محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8396 - 2025 / 7 / 7 - 15:15
المحور:
القضية الفلسطينية
في أقصى القلب العربي، في البقعة التي لم تعرف يوماً غير الحصار، تقف غزة وحدها، نازفة، محروقة، تُطعن من كل الجهات، ثم تُسأل: لماذا لا تموتين؟!
غزة لا تحارب الاحتلال فقط، بل تخوض صراعاً مريراً مع الكرة الأرضية كلها.
منظمات، أنظمة، جيوش، قنوات إعلام، وملوك نفط... يتسابقون على قتلها ببطء:
من حاصرها؟ من قطع عنها الماء والكهرباء؟ من أغلق الحدود في وجه جرحاها؟ من دعم عدوها بالسلاح والمال والصمت؟
غزة ليست مجرد مكان، بل قصة صمود تُكتب بدماء الأبطال في وجه الظلم.
كانت غزة تنتظر من إخوتها العرب كلمة، دعاء، موقفاً.
لكنهم — أو أكثرهم — إما صمتوا جبناً، أو صرخوا نفاقاً، أو انحنوا خوفاً.
منهم من باعها على موائد التطبيع، ومنهم من تواطأ عليها سراً، ومنهم من اكتفى بالبكاء في المؤتمرات.
كم مرة استغاثت غزة بالعرب فلم يأتِ أحد؟
كم مرة صرخ أطفالها تحت الركام، بينما كانت بعض العواصم تشعل السماء بالألعاب النارية؟
ما أقسى أن يُخذلك من يشترك معك في الدعاء، في القبلة، في اليقين.
غزة سقطت من حسابات كثير من المسلمين، أو أُدرجت في خانة "المحرج سياسياً".
ملايين من المسلمين، ولكن لا جيش يتحرك، لا زحف يخرج، لا غضب يهزّ الأرض.
حقوق الإنسان؟ الديمقراطية؟ المواثيق الدولية؟
كلها تُعلّق حين يكون القتيل من غزة، والقاتل مدعوماً غربياً.
الدم الغزي لا يُبكيهم، والمجازر لا تُغضبهم، بل يبررونها، يموّلونها، ويغطّونها سياسياً.
غزة... ليست مجرد مدينة. إنها شاهد على خيانة العالم، على موت الضمير، على انهيار المبادئ.
غزة اليوم تُقصف، تُحاصر، وتُترك وحدها في مواجهة آلات حرب لا ترحم...
ومع ذلك، لا تستسلم. لا تركع. لا توقّع على وثيقة الهزيمة.
غزة هي البطولة التي عرّت الجميع.
هي الوجع الذي كشف الأقنعة.
هي الحقيقة التي لا تُدفن تحت الركام.
تبقى غزة وحيدة، تنهض كل صباح على رائحة الموت، وتنام على صدى الغارات، منهكة من القتال، من الصبر، من الانتظار.
لم يعد في العالم مكان لعدالةٍ تنقذها، ولا في القلب متّسعٌ لخيانةٍ جديدة.
غزة لا تسأل النصر... تسأل فقط: لماذا تُركتُ وحدي؟
وتظلّ الإجابة صامتة، تماماً كصمت من كان يجب أن يكون معها.
غزة اليوم لا تُقاوم العدو فقط، بل تقاوم النسيان... وتقف على أنقاضها لتقول للعالم:
"أنا هنا، رغم خذلانكم... ما زلت أتنفّس."
[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟