محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 16:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في البرّية، حيث لا قوانين ولا أقنعة، تتجلّى بعض الحقائق التي يعجز الإنسان عن رؤيتها داخل جدران مدنه. هناك، في صمت الغابات وظلال الجبال، يعيش الذئب؛ مخلوقٌ لطالما ظلمه الإنسان، وألبسه ثوب الغدر، بينما في قلبه تختبئ فصولٌ من الوفاء لم تُروَ كما ينبغي.
يقال إن الكلاب أوفى الكائنات، لكن الحقيقة التي يجهلها كثيرون أن الذئب – ذلك المتوحد النبيل – قد يكون أكثر الكائنات وفاءً للإنسان. لا يُذلّ نفسه، لا يتقرّب لمصلحة، ولا يُبدّل ولاءه، حتى لو جاع. يختار الإنسان مرّة، ثم يظلّ وفياً له ما دام القلب ينبض.
رُويت قصصٌ كثيرة عن ذئابٍ رفضت أن تأكل جثث أصحابها بعد موتهم، واكتفت بالحزن والنباح والانتظار على العتبات الباردة. ذئابٌ هجرت جماعاتها، واختارت العيش في عزلة، لأنها عرفت يوماً دفءَ يدٍ بشرية، ثم فُقدت إلى الأبد.
ما أقسى أن يكون الذئب أوفى من بعض البشر.
ما أبرد هذا العالم الذي يطعن فيه الإنسان من أخلص له، ثم يكتب القصائد في مدح من يُطيعه فقط.
الذئب لا يُطيع، لكنه لا يخون.
لا ينبح، لكنه لا ينسى.
لا يطلب، لكنه لا يتخلّى.
ورغم كلّ هذا، يعيش الذئب منبوذاً... تطارده البنادق، ويُصوّر في الحكايات وحشاً خبيثاً، بينما الوحوش الحقيقية تبتسم في وجوهنا كلّ يوم.
في غابةٍ من البشر، قد يكون الذئبُ أكثر إنسانية.
علّموه الغدرَ، وهو لا يعرفه، قالوا عنه وحشاً، وما عرفوا قلبه.
عاش ذئباً في عزلته،
لكنّه لم يعش يوماً خائناً.
وحين مات صاحبه،
لم يَعوِ... بل بكى بصمت.
[محمود كلّم] كاتبٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنَين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟