محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8411 - 2025 / 7 / 22 - 08:52
المحور:
القضية الفلسطينية
غزة ليست مجرد مدينةٍ محاصرةٍ تُقصف وتُجوَّع وتُنسى في نشرات الأخبار. غزة اليوم جرحٌ مفتوحٌ في جسد أمةٍ لم يَعُد فيها نبضٌ حيّ. غزة ليست فقط ضحية الاحتلال، بل ضحية صمتكم، ضحية تخاذلكم، ضحية خنوعٍ عربيّ طويلِ النفس.
في كل بيتٍ مهدَّمٍ في غزة، تنكشف عورةُ دولةٍ عربية. في كل طفلٍ يُنتشَل من تحت الركام، يسقط قناعٌ من أقنعة النخوة والرجولة والكرامة التي صدّعتم بها رؤوسنا عقوداً. غزة اليوم ليست فقط ساحة حرب، بل ساحة محاكمةٍ أخلاقية، وميداناً لسقوطٍ جماعيٍّ لم تَعُد تنفع معه المبررات، ولا الشعارات، ولا البكاء أمام الشاشات.
كم سمعنا عن "فزعاتٍ" قبليةٍ هنا وهناك، من سوريا إلى العراق، ومن الأردن إلى سوريا. قبائلُ تتحرك حين تمسّها نارُ السياسة أو تعبث بها أيدي الخارج. لكن لماذا لم نرَ فزعةً واحدةً لغزة؟ لماذا لم تتحرك شيوخُ القبائل، ولا نُخبُ المدن، ولا جيوشُ الدول؟ لماذا ظلّت غزة وحيدةً تُواجِه آلة الموت، بينما أنتم تتنازعون على خنادق الوهم؟
أين أنتم من غزة؟ أين عشائرُ سيناء التي تعرف دروبها الرملية المؤدية إلى حدود العزّة؟ أين رجالُها الذين تربَّوا على فطرة الشهامة؟ لماذا لم نرَ منهم فزعة؟ أهي المخابراتُ من كبّلت النخوة؟ أم أن الخوف صار أقوى من الدم والعقيدة؟
غزة لا تفضح الاحتلال وحده، فالعدو مكشوفُ الوجه والنية. لكنها تفضحكم أنتم، الذين تستّرتم بالعجز وتلحّفتم بالصمت. غزة اليوم تقف في مواجهة التاريخ، لا كضحيةٍ، بل كشاهدةٍ على سقوط أمة.
فلا تتحدثوا بعد اليوم عن الشهامة، ولا عن الكرامة، ولا تخطبوا في الجوامع عن الجهاد والنصرة، ولا تكتبوا في قصائدكم عن المجد والعروبة. لأن غزة سقطت في وجدانكم قبل أن تسقط حجارتُها. لأن الطفل الذي يبكي جائعاً بين الأنقاض هناك، لا يسمع شيئاً من صراخكم، لا يرى شيئاً من رجولتكم، ولا يشعر بأي دفءٍ في قلوبكم.
غزة ليست فقط تحت النار، غزة تحت خيانةٍ كبرى، خيانةٍ عربيةٍ من الطراز الأول. كل شارعٍ يُدمَّر فيها، هو آيةٌ في كتاب خذلانكم. كل أمٍّ تنظر إلى السماء باكيةً، تُسقِط عنكم ورقة التوت الأخيرة.
غزة فضيحتُكم... أيها العرب، بدواً كنتم أم حضراً، ملوكاً أم رعاعاً، نُخبةً أم غوغاء. غزة عارُكم في الدنيا، ولعلّكم تحاولون نسيانه، لكنّ التاريخ لا ينسى.
فلتناموا هانئين في عتمتكم، دعوا غزة تسهر على صوت القنابل، دعوا أطفالها يحفظون شكل النجوم من تحت الركام. دعوها تموت وحدها، كما اعتادت، وكما عوّدتكم أن تموت دون أن تُزعِج ضمائركم.
غزة لا تنتظر منكم شيئاً بعد الآن... لا فزعة، لا تنديداً، لا بكاءً. ما عادت تأمل فيكم خيراً، ولا تحمل لكم إلا مرارة الخذلان.
أيها العربي... تذكّر، حين يسألك حفيدك عن غزة، لا تكذب، فقط اخفض عينيك واصمت. فالعار أبلغ من الكلام.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟