محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8423 - 2025 / 8 / 3 - 00:47
المحور:
القضية الفلسطينية
في البريّة، حيث لا قوانين، ولا إعلام، ولا صواريخ، يعيش الذئبُ في عزلته، لا يملك سوى قلبه وذاكرته... في الغابة، لا كاميرات توثّق الظلم، ولا بيانات شجب، فقط الحياة تمضي كما خُلقت: صافية، وإن كانت قاسية.
لكن، ماذا عن غابةٍ أخرى، اسمها "العالم"؟
غابةٌ امتهنت الصمت حين صرخ الأبرياء، ورفعت رايات القلق حين حاول المقهور أن يتنفّس...
هناك، في رُكام المدن، وفي رائحة الدم الممزوج بالياسمين، بكى الذئب، ولم يسمعه أحد.
يُقال إن الذئب مخلوقٌ غادر،
لكنّه لم يقصف مخيّماً،
ولم يغدر بطفلٍ نائمٍ في حضن أمّه،
ولم يخن عهداً، ولم يُبرّر دمه بآياتٍ مقطوعة، ولا بخرائط منزوعة الإنسانيّة.
في غزّة، حيث يُسرَق كلّ شيء: الهواء، البحر، الأحلام...
ينام الأطفال على صوت الطائرات، ويستيقظون بلا آباء، بلا بيوت، بلا سبب.
وفي كلّ ذلك، يتّهم الإنسانُ الضحيّة بالوحشيّة... ويغسل يديه من الدماء، كما اعتاد.
الذئب... لا يفهم بيانات الإدانة، ولا جلسات مجلس الأمن،
لكنه يشعر.
يشعر كما شعرت تلك الأم التي دفنت أبناءها الثلاثة بيدين مرتجفتين، ولم تجد حتى الذئب ليواسيها.
هل رأيتم ذئباً يفرح حين يُهدَم بيتُ جاره؟
هل رأيتم ذئباً يُبرّر الخيانة باسم "الحكمة السياسيّة"؟
هل رأيتم ذئباً يضع قدميه على جثّة صديقه ليلتقط صورة النصر؟
لكن، دعونا نسأل:
أين منظّمة التحرير الفلسطينيّة، "الممثّل الشرعي والوحيد" للشعب الفلسطيني، من كلّ ما يحدث لشعبنا في غزّة والضفّة والشتات؟
أين أعضاء المجلس المركزي؟
أين أولئك الذين شُكِّل منهم المجلس الوطني، بتزكية الواسطة لا الإرادة؟
هل هم فعلاً ما زالوا على قيد الحياة؟ أم أن الكراسي وحدها هي من بقيت تتنفّس؟
أين هي مؤسّسات العجزة؟ هل توفّاهم الله، أم توهّموا أنّهم خالدون؟
أسئلةٌ كثيرة لا تجد من يجيب، لأنّ الصمت صار وظيفة، والخطابة مهنة، والولاء أثمن من الوطن.
ما أقسى أن يكون الذئب أوفى من قادةٍ يشاهدون غزّة تحترق... ويشربون قهوتهم بهدوء.
غزّة... ليست فقط مدينةً تُقاوِم، بل قلبٌ ينزف ولا يشتكي،
عينٌ مفتوحة على السماء، تنتظر وعداً لا يأتي.
كلّما طُعِنت، لم تتكلّم، بل نظرت فقط، بصمتٍ يشبه بكاء الذئب.
الذئب لا يخون... لكنّه يُطارد.
غزّة لا تخون... لكنّها تُقصف.
والمجرم ينام في فراشه، يكتب في مذكّراته: "لقد فعلتُ ما يجب فعلُه"،
ثم يُطفئ النور.
وحين بكى الذئب هناك، في الغابة،
كان يبكي لأجل غزّة،
لأجل طفلٍ يحمل حقيبته المدرسيّة تحت الركام،
لأجل أبٍ يحتضن أبناءه في كفنٍ واحد،
لأجل أمٍّ لم يَبقَ لها إلا صوتها.
لكنّ الإنسان... نام،
نام ملءَ عينيه،
وكتب بياناً مقتضباً... ثم نَسِي.
[محمود كلّم] كاتبٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنَين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟