محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 17:21
المحور:
القضية الفلسطينية
لا شيء أشدُّ وجعاً من أن يُسلب منك كلُّ شيء، ثم يُطلب منك الصبر.
"لا مفر"... تقولها الأمهات وهنّ يحملن أطفالهن من بين الركام، يركضن بحثاً عن ملاذ، لكن لا جهة في الأرض تسعهن. من الموت إلى الموت، نزوحٌ لا يُشبه الحياة، ولا حتى ظلّها الباهت.
العالم العربي صامت، يُراقب الجراح من خلف الشاشات، يكتب بيانات الإدانة بحبرٍ باهت، ويغلق الملف مع آخر نشرة أخبار. بعضهم يدعو، كثيرهم يبرّر، وقليلهم يتذكّر أن فلسطين، وسوريا، واليمن، والسودان، ليست مجرد أخبار، بل أرواحٌ تُزهق، وأحلامٌ تُدفن.
العالم الإسلامي، من طنجة إلى جاكرتا، يبدو كمن اعتاد الخذلان حتى بات يراه نهايةً محتومة.
لا غضب يُرجى، ولا موقف يُشهر، كأن الدم المسلم بات أرخص من أن يُثير ضجيجاً. أمةٌ كانت "خير أمة أُخرجت للناس"، صارت تتفرّج على أبنائها يُذبحون ولا تنهض.
أما "العالم المتحضّر"، فهو يزن الألم بمكاييل السياسة، ويمنح التعاطف على أسسٍ عنصرية. يعلن القيم، ويبيع السلاح. يبكي على طفلٍ في مدينةٍ ما، ويصمت عن مذبحةٍ في مدينةٍ أخرى، لأن الضحية لم يكن يحمل لوناً مناسباً، أو جنسيةً يُعترف بألمها.
في وجوه الأطفال الهاربين من الموت، ترى كلَّ الخيبات الممكنة: أين العرب؟ أين المسلمون؟ أين الإنسانية؟ لكن لا أحد يجيب. وحده الصمت يطاردهم في خيام البؤس، في الملاجئ الباردة، في أسرّة المرضى الذين لا دواء لهم ولا أمل.
النزوحُ من الوطن نزف، لكنه حين يكون من القصف إلى المجاعة، ومن الحرب إلى العطش، ومن الحصار إلى الشتات، يكون خذلاناً لا يُغتفر. نزوحٌ ليس من أجل الحياة، بل فقط كي لا يموت الإنسان مرةً واحدة.
وغزة وحدها تُواجه العاصفة، تقاوم بلا ظلال ولا ظهير. مدينةٌ محاصرة من البحر والبر والخذلان، تُقصف نهاراً وتبكي ليلاً، ثم تحيا من تحت الركام كأنها لا تموت. كلُّ شيءٍ فيها ينهار: البيوت، المدارس، المستشفيات، وحتى الأمل. أطفالها يُولدون كباراً، يحفظون أسماء الشهداء أكثر من أسماء الألعاب، ويكبرون في نعوشٍ صغيرة، بلا شموع ميلاد.
غزة ليست مجرد مدينةٍ تُقصف، بل ضميرٌ يُدفن يومياً على مرأى من العرب والمسلمين والعالم.
هناك، تحت التراب، لا يرقد القتلى فقط، بل ترقد إنسانيتنا جميعاً.
وما زالوا يقولون: "اصبروا"... كأنهم لا يعلمون أن الصبر في غزة صار وجعاً بلا نهاية، وأنه لا أحد ينجو هناك، حتى لو بقي حيّاً.
لا مفرّ... إلا إلى الله، سبحانه وتعالى، وإليه المصير.
[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟