أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - غزة تدقّ جدران الخزان... ولا يسمعها إلا غسان كنفاني!














المزيد.....

غزة تدقّ جدران الخزان... ولا يسمعها إلا غسان كنفاني!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8397 - 2025 / 7 / 8 - 15:05
المحور: القضية الفلسطينية
    


في نهاية روايته "رجال في الشمس"، أطلق غسان كنفاني صرخته المدوّية:
"لماذا لم تدقّوا جدران الخزان؟"
كانت أكثر من مجرد سؤال؛ كانت اتهاماً، ومرآة، وصفعةً في وجه العجز والخنوع والانتظار القاتل.
لم يكن يسأل عن مصير الرجال الثلاثة الذين ماتوا في صمت، بقدر ما كان يسأل عن مصير أمةٍ اختارت أن تموت خنقاً في عزلتها، بدلاً من أن تصرخ، أو تحتج، أو حتى تحاول النجاة.

غزة تموت خلف جدار الصمت، تحت رماد البيوت المحترقة، تحت جثث الأطفال، وتحت عجز العالم.
غزة، المحاصَرة منذ سنوات، المخنوقة بالحديد والنار، تصرخ كل يوم، لكنها تصرخ داخل خزانٍ مغلقٍ بإحكام، لا أحد يسمعها.

وكأن الغطاء قد أُحكم بإرادة دولية، كي لا يصل الصوت أبعد من حدود الدم المسفوك.

غزة التي دقّت جدران الخزان بكل قوتها... لكنها لم تجد من يفتح.

تماماً كما مات الرجال الثلاثة في الرواية تحت شمسٍ لاهبة،
تموت غزة ألف مرة تحت نيرانٍ لا ترحم:
في شاحنات الإغاثة، في قوارب البحر، في طوابير الانتظار.
تموت تحت أنظار سلطة فقدت رجولتها، تماماً مثل "أبو الخيزران"، لا ترى في الدم إلا طريقاً للربح، ولا في الناس إلا سلعةً قابلةً للاستهلاك السياسي.

أيها "القائد"، يا من فقدت رجولتك، ويا من اعتدت الصمت بينما يحترق "شعبك"... لا تَلُم من ماتوا في الخزان. لومك على نفسك أولى.

يا غسان، إنهم دقّوا جدران الخزان، واللهِ دقّوه، حتى تورّمت أيديهم، وتهشّمت أصواتهم،
لكن العالم كان منشغلاً بصناعة أقفالٍ جديدة، وأبوابٍ أكثر سُمكاً، كي لا يصل الصوت، كي لا يوقظه الألم الفلسطيني مرةً أخرى.

غزة اليوم ليست بحاجة فقط إلى من يسمع صرختها، بل إلى من يملك الجرأة كي يقرع الجدران معها، كي يكسر هذا الخزان اللعين، كي يقول: كفى.

في غزة، يموت الناس كل يوم بصمت، وتُدفن الأحلام تحت البيوت المهدّمة، ويعلو الصراخ دون مجيب.

ألم تسمعوهم؟ لقد دقّوا الجدران... لكن لا أحد يريد أن يسمع.

وكان غسان كنفاني، يوم اغتياله في صيف بيروت، على موعدٍ مع صديقه الدكتور أنيس صايغ، كما ذكر الأخير في مقالٍ نُشر لاحقاً في صحيفة السفير اللبنانية.
تساءل أنيس، والحزن يقطر من كلماته: "غسان كنفاني كان فوضوياً في مواعيده، يتأخر، ينسى، يبدّل...
لكنه في ذلك اليوم الغريب كان دقيقاً، دقيقاً إلى حد أنني لم أفهم لماذا."

ربما كان يعلم، أو يشعر، أو يودّع بصمته، كما ودّع أبطال خزان الشاحنة في روايته.
دقّ هو جدران القدر في لحظة الصدق الأخيرة.
رحل جسد غسان، لكن صرخته ما زالت تتردّد، حادّة، دامية،
في أزقة غزة...

لا شيء أقسى من الصمت حين يصبح الصراخ بلا فائدة،
ولا شيء أشد وجعاً من مدينةٍ تنزف وحدها، وتُدفن مرتين:
مرةً تحت الركام، ومرةً تحت الخذلان.

غزة لا تريد منّا دموعاً، بل وقفة.
لا تطلب رثاءً، بل كسراً لجدران هذا الخزان الأبكم.

لكن يبدو أن العالم قد اعتاد على صوت الموت،
حتى بات جزءاً من خلفيته اليومية.

وغزة ما زالت تدقّ جدرانها بأظافرها،
تحت الرماد، تحت الليل، تحت ألف خيانة،
وما من يدٍ تمتدّ...
وما من غسانٍ جديد... يسمع.

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة... وحيدة في ليل الخذلان!
- غزّة... آخرُ ما تبقّى من إِنسانيّتِنا!
- غزّة... وأبو الحن في فخِّ المُساعدات!
- غزّة... لا مفرّ: نُزُوحٌ من الموتِ إِلى الموتِ!
- من العدس إلى الشّهادة... الشهيد نزار بنات كما لم تعرفُوهُ!
- غزّة... تنزفُ في عرض البحر!
- غزّة تنزف بصمت... وأمريكا تُدير المجزرة!
- غزّة وحدَها... والعُروبةُ في غيبوبةٍ!
- سمعان ميشال حطّاب (أبو إيلي)... من الأشرفيّة إلى مخيم شاتيلا ...
- غزّة تُذبحُ... والأُمّةُ تتوضّأُ للصّلاةِ!
- ناجي العلي رسمها، ونزار بنات نطق بها: سيرةُ وطنٍ يغتالُ أبنا ...
- وصيّةُ الدّم... من نزار بنات إلى ابنته مارية بنت الأربعين يو ...
- الشهيد نزار بنات... حين يُغتالُ الصوتُ ولا تموتُ الحقيقة!
- خليل نزار بنات... يكبُرُ على وجعِ الوطنِ!
- نزار بنات... شهيدُ الكلمة والشّاهدُ الذي كتب وصيّتهُ بدمهِ!
- نزار بنات واليمن... قصّةُ حُبٍّ لا تعرفُ الخيانة!
- نزار بنات: شهيد الحقيقة في زمن الخيانة!
- حين بكى غسان... ونام نزار في تراب فلسطين
- جيهان ونزار... وحدهُما في حُضنِ الغيابِ!
- حين تُناديه الأُمُّ... ولا يُجيبُ!


المزيد.....




- -الضابط باوزر-.. تعرف على السلحفاة التي تحمل شارة بقسم للشرط ...
- بين الذاكرة والديمقراطية: إسبانيا في جدل مستمر حول إرث الدكت ...
- فرنسا: عرض عسكري يفتتح احتفالات العيد الوطني لإبراز -الجاهزي ...
- سلطنة عُمان: القبض على مصريين اثنين و19 من بنغلاديش والشرطة ...
- لماذا لن يصمد أي وقف لإطلاق النار في غزة؟ - مقال رأي في الإن ...
- اكتشاف علمي واعد: بكتيريا الأمعاء تساهم في طرد -المواد الكيم ...
- نتنياهو بين مطرقة الأحزاب الحريدية وسندان بن غفير وسموتريتش. ...
- الادعاء العام يتهم مستشارا مقربا من نتانياهو بتسريب معلومات ...
- تم اختبارها في أوكرانيا.. ما هي المُسيّرات الانتحارية التي ت ...
- سد النهضة.. إثيوبيا تحدد موعد الافتتاح ومصر تطالب بوثيقة تحت ...


المزيد.....

- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني
- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - غزة تدقّ جدران الخزان... ولا يسمعها إلا غسان كنفاني!