محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8470 - 2025 / 9 / 19 - 01:08
المحور:
القضية الفلسطينية
هناك لحظات في التاريخ تُصعق فيها الكلمات، فلا يجد المرء ما يعبر عن الصدمة إلا الصمت. هكذا شعرت وأنا أقرأ تصريحات في جريدة اليمين المسيحي اللبناني التي أسسها الشاعر سعيد عقل، حيث دعا فيها إلى مواصلة ما سُمّي "عملية صبرا وشاتيلا". كلمات مثل: "كملوا… كل لبنان معكن" تتردد كأصداء من زمن أسود، لكنها عادت لتظهر على الورق، وكأنها شرعنة لغدر وإجرام بحق المدنيين العزل.
فكيف يمكن الاحتفاء بقتل الفقراء الأبرياء؟ كيف تتحول دماء الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والمصريين والجزائريين إلى شعارات وطنية؟ وكيف يمكن لأدب وشعر يُحتفى بهما أن يتحول إلى منصة لتأييد القتل والإجرام؟
هذا ليس مجرد موقف سياسي أو خيال طائفي، بل دعوة صريحة للعنصرية والعنف والقتل. المدنيون في صبرا وشاتيلا كانوا أطفالاً ونساءً وشيوخاً، كلهم دفنوا تحت شبهة الانتماء أو اللون أو الأصل. وهنا يكمن الاستغراب الأكبر: كيف يمكن لعقل مفكر وشاعر أن يدعو إلى استمرار ما يجرم القانون والأخلاق والدين؟
إنها مأساة مضاعفة: غدر وإجرام، مصحوب بالاحتفاء به، على صفحات تُقرأ أمام أعين العالم. وكيف لا نستغرب ونستهجن ونحن نرى التاريخ يعيد نفسه على دماء الأبرياء، بينما تتوارى الضمائر خلف شعارات وطنية أو مذهبية فارغة؟
يبقى السؤال مفتوحاً: هل يمكن لأي كلمات أن تكفر عن الدماء التي سُفِكت على الأرض، عن أطفال فقدوا أهاليهم، وعن شعوب عاشت مأساة لا تزال تلقي بظلها على حاضرنا؟ وهل يكفي أن يكون القاتل في خدمة "الوطن" ليصبح البطش والفجيعة مشروعة؟
هذه التصريحات ليست مجرد خطأ سياسي، إنها ندبة على وجدان الإنسانية، تذكّرنا أن الحزن والاستغراب والاستهجان ليست خيارات، بل واجب أخلاقي وأدبي يفرضه ضمير كل من لا يزال يرى في الحياة قيمة للمدنيين الأبرياء.
كل دم بريء في صبرا وشاتيلا يصرخ عبر الزمن: كل صمت عن الجريمة، وكل شجب بلا فعل، هو مشاركة فيها. لن تكفي الكلمات وحدها لتكفير ما سُفِك على الأرض، ولن تمحو الدموع والألم. العدالة والرحمة وحدهما تحمي الإنسانية، وتذكّرنا بأن الدفاع عن المدنيين الأبرياء واجب لا يختفي مع مرور الزمن.
[محمود كلّم] كاتبٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟