أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - غزة… الحزن الذي يصنع تاريخاً!














المزيد.....

غزة… الحزن الذي يصنع تاريخاً!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 10:05
المحور: القضية الفلسطينية
    


جلستُ أمام صورٍ لا تُنسى: وجوه صغار وكبار، بيوت نصفها حجارة ونصفها انتظار، وسماء تمزّقها صفارات إنذار لا تنتهي.
غزة اليوم ليست مجرّد خطوطٍ على الخريطة أو حدودٍ مغلقة، بل سجلّ طويل من الخسارات المتراكمة، حيث يصبح الأمان وعداً باهتاً، والورقة توقيعاً لا يحمي، والسلاح في أحيان كثيرة آخر ما تبقّى من كرامة واحتجاج.

التاريخ علّمنا أن من يفرّط في سلاحه قد يفرّط في تاريخه. لكن غزة ليست مجرّد درسٍ عابر، بل بشرٌ يعيشون على الهامش بين ضحكةٍ خافتة وبكاءٍ طويل، يتجرّعون الحرمان ويطفئون لياليهم على ضوء الخوف والشك. يتذكّرون وعوداً قيلت لهم، ويتذكّرون أيضاً صفقاتٍ أُبرمت على حساب أحلامهم. فالأوراق الموقَّعة لا تعيد بيتاً مهدوماً، ولا تشفي جرحاً، ولا تُرجع طفلاً اختطفه صاروخ في صباحٍ عابر.

الحكاية ليست عن بنادق فقط، بل عن حقٍّ في الاختيار. حين يُطلب من شعب أن يتخلّى عن وسيلته الوحيدة للدفاع، يُطلب منه في الواقع أن يسلّم مفاتيح بيته، وأن يمحو تاريخه من ذاكرة الصمود. في ذلك الطلب تكمن خديعة قديمة: أن ينتهي وجودك لحظة لا تملك فيها ما تحمي به نفسك.

غزة قبل كل شيء هي إنسان. إنسان لا يُقاس بالقوّة العسكرية أو الموارد الاقتصادية، بل بقدرته على الصمود، على الحب، على بناء فرنٍ صغير يخبز به رغيفاً، على أمٍّ تعلّم طفلتها كيف تبتسم رغم الخراب. في كل بيتٍ هناك جرح، وفي كل جرحٍ حكاية وداع وحنين. يشتاق الناس إلى بسمةٍ عابرة، إلى حياةٍ عادية بلا أصوات انفجارات.

الحزن هنا مركّب: حزن على الماضي، غصّة على الحاضر، وخوف من المستقبل. الحاضر محاصر بجدران عالية، وبحياة مقطوعة من الكهرباء والدواء، والمستقبل يبدو كمرآةٍ مكسورة تعكس صوراً مشوّهة لاحتياجات بسيطة: ماءٍ نظيف، مدرسةٍ آمنة، ملعبٍ للأطفال بدل الركام.

ورغم ذلك، تظهر المقاومة بأشكال مختلفة: مقاومة البقاء، مقاومة الذاكرة، مقاومة الكرامة. ليس كلّ من يحمل سلاحاً قاتلاً، فكثيرون يريدون فقط أن يقولوا: "نحن هنا… نريد أن نعيش." وعندما يُسلب الصوت من الإنسان، يبحث عن وسيلة أخرى ليُسمِع العالم.

السلام الحقيقي لا يُبنى على تجريد شعبٍ من أدوات الدفاع، ولا على أوراقٍ تُوقَّع في غرفٍ مغلقة. بل على عدالةٍ تُترجم إلى أفعال: فتح معابر، إعادة إعمار، حماية المدنيين، وتوفير فرص حياة كريمة. غزة لا تحتاج إلى خطاباتٍ وشعارات، بل إلى اعترافٍ بإنسانية أهلها، وإرادةٍ تحفظ لهم حقّهم في مستقبلٍ آمن.

يبقى الحزن مرآةً لوعينا. نحزن على بيوتٍ انهارت، على أحلامٍ توقفت، على أطباقٍ لم تُقدَّم لأطفال جائعين، لكن في قلب الحزن نورٌ خافت: نور الإصرار على أن يبقى الإنسان إنساناً. غزة الحزينة لا تريد أن تكون أسطورة قوّة، بل حكاية عودة إلى حياةٍ تُحترم فيها كرامة من يعيشونها.

*محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة بين خذلان الإخوة وشهامة غوستافو بيترو!
- غزة.. مرآة الإنسانية!
- يكفيكم شرفاً… يا أبطال أسطول الصمود!
- سجّل يا تاريخ: غزة لم تُخذل من البحر بل من البرّ!
- غزة بين وصايتين: من كلوب باشا إلى توني بلير!
- العصفور والسمكة.. حين يصبح الحب مستحيلاً!
- إلى غزة… وإلى الشهيد الذي لم يخذلها!
- فلسطين… قضيّةٌ عادلةٌ بِأيدٍ فاسدةٍ!
- نزار بنات والشيخ ماهر الأخرس: حكايةُ وفاءِ بين الزنزانةِ وال ...
- نزار بنات ويوسف نصّار... حكايات لا تنتهي!
- علاء الريماوي ونزار بنات: حين يلتقي الألم بالألم، وتتكلم الك ...
- ناجي العلي… الغربة التي أبعدت فلسطين عن ريشتها الصادقة!
- غزّة... حين يساوي التّوقيعُ وطناً!
- صبرا وشاتيلا… حين يصبح الوطن غطاءً للقتل!
- ذاكرة الدم… من صبرا وشاتيلا إلى غزة!
- غزة.. حين انقلب التاريخ من مهبط الرسالات إلى مهبط الطائرات!
- من نيبال إِلى غزّة: حين يُغلِقُ الحاكمُ أُذُنيهِ عن صرخاتِ ش ...
- غزة.. بين نار الإبادة وصمت العالم!
- النجيل الفلسطيني: صمود لا ينكسر في وجه القهر!
- غزّة: السَّماءُ تمطرُ دماً!


المزيد.....




- تقرير خاص - كيف غيّرت حرب غزة خريطة الصراع في الشرق الأوسط؟ ...
- -ألمانيا قد تفقد مصداقيتها كمدافعة عن نظام عالمي أكثر عدلا- ...
- -دعم ألمانيا لإسرائيل ثابت لكنه يشمل السعي إلى حلول سياسية- ...
- مباشر: في الذكرى الثانية لهجوم حماس على إسرائيل... مفاوضات م ...
- كيف أفشلت المقاومة أهداف الاحتلال في غزة على مدار عامين؟
- منذ 7 أكتوبر.. أميركا ساعدت إسرائيل عسكريا بـ 21 مليار دولار ...
- روسيا.. تدمير 184 مسيرة أوكرانية ومقتل 100 مرتزق أجنبي
- ليلة من الأحداث الدامية في حلب.. واتهامات متبادلة بين دمشق و ...
- ألبانيا: مصرع قاض إثر حادثة إطلاق نار داخل المحكمة
- اليمن: الحوثيون يعتقلون تسعة موظفين أمميين وغوتيريس يدعو إلى ...


المزيد.....

- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - غزة… الحزن الذي يصنع تاريخاً!