أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - وصيّةُ الدّم... من نزار بنات إلى ابنته مارية بنت الأربعين يوماً!














المزيد.....

وصيّةُ الدّم... من نزار بنات إلى ابنته مارية بنت الأربعين يوماً!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8382 - 2025 / 6 / 23 - 15:14
المحور: القضية الفلسطينية
    


مارية...
يا ماشا...

يا وجعي الصغير، يا آخر الوجوه التي لم أرَها،
يا من دخلتِ الحياة وأنا أُنتزَعُ منها،
يا من لم تعرفيني إلا من صورةٍ ضبابية، وصوتٍ على لسانِ الناس يقول:
"كان أبوكِ حرّاً... فقتلوه."

لم ألمسكِ، لم أضمّكِ،
لم أنظر في عينيكِ طويلاً.
كلُّ ما أملكه منكِ: صورة، ومقطع فيديو أرسلَته أمُّكِ، ودمعةٌ عالقةٌ في قلبي إلى الأبد.

من تحتِ هذا الترابِ البارد، يا صغيرتي،
أمدّ يدي إلى السماء، لا لأشكو، بل لأوصي...
لأترك لكِ هذا النبض الأخير من قلبي الذي لم يُكمل فرحته بكِ.

اعذري غيابي يا مارية،
فليس كلُّ غيابٍ اختياراً،
أحياناً يغيب الأب لأنَّ الحقيقة كانت أثقل من بقائه،
ولأنّ الموت قرّر أن يسبق خطواتكِ نحوي.

أعلم أنّكِ تكبرين الآن في بيتٍ لا ظلَّ لي فيه،
في وطنٍ لا يحنو على أبناء الأحرار،
وأنّكِ سترضعين طعم الخوف من صدور الأمهات، قبل أن تذوقي طعم الحليب.

سامحيني يا ماشا...

لأنكِ ستكبرين دون أن تعرفي صوتي،
لأنكِ ستسألين يوماً: "لماذا صديقاتي لديهن آباء... وأنا لا؟"
ولن تجدي إلا وجعاً في عيني أمك، وصورةً لي على الحائط.

كنتُ أريد أن أعلّمكِ المشي، لا أن تمشي الحياةُ عليكِ بلا رحمة.
كنتُ أريد أن أحكي لكِ حكاية كلّ ليلة، لا أن تكوني أنتِ الحكاية التي يتناقلها الناس بصوتٍ حزين.
كنتُ أحلم أن تحملي اسمي بفخر، لا أن تحمليه كأنّه تهمة.

مارية...

أعلم أنّ طفولتكِ سُرقت قبل أن تبدأ،
وأنّكِ ستكبرين باكراً، دون أن تملكي رفاهية البكاء على لعبةٍ ضاعت.
ستبكين فقط حين تسمعين اسمي،
حين تقرئين كيف قُتلت،
وحين تعرفين أنّ دم أبيكِ سال... فصمت الجميع.

لكن لا تجعلي الحزن يقتلكِ مرتين،
ولا تظنّي أن اليُتمَ ضعفٌ...
بل صدّقي دائماً أنّ أباكِ رحل واقفاً، لأنّه لم يركع.

وإن سألكِ أحدهم يوماً:
"من تكونين؟"
فارفعي رأسكِ، وقولي:
"أنا مارية، ابنةُ الشهيد نزار بنات... ابنةُ الأربعين يوماً التي سرقوا منها الأب، وتركوا لها وطناً جريحاً."

وإن سألتِني:
"لماذا لم تَبقَ من أجلي؟"
فسأجيبكِ من هذا الترابِ، بصوتٍ لا يسمعه إلّا الأحرار:
"لأنني أحببتكِ أكثر من الحياة... لكنهم كرهوا الحياة التي تشبهني."

وإن كبرتِ يا مارية،
وأصبحتِ تفهمين ما يُقال خلف الصور،
فلا تبحثي عني في ألبوماتِ العائلة،
ولا في عيد ميلادكِ الأول،
ولا في ذكرياتٍ لم نصنعها معاً...

ابحثي عني في الصمت،
في دمعة أمكِ حين تناديكِ وحدها،
في رائحة ثيابي التي لم تُغسل منذ رحيلي،
في ظلّكِ حين تشعرين أنّ أحداً يراقبكِ بحنان... ثم لا تجدين أحداً.

سامحيني إن كنتُ قد تركتُكِ باكراً،
فأنا لم أرحل وحدي...
بل أخذوا مع دمي طفولتكِ،
وألقوها على عتبة وطنٍ لا يحتمل الأحلام.

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشهيد نزار بنات... حين يُغتالُ الصوتُ ولا تموتُ الحقيقة!
- خليل نزار بنات... يكبُرُ على وجعِ الوطنِ!
- نزار بنات... شهيدُ الكلمة والشّاهدُ الذي كتب وصيّتهُ بدمهِ!
- نزار بنات واليمن... قصّةُ حُبٍّ لا تعرفُ الخيانة!
- نزار بنات: شهيد الحقيقة في زمن الخيانة!
- حين بكى غسان... ونام نزار في تراب فلسطين
- جيهان ونزار... وحدهُما في حُضنِ الغيابِ!
- حين تُناديه الأُمُّ... ولا يُجيبُ!
- حين ينكسرُ قلبُ الأب… ولا أحدَ يسمع!
- مجزرة مدرسة صيدا الرسميَّة – المدخل الجنوبي: حين تحوَّل المل ...
- محمد نمر غضبان: ضميرُ الثورة الذي خذله الزمن!
- غزّة لا تنتظر القيامة... إنّها تعيشها!
- حين يموتُ المُؤرِّخُ... وتبقى غزّة تكتُبُ المأساة!
- الدكتورة آلاء النجار... أُمُّ الشهداء وصبرُ الجبال في وجه ال ...
- غزّة تمُوتُ ببُطءٍ... والعالمُ يغُضُّ الطّرف
- غزّة... النَّعشُ الذي يمشي وحدهُ
- غزّة تكتُبُ قصيدة الشّاعر نزار قبّاني الأَخيرة!
- بدر فلسطين التي غابت دون وداعٍ!
- شهد الصوّاف... صرخةٌ جائعةٌ في وجه أُمَّةٍ خذلتها!
- مارغريت تاتشر... حين قالت: -أنا لست زعيماً عربياً-!


المزيد.....




- مباشر: دونالد ترامب يعلن موافقة إيران وإسرائيل على -وقف تام ...
- مسؤول إيراني لـCNN: طهران لم تتلق أي مقترح لوقف إطلاق النار. ...
- ترامب يعلن عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران.. ما التفاص ...
- سوريا: تفجير انتحاري يودي بحياة 23 شخصًا على الأقل في كنيسة ...
- ترامب: إسرائيل وإيران وافقتا على -وقف تام لإطلاق النار-
- لماذا يعارض مهندس -أميركا أولا- الحرب على إيران؟
- ترامب يعلن وقفا تاما وشاملا للحرب بين إسرائيل وإيران
- ترامب يشيد بأمير قطر ويعلق على الهجوم الإيراني
- الدوحة تؤكد استقرار الأوضاع وواشنطن تعلن إعادة فتح سفارتها ف ...
- ماذا نعرف عن قاعدة -العديد- الأميركية في قطر؟


المزيد.....

- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - وصيّةُ الدّم... من نزار بنات إلى ابنته مارية بنت الأربعين يوماً!