري
- هل للولادة القيصرية مخاطر على صحة الأم والطفل على المدى الطو ...
- الجيش الإسرائيلي: مقاتلات سلاح الجو أكملت هجوما على المنشأة ...
- دفعة جديدة من الصواريخ الإيرانية تضرب وسط إسرائيل وسقوط عدد ...
- الإسعاف الإسرائيلية: مقتل إسرائيلي في الرشقة الصاروخية الإير ...
- صحيفة: واشنطن تقوم بتفعيل صواريخ باتريوت خلال الهجوم الإيران ...


المزيد.....

- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - حين ينكسرُ قلبُ الأب… ولا أحدَ يسمع!