أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - حين يموتُ المُؤرِّخُ... وتبقى غزّة تكتُبُ المأساة!














المزيد.....

حين يموتُ المُؤرِّخُ... وتبقى غزّة تكتُبُ المأساة!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8362 - 2025 / 6 / 3 - 20:14
المحور: القضية الفلسطينية
    


في لحظةٍ كان فيها الدخان الأسود يتصاعد من الضاحية الجنوبية في بيروت، والجمر يشتعل في قرى الجنوب اللبناني، رحل شيخ المؤرخين العرب بصمتٍ لا يليق إلا بالعظماء، بصوتٍ أخفض من وقع القنابل، لكنه أثقل من صمت العالم. رحل الدكتور نقولا زيادة، عن عمرٍ يناهز القرن من الحكايات، عن تاريخٍ لم يكتبه، لا لأنه نسي، بل لأنه آلمه أكثر من أن يُروى.

رحل ابن الناصرة، الفلسطيني الشامي اللبناني، دون أن يترك لنا صفحاتٍ عن النكبة، ولا فصولاً عن المجازر، ولا سطوراً عن المجاعة التي فرضها الحصار… ربما لأنه أدرك أن هذه البلاد – فلسطين – لا تُكتب بالحبر، بل بالدم.

اليوم، لا نحتاج إلى قراءة تاريخ فلسطين، لأنه يُكتب الآن في غزة، كل ساعة، كل دقيقة، على جبين طفلٍ تاهت عائلته تحت ركام البيوت، في صرخة أمٍّ تحفر بأظافرها بين الأنقاض.
فغزة – كما فلسطين – لا تموت، بل تتجدّد في الحصار، وتولد من الرماد، كالعنقاء: عنيدة، متمردة، لا تركع.

غزة اليوم لا تحتاج إلى مؤرخ، بل إلى شاهد. وغزة ليست بحاجة إلى كتب، فكل حجرٍ فيها صار وثيقة، كل جدارٍ مهدوم صار شهادة، كل عصفور مرّ فوق البحر المشتعل صار رسولاً، وكل طفلٍ رفع يده للموت وقال: "أنا هنا"، كتب فصلاً جديداً من كتاب البطولة الذي لم يُكتب بعد.

رحل نقولا زيادة، ولم يؤرّخ للقضية الفلسطينية، لكن غزة كتبتها، وما زالت تكتبها: بدماء الشهداء، بدموع الأمهات، بصبر الآباء، بأحذية الأطفال التي تُترك قرب الأنقاض كعلامات استفهام.

سألوه: لماذا لم تكتب تاريخ القضية؟
فأجاب: لا أدري… ربما لأن الزعماء لم يفهموا.
نعم، لم يفهموا، وربما لا يريدون أن يفهموا حتى اليوم، لأن فهم القضية يعني أن تتخلى عن الزعامة، وأن تصبح خادماً للشعب، لا سيداً عليه.

غزة فهمت أن الطريق إلى الحرية مفروشٌ بالحصار، والدم، والعتمة، وبالأمل العنيد.
فهمت أن الكرامة لا تُمنح، بل تُنتزع، وأن الهزيمة مستحيلة ما دام فينا طفلٌ يرسم علماً على جدارٍ مهدوم، أو فتاة تكتب في دفترها: "سأكبر، وسنعود."

غزة اليوم هي التاريخ الذي لم يكتبه نقولا زيادة، هي الامتداد الطبيعي لذاك الطفل اليتيم في دمشق، الذي خاف الفقر أكثر من الموت. غزة اليوم تُجسّد تلك العبارة: "هذا كلّ ما معنا."
نعم، لا تملك غزة إلا الكرامة، وهذا يكفي. وهذا هو المجد كله.

فليكتب العالم ما يشاء، ولينشروا ما يحلو لهم من روايات.
لن يغيّروا شيئاً.

لأن غزة... لا تُهزم. الموت فيها لا يعني النهاية، بل البداية.
والصمت فيها ليس خوفاً، بل كبرياء.
وغزة، كالدكتور نقولا زيادة، قد تختار أحياناً ألّا تكتب، لكنها لا تنسى.
وغزة، كما التاريخ، لا ترحم الغافلين.

وسيُقال بعدنا: كانت هناك غزة... وكانت هناك نار... وكان هناك شعبٌ لا يُقهر.
وسيفهمون، كما لم يفهم الزعماء من قبل، أن هناك قضايا لا تُؤرَّخ بالحبر… بل بالدم الذي لا يجف.

وهكذا يمضي العمر الفلسطيني بين أنقاض البيوت وخرائط المنفى، بين طفولةٍ تُسرق قبل أن تُزهر، وأحلامٍ تُقصف قبل أن تولد. لا تزال فلسطين تكتب وجعها بدم الشهداء، وتُلملم جراحها كلما نزفت، وتنهض من تحت الركام لتقول: "ما زلت هنا."

واقعنا الفلسطيني ليس مشهداً عابراً في نشرة أخبار، ولا قصة من الماضي تُروى، بل هو وجع يوميّ، حياة محاصرة، وطن ينتظر العودة بلا مواعيد.

لكننا – رغم كل شيء – لم نُهزم.
ربما نسقط، لكننا لا ننكسر. ربما نبكي، لكننا لا نستسلم. نحن أبناء الأرض التي علّمت الزيتون أن يصبر، وعلّمتنا كيف نُولد من الرماد. نحن حكاية لا تنتهي، وقضية لا تموت، ووجعٌ لا يُنسى.
فلسطين ليست مجرد وطن... إنها الجرح والكرامة، النكبة والصمود، الموت والحياة معاً.
وفي هذا الواقع الذي لا يرحم، يبقى الفلسطيني واقفاً، يحرس ذاكرته، ويقاوم... فقط لأنه يؤمن أن النصر، مهما طال الليل، لا يُهزم.

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتورة آلاء النجار... أُمُّ الشهداء وصبرُ الجبال في وجه ال ...
- غزّة تمُوتُ ببُطءٍ... والعالمُ يغُضُّ الطّرف
- غزّة... النَّعشُ الذي يمشي وحدهُ
- غزّة تكتُبُ قصيدة الشّاعر نزار قبّاني الأَخيرة!
- بدر فلسطين التي غابت دون وداعٍ!
- شهد الصوّاف... صرخةٌ جائعةٌ في وجه أُمَّةٍ خذلتها!
- مارغريت تاتشر... حين قالت: -أنا لست زعيماً عربياً-!
- خوسيه موخيكا يغيب... وغزة تزداد نزفاً
- الإنسان الفلسطيني: المعجزة التي هزمت السلاح!
- جائزة لصانع السلام... ورصاصةٌ لنزار بنات الذي نادى بالحق!
- إنزو مايوركا أنقذ دلفيناً... فمن يُنقذ غزّة؟
- لا تصالح... أمل دنقل والقصيدة التي تنزف من غزة!
- خلف الحمير… إلى الهاوية!
- غزة وحدها... تقاتل كما قاتل الحسين في كربلاء!
- لاهاي تتنحى وكريم خان يأخذ إجازة... وغزّة تغرق في أنقاض الصم ...
- معين بسيسو... الشاعر الذي مات في المنفى وظلّ صوته في فلسطين
- خالد الحسين... أبو الشهداء حين مات الصَّبرُ ونام مسدسُ المَا ...
- فلسطين... خذلانٌ لا ينتهي ومفاتيحٌ لا تصدأ!
- من عُمق الغياب... الشهيد نزار بنات يخاطب محمود عباس (أبو ماز ...
- الجُوعُ... جنازةٌ يوميّةٌ في غزّة!


المزيد.....




- قصات وصبغات الشعر في صيف 2025.. عودة الألوان الدافئة والقصات ...
- خلال اتصال مع ترامب.. بوتين يتوعد بالرد على هجوم أوكرانيا
- كشفتها رصاصات انتزعت من جثث ومقاطع فيديو صادمة.. دلائل بتحقي ...
- يجب تلقين كييف درسًا
- حالةُ ذعر. الجيش الأوكراني عاجز عن وقف هجوم القوات الروسية ع ...
- نتيجة المعركة.. اثنان مقابل أكثر من 40 مليونا!
- بيسكوف: بوتين أكد لترامب أن روسيا لن تترك الهجوم الأوكراني ع ...
- نتنياهو يعلن استعادة الجيش جثتي رهينتين من قطاع غزة، وسقوط ق ...
- الدفاع المدني في غزة يعلن مقتل 10 أشخاص على الأقل في غارات إ ...
- بعد قرن من الرحلة الأولى.. احتفال ضخم تكريمًا لمناطيد شركة غ ...


المزيد.....

- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - حين يموتُ المُؤرِّخُ... وتبقى غزّة تكتُبُ المأساة!