أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - نزار بنات... حين قال -لا- ونام في تراب الوطن!














المزيد.....

نزار بنات... حين قال -لا- ونام في تراب الوطن!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 00:15
المحور: القضية الفلسطينية
    


في زوايا الذاكرة المتعبة، يقف ظل نزار بنات شامخاً كجبل الخليل، حنوناً كنسيم الهفوف، غائباً جسداً، حاضراً روحاً لا تنطفئ.



كانت الرحلة الأولى في أوائل الثمانينيات، سنة 1984، حين حملت العائلة أحلامها ووجعها الفلسطيني من مدينة الخليل إلى منطقة الهفوف والأحساء شرق السعودية. كان الطريق طويلاً، لكن نزار الصغير لم يكن يرى المسافات، بل كان مشغولاً بالدهشة، يحدّق في النخيل الراكع لصلاة الشمس، وفي الغرباء الذين سيصبحون أهلًا بعد حين.



في مدرسة تحفيظ القرآن في الهفوف، كان نزار يجلس في الصفوف الأولى، يحبّ اللغة العربية كأنّها وطن جديد، يكتب بخطّ أنيق، ويضحك بخجل حين يخطئ في التجويد. وكان هناك أستاذ يمنيّ، يجلّه، ويقول له دائماً: "أنت ابن فلسطين، وفلسطين أمّ اللغة."



كان نزار يعشق هذا الأستاذ، ويقول دائماً: "اليمنيون يشبهوننا، يحبّون الأرض، ويحترمون الكلمة." ومنذ تلك الأيام، بدأ حبّه لليمن ينمو في صمت، حبّاً بلا حدود، ولا مصالح.



في أحد الأيام، شبّ حريق في بيت أهله في الهفوف. كانت اللحظات مرعبة، والدخان يعلو، والأم تبكي، حتى جاء شاب يمنيّ لا يعرفهم، وأطفأ الحريق.



في سنة 1990، حصل نزار على شريط لحفلة "فرقة العاشقين" في اليمن. كان يسمعه في المساء، ويغنّي بصوت خافت:

"اشهد يا عالم علينا وعا بيروت..."

ثم يُغمض عينيه، ويضع رأسه على الوسادة، ويهمس: "بيروت والخليل... قلبي هناك."



ضحكه في تلك الليالي، دموعه المختبئة في الوسائد، وروحه التي ظلّت مشدودة نحو فلسطين... كلّها أشياء لا تموت.



في مكتبة البيت، كانت رفوف نزار مليئة بكتب عن تاريخ وعادات وتقاليد اليمن، وكتب طبخ يمنية كان يقرؤها كما يُقرأ الشعر.



هكذا كان نزار: بروحه في اليمن، وجسده في السعودية، وأحلامه في الخليل.



في الهفوف، كان يركض بين النخيل،

يصنع من الطين جنوداً، ويحلم بغدٍ يُشرق بالحرية.

وفي الخليل، حين كان يعود في الصيف، كان يركض نحو البيت، يُقبّل الباب، ويجلس على عتبة الدار كمن وجد وطناً في الحجارة.



في ليلة من ليالي الخليل، قال: "إن متُّ، ادفنوني هون... بين الزيتون."

وها قد صدقت كلماته، ومات في حضن الوطن، مغدوراً، لا من الأعداء… بل ممّن ادّعوا الأخوّة.



نزار لم يمت، بل قُتل...

قُتل لأنّه قال الحقيقة، لأنّه لم يصمت، لأنّه حمل روحه على كفّه وقال "لا".



نزار لم يكن مجرّد شخص…

كان ذاكرة، ووطناً متنقلاً، وحكاية بدأت في فلسطين، ونُثرت رماداً في المنافي... لكنها لن تنتهي.



ما أقسى أن يموت الإنسان، لا برصاص عدوٍّ يُعرَف، بل بأيدٍ تتكلّم لغتك، وتلبس ملامحك، وتدّعي أنّك منها.

نزار لم يرحل وحده، بل أخذ جزءاً من الخليل، من الهفوف، من دفء الطفولة، وضحكة المساء.

ومنذ ذلك اليوم، لم تعد الأشياء كما كانت...



ذاك الطفل الذي ركض بين النخيل، والذي قال "لا" في وجه الظلم، سقط شهيداً.

لكنّ صوته باقٍ، كأنّه دعاء، كأنّه قصيدة مكسورة لا تنتهي.



يا نزار... لم يبقَ فينا إلا الحنين،

ولم يبقَ لنا منك إلا وجعٌ لا يُشفى.

لن نخذلك يا شهيدنا!



[محمود كلّم] كاتبٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنَين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنس الشريف ومحمد قريقع… حين يكتب الشهداء وصية الحقيقة ويفضحو ...
- في حضرة الخيانة: فلسطين بين نير الاحتلال ووباء الفساد!
- مليارات تُصرف على الحروب... ماذا لو صُرفت على الحياة؟
- في زمن الهوان... حين تئنّ الأمة ويشرق الأمل!
- حينَ كان الذِّئبُ وفيّاً... وخذلنا البشرُ!
- حينَ بَكى الذِّئبُ... ونامَ الإِنسانُ!
- غزة: حين تصمُتُ الإنسانيّةُ وتتكلمُ المجازر!
- زياد: نغمةُ الحياة التي انكسرت في قلب فيروز!
- أمير… طفلُ غزّة الذي مشى إِلى العدس فقتلتهُ رصاصةٌ: وصمةُ عا ...
- وداع فيروز لزياد: صمت الأم الذي أبكى الموسيقى!
- أنأكل الطعام وغزة تحترق؟!
- رحيل زياد الرحباني: صمت البيانو.. وانطفأ الضوء في المسرح!
- أحمد مرعي ناصر... شاعر الأرض الذي حملتهُ الرّياحُ إِلى سعسع!
- جورج إبراهيم عبد الله: حين يعود المناضل… ويغيب الوطن!
- غزّة تكشِفُ عوراتِ الأُمّةِ!
- غزة... مرثيةُ أمةٍ فقدت شرفها!
- الطفلة شام تسأل عن الطعام في الجنة، وغزة تموت جوعاً!
- نداء عاجل إلى العشائر العربية المتجهة إلى السويداء!
- بين الترفيع والترقيع: المشهد الفلسطيني في لبنان تحت المجهر
- الشيخ مرهج شاهين... حين يُهان الوقار ويسقط وجه الأمة!


المزيد.....




- فيديو ترامب -لا يسير بخط مستقيم- يشعل تحليلا للغة الجسد وتكه ...
- الإعصار -إيرين- قادم بقوة.. معلومات مرعبة عن أحد أسرع العواص ...
- الكويت.. فيديو مداهمة أمنية بعد حالات التسمم الكحولي وما عثر ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن إدخال خيام اليوم لنقل سكان قطاع غزة تم ...
- مصادر تكشف تفاصيل عرض روسي لإنهاء الحرب وزيلينسكي يتمسك بالش ...
- عاجل | مراسل الجزيرة: دوي انفجارين في العاصمة اليمنية صنعاء ...
- فرجينيا ترسل المئات من الحرس الوطني إلى واشنطن.. ما القصة؟
- فيديو افتتاح المتحف الكبير يثير أزمة في مصر
- بين مرونة حماس وتشدد إسرائيل.. هل ينجح ويتكوف بوقف نزيف غزة؟ ...
- نيجيريا توقف زعيمي -أنصار المسلمين في بلاد السودان-


المزيد.....

- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه
- تمزيق الأقنعة التنكرية -3 / سعيد مضيه
- لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي / سعيد مضيه
- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني
- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - نزار بنات... حين قال -لا- ونام في تراب الوطن!