محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8454 - 2025 / 9 / 3 - 18:20
المحور:
القضية الفلسطينية
حيث الجوع يكشف زيف الشعارات، والصمت يفضح إنسانيتنا المكسورة.
يبدو أنّ أوروبا فقدت ثقلها الاقتصادي والسياسي، ولم يعد لها سوى صوتٍ مرتجف في قاعات المؤتمرات؛ صوت يعلو حين يتعلّق الأمر بالمصالح، ويخفت حتى الانعدام حين يكون الحديث عن حياة البشر في غزة. لقد دان العالم هجوم السابع من أكتوبر بالإجماع، لكنه فجأة أصيب بارتباك في تعريف الضحية والجاني عندما وصل الأمر إلى مليوني إنسان محاصرين تحت القصف والجوع.
في غزة اليوم، أُعلِنت المجاعة رسمياً، لا في بيانات سرّية أو تقارير مسرّبة، بل على الملأ. ورغم ذلك، ينشغل الساسة الأوروبيون بتبديل ربطات أعناقهم قبل خطاباتهم الفارغة، وكأنّ صور الأطفال الذين يتصارعون على كسرة خبز لا تصل إلى شاشاتهم فائقة الوضوح.
أمّا نحن، في العالم العربي والإسلامي، فمشغولون ببطولاتٍ من نوعٍ آخر: بيانات شجب مطعّمة بالبلاغة، قمم طارئة تنتهي قبل أن تبدأ، ومبادرات "إغاثة" تتأخر حتى يصبح الموت أسرع من الدواء. نتقن فنّ الانتظار، ونتخصّص في تأجيل الغضب.
وأما العالم الذي ملأ الدنيا ضجيجاً عن حقوق الإنسان والكرامة، فقد قرّر فجأة أنّ غزة استثناء في قاموس الأخلاق. ربما حقوق الإنسان صالحة فقط حيث تتوافر الكهرباء والإنترنت عالي السرعة، أما حيث يُدفن الأطفال تحت الركام، فالقاموس يُغلق والصفحات تتمزق.
غزة اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة، بل اختبار أخلاقي للجميع: اختبار سقط فيه الأوروبيون الذين علّمونا يوماً معنى الحرية، وسقط فيه العرب الذين طالما تغنّوا بالأخوّة، وسقط فيه المسلمون الذين يتلون آيات الرحمة كل يوم، وسقط فيه "المجتمع الدولي" الذي أثبت أنه مجرد شعار بلا روح.
ومع ذلك، ترفض غزة أن تختفي. فهي تذكّرنا ـ بدمها وجوعها ـ أنّ الإنسانية ليست في المؤتمرات ولا في نشرات الأخبار، بل في قدرتنا على الوقوف مع الضعيف حين يُذبح على مرأى العالم.
وربما يكون السؤال الآن: هل نسينا جميعاً أنّ غزة هي آخر ما تبقّى لنا من معنى للإنسانية؟ أم أنّنا نتظاهر بالنسيان كي لا نشعر بالخجل من أنفسنا؟
[محمود كلّم] كاتبٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنَين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟