محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 00:12
المحور:
القضية الفلسطينية
التاريخ ليس كاتباً نبيلاً كما نتخيله في الكتب المدرسية، بل كاتب ساخر، يلتقط المفارقات ويضحك من قبحها. وعندما يصل إلى فصل "غزة"، لن يكتب بحبر هادئ، بل بسخرية سوداء تلسع.
سيكتب أن مصر تمتلك نهر النيل، أطول أنهار الأرض، لكن غزة ماتت عطشاً على بعد كيلومترات قليلة. الماء جرى في مجراه، أما الكرامة فقد جفّت.
وسيكتب أن الأردن شمّ رائحة الجثث القادمة من غزة، ثم غيّر المعطر وأكمل يومه كأن شيئاً لم يكن.
وسيكتب أن السعودية والإمارات وبقية دول الخليج جلسوا فوق محيطات من النفط، بينما لم تجد غزة لتراً من الوقود لتشغيل مولّد مستشفى. النفط مشغول بإضاءة الحفلات واستعراض الألعاب النارية، بينما الموت في غزة مظلم كالليل الحالك.
وسيكتب أن المسلمين يمتلكون أكثر من خمسين مليون جندي، لكن لم تُرفع أي بندقية للدفاع عن غزة. الجنود منشغلون بالاستعراضات، والعدو يزرع الموت دون رادع.
وسيكتب أن المليارات أُنفقت على المهرجانات وحفلات الرقص والترفيه، بينما كان أطفال غزة يبحثون عن كسرة خبز وقطرة ماء. المدن العربية رقصت على إيقاع الموسيقى، وغزة رقصت على إيقاع القنابل والدخان.
وسيكتب أن تركيا رفعت شعار الإسلام في خطاباتها، لكنها حين جاءت ساعة الفعل لم تُرسل سوى بيانات شجب واستنكار، كلمات بلا دماء، بلا جسد، بلا صوت.
وسيكتب أن الأمة الإسلامية صبّت غضبها على الحكام عبر تطبيق "X"، ثم جلست تشرب البيبسي والكوكاكولا وتلتهم وجبات ماكدونالدز. غزة تُقصف، والأمة تموّل القصف ببطاقات الفيزا.
وسيكتب أن الغرب، بلا قرآن ولا قبلة، خرج إلى الشوارع يهتف ضد الإبادة، بينما جلس المسلمون أمام الشاشات يتابعون الدوري الإسباني. صافرة الحكم كانت أعلى من صفارات الإنذار في غزة.
وسيكتب أن علماء الغرب تحدثوا عن العدالة وحقوق الإنسان، بينما أعاد خطباء المسلمين قصة القطة التي ماتت حبسا. آلاف البشر قضوا تحت الركام، لكن "الهرة" بقيت حديث المنابر.
وسيكتب أن الصحافة الحرة دُفنت مع صحافيي غزة، بينما اكتفت الصحافة العربية بعناوين عن ابتسامة الحاكم وأخبار آخر مطرب.
سيكتب التاريخ بخط عريض:
لقد خذلتم غزة جميعاً: حكاماً ومحكومين، صامتين ومشاهدين. العدو أنجز مجزرته على الهواء، وأنتم اكتفيتم بالمشاهدة عبر الشاشات.
أما الحساب الحقيقي فلن يكون في نشرات الأخبار، بل على مسرح يوم القيامة، وهناك فقط سيُعلن الحكم النهائي: من فاز… ومن خسر.
[محمود كلّم] كاتبٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنَين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟