أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود كلّم - رحيل زياد الرحباني: صمت البيانو.. وانطفأ الضوء في المسرح!














المزيد.....

رحيل زياد الرحباني: صمت البيانو.. وانطفأ الضوء في المسرح!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 13:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


رحل عبقري لبنان زياد الرحباني. غاب الصوت الذي شاغب السلطة والسلاح، وانحاز للإنسان البسيط وللألم الحقيقي. رحل زياد، الفنان والإنسان، الذي سكن قلوبنا بفنه الحر وكلماته الصادقة، تاركاً خلفه فراغاً بحجم وطن. إنه ليس مجرد موسيقي أو كاتب مسرح، بل حالة استثنائية، متمردة، نادرة، لم تخضع لأي قيد، ولم تُسجن يوماً داخل قوالب الفنّ التقليدي أو الخطاب المألوف.

عبقريته الموسيقية لا تتكرّر، وبرحيله خسر لبنان جزءاً كبيراً من ذاكرته الجماعية، ذاكرة من ألحان ومسرح وكلمات قاسية في صدقها، عذبة في سخريتها، جارحة بقدر ما هي حقيقية.

زياد الرحباني، المولود عام 1956 في بيت فيروز وعاصي، لم يكن مجرد امتداد طبيعي للعائلة الرحبانية التي أعطت لبنان الكثير من نُذُر الجمال والكرامة، بل كان ثورة داخل البيت، على الأطر، وعلى القداسة المفترضة. ورغم ما ورثه من الموهبة والبيئة الفنية، اختار زياد أن يشقّ طريقه وحده، بكامل وعيه، حتى لو كان الطريق مليئاً بالألغام.

كانت انطلاقته كبيرة في صغره، حين لحّن أغنية "سألوني الناس" لوالدته فيروز عام 1973، خلال مرض والده عاصي، فعبّرت الأغنية عن الغياب والوجع، بصوت فيروز، وكلمات منصور الرحباني، وبتوقيع زياد، الشاب المراهق الذي كسر السكون بأول ألحانه.

ظهر على المسرح إلى جانب أمه في "المحطة"، ثم في "ميس الريم"، قبل أن يكتب أولى مسرحياته "سهرية"، وتتوالى بعدها المسرحيات: "فيلم أميركي طويل"، "بالنسبة لبكرا شو"، "شي فاشل"... أعمال هزّت جدران الصمت، وعرّت هشاشة الواقع اللبناني والعربي، وقدّمت صورة الإنسان المهزوم وسط الحروب والطوائف والجنون.

حين كان حصار مخيم تل الزعتر يبلغ ذروته عام 1976، وكان الدم يُهدر ببرودة على أساس الهوية والانتماء، لم يحتمل زياد الرحباني البقاء شاهداً صامتاً. قرر مغادرة منزل العائلة في بيروت الشرقية، منطقة الرابية، إلى بيروت الغربية، احتجاجاً على مجازر تل الزعتر، معلناً انحيازه الأخلاقي، لا السياسي.

كان موقفاً شخصياً، حاسماً، لم يصاحبه خطاب، بل فعل. ترك بيت الطفولة في الرابية شرق بيروت لينتقل إلى الجانب الآخر من المدينة، رافضاً التواطؤ، رافضاً الصمت، رافضاً أن يكون مجرد نغمة في لحن الطائفية. في بيروت الغربية، كبر زياد، وتحوّل إلى ضمير فني يساري، صوت من لا صوت لهم.

لم تكن كلماته مجرد نكات مسرحية، بل أقنعة تسقط. كان زياد يقول ما لا يُقال، ويضحكنا ونحن نختنق. في حياته، قال كثيراً من الجُمل التي تلخّص مأساة هذا الشرق المعطوب:

"من وقت ما كنا صغار صرعونا بأنو ضالعرب إخوات!! بس ما قالولنا إخوات شو؟!"

"الأموال التي صُرفت على ثوار سوريا تكفي لتعليم البقر البلاغة والرقص وعزف البيانو، ولكنها لا تكفي لتعليم الحمير معنى الوطن!"

"حاول تكون منيح مع أي حمار بقابلك... ما بتعرف، ممكن يصير وزير أو رئيس!"

"بعد 5 دقائق من ولادتك، سيقرّرون اسمك، جنسيتك، دينك، وطائفتك، وستقضي طول حياتك تقاتل وتدافع بغباء عن أشياء لم تخترها!"

"صح، أنا ما درست طب بيطري، بس بعرف الحيوان من أول نظرة!"

كلمات صادمة؟ نعم. لكنها حقيقية، مثل وجع الناس. قالها بمرارة، من قلب يعرف الخذلان، لا من برج عاجي.

برحيله، أصبح حزن فيروز عصيّاً على المواساة. رحل ابنها ورفيقها الفني، من لحّن لها "عندي ثقة فيك"، "أنا عندي حنين"، "ضاق خلقي"، "البوسطة"، "حبوا بعضن"... تلك الشراكة لم تكن مجرد تعاون فني، بل لغة خاصة لا يفهمها إلا من عاش الحب من طرفه المؤلم.

غاب زياد عن الساحة الفنية في سنواته الأخيرة، بعد أن أرهقه المرض، وتدهورت صحته. في العام الماضي، غاب عن حضور حفل تكريمه في مهرجان الموسيقى العربية في مصر.

ثم جاءت الوفاة، فجأة، بلا وداع.
زياد اختار أن يرحل بهدوء، كما عاش، وسط ضجيج العالم.

قالوا: "رحل زياد العبقري... رحل زياد المبدع".
وقال آخرون: "تحية إكبار لإبداعك، وموسيقى السلام لروحك الثائرة".
وهم محقّون.

فرغم الرحيل، تبقى أعمال زياد الرحباني خالدة، لأنه لم يقدّم لنا الفن من باب التسلية، بل من باب المواجهة. اختار أن يكون مرآةً للواقع، حتى لو انكسرت فيه بعض القلوب.

برحيله، صمت البيانو.
لكننا سنظل نسمع صوته في كل لحظة نحتاج فيها إلى الحقيقة... مهما كانت جارحة.

وداعاً زياد.
من بيروت الشرقية إلى الغربية، ومن تل الزعتر إلى آخر خشبة مسرح، كنت دوماً تقف في صف الإنسان.

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحمد مرعي ناصر... شاعر الأرض الذي حملتهُ الرّياحُ إِلى سعسع!
- جورج إبراهيم عبد الله: حين يعود المناضل… ويغيب الوطن!
- غزّة تكشِفُ عوراتِ الأُمّةِ!
- غزة... مرثيةُ أمةٍ فقدت شرفها!
- الطفلة شام تسأل عن الطعام في الجنة، وغزة تموت جوعاً!
- نداء عاجل إلى العشائر العربية المتجهة إلى السويداء!
- بين الترفيع والترقيع: المشهد الفلسطيني في لبنان تحت المجهر
- الشيخ مرهج شاهين... حين يُهان الوقار ويسقط وجه الأمة!
- بيان نويهض الحوت تلتحق بشفيق وأنيس... ويصمت صوت الحقيقة
- غريبٌ بين النجوم
- إِصلاحٌ أم انتقامٌ؟ قراءةٌ في تحرُّكاتِ -القيادةِ الفلسطينيّ ...
- ما بين -الشجرة- وغزة... أنشودة الدم التي لا تموت!
- غسّان كنفاني وناجي العلي: حين يكتُبُ الحبرُ والدّمُ تاريخنا!
- غزة تدقّ جدران الخزان... ولا يسمعها إلا غسان كنفاني!
- غزة... وحيدة في ليل الخذلان!
- غزّة... آخرُ ما تبقّى من إِنسانيّتِنا!
- غزّة... وأبو الحن في فخِّ المُساعدات!
- غزّة... لا مفرّ: نُزُوحٌ من الموتِ إِلى الموتِ!
- من العدس إلى الشّهادة... الشهيد نزار بنات كما لم تعرفُوهُ!
- غزّة... تنزفُ في عرض البحر!


المزيد.....




- فيديو متداول لـ-مظاهرات مناهضة للسيسي- في مصر.. هذه حقيقته
- لا حوار مع -حكومة الثقة العمياء بواشنطن-.. بيونغ يانغ ترفض ...
- كلمة محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام للحزب في جنازة الرفي ...
- فرنسا تصر على حل الدولتين للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي في مؤت ...
- غانا تنشر قوات لاحتواء نزاع حول الزعامة التقليدية بالشمال
- ناشطة على متن -حنظلة- تروي للجزيرة نت تفاصيل الاقتحام الإسرا ...
- 3 وفيات و53 إصابة بضربات شمس شرقي السودان
- لبيد: العالم بأسره سينبذ إسرائيل إذا لم توقِف الحرب
- تعرف على أحدث الروبوتات المساعدة المعززة بالذكاء الاصطناعي
- الأسكتلنديون يستقبلون ترامب بالاحتجاج اللاذع ونفخ القرب والت ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود كلّم - رحيل زياد الرحباني: صمت البيانو.. وانطفأ الضوء في المسرح!