محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8376 - 2025 / 6 / 17 - 15:10
المحور:
القضية الفلسطينية
في وطنٍ أنهكته الدماء، وصار ينسى أسماء أبنائه ليحفظ أسماء شهدائه، مضى نزار بنات كأنّه نداء أخير في ليلٍ لا ينجلي.
لم يمت في حرب، ولم يسقط على جدار فصل عنصري، ولم يغتَله جنديٌّ من جنود الاحتلال في كمين.
نزار قُتل بين أهله، في مدينته، على يد من يُفترض أنهم حُماته.
لم يكن نزار بنات رجل سلاح، بل كان سلاحاً من نوعٍ آخر.
كلماته كانت طلقات، ومواقفه كانت درعاً، وصوته كان جداراً يستند إليه المقهورون ، لكنه كان أكثر مما تحتمله السلطة، وأكثر صدقاً مما تحتمله دهاليزها المعتمة.
في ليلٍ باردٍ من حزيران، اقتحمت الأجهزة الأمنية منزله، كما تقتحم العاصفة بيتاً من زجاج.
ضربوه حتى سقط جسده، ورفرفت روحه بعيداً عن هذا الوطن الذي لم يعرف كيف يحميه.
المتهمون كُثر، لكن الأسماء معروفة:
محمد زكارنة، ماهر أبو الحلاوة، زياد هبّ الريح .
أسماءٌ قد لا تحفظها الأمهات، لكنها ستبقى محفورة في ذاكرة المظلومين.
ومن كان مسؤولاً عنهم جميعاً؟
وزير الداخلية، محمد اشتية، الباحث في "الشأن الفلسطيني"، وصاحب الكتب عن "تاريخ القضية الفلسطينية".
كم هو مفجع أن يصبح التاريخ أداة قتل، والكتب واجهةً للقتلة، والكلمات غطاءً لفسادٍ يتكاثر في المكاتب الرسمية.
لقد شكّلت السلطة لجنة تحقيق في الجريمة،
لكن المفارقة أن اللجنة وُلدت من رحم الجريمة نفسها، ومن دماء الضحية.
كيف تُحقّق الذئاب في مذبحة القطيع؟
كان نزار يقول الحقيقة عن فسادهم: الإداري والسياسي، عن التعيينات المسمومة، عن رواتب النخبة التي لا تُمسّ، وعن أبناء الوطن الذين يُكسرون في طوابير البطالة والإهانة.
ولأن الكلمة الصادقة أخطر من الرصاصة، قرروا إسكاته.
ما أقسى أن يكون القاتل يرتدي نفس الزيّ، ويحمل نفس الهوية، ويتغنّى بنفس الشعارات.
نزار بنات لم يُقتل لأنه خان، بل لأنه قال الحقيقة.
لم يُكسر لأنه استسلم، بل لأنه رفع رأسه وتحدّى.
وفي بلادٍ تُكافئ الصمت وتطارد الحقيقة، كان لا بدّ أن يدفع الثمن.
رحل نزار بنات،
وبقيت السلطة، وبقيت لجان التحقيق، وبقيت الكتب التي تروي تاريخاً مزيّفاً،
لكن بقي أيضاً صوته...
صوته الذي لم تنجح كل هراواتهم في إسكات نبضه، ولا كل صمتهم في دفن روحه.
وإن كانت العدالة قد عجزت عن الحضور في حياته،
فلتشهد عليه في موته،
أن نزار بنات لم يمت...
بل اغتيل على أيدي الذين خانوا هذا الوطن،
وما زالوا يمشون على ترابه، دون خجل، دون حساب، دون قلب.
[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟