محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8485 - 2025 / 10 / 4 - 19:09
المحور:
القضية الفلسطينية
قال موليير: "الرجال كلهم يتشابهون في الأقوال، فلا نميّز بعضهم من بعض إلاّ بالأفعال."
وقال تشي جيفارا: "يمكنك معرفة ما إذا كان الإنسان حياً أم ميتاً، لا من نبضه، بل من موقفه الشريف."
ولو عاش كلاهما اليوم، لرأيا كيف امتلأت الدنيا بالخطابات الرنانة، والتصريحات المتكررة، والوعود التي لا تسندها الأفعال. لكن غزة وحدها، بجراحها النازفة، تشهد على من بقي حيّ الضمير، ومن ماتت إنسانيته.
غزة اليوم ليست مجرد جغرافيا محاصرة، إنها مرآة الإنسانية المكسورة.
في شوارعها التي غمرها الغبار والركام، تختلط دموع الأمهات بصراخ الأطفال، وتتعالى صرخات الاستغاثة فلا تجد إلا صمتاً عربياً طويلاً، وسكوتاً إسلامياً مريباً، وعالماً يكتفي بعدّ الشهداء كما لو كانوا أرقاماً عابرة في نشرات الأخبار.
كم مرة انتظرت غزة نصرة العرب، فلم تجد سوى بيانات تنديد تُلقى على موائد القمم ثم تُطوى مع المحاضر؟
وكم مرة رفعت عيونها إلى "أمة المليار"، فلم ترَ إلاّ شعوباً حزينة لا تملك إلا الدعاء، وحكومات غارقة في مصالحها الضيقة وحساباتها الباردة؟
لقد تحولت غزة إلى امتحان مفتوح، سقط فيه كثيرون ممن كانوا يرفعون الشعارات. فالدم الفلسطيني سال، ولم يجف، لكن النخوة جفّت قبل أن تجف دموع الأطفال.
إنه خذلان مضاعف، خذلان من الأخوة قبل العدو، خذلان من الجار قبل الغريب.
ورغم ذلك، تقف غزة شامخة، لا تسقط.
تُدفن تحت الركام، لكنها تُولد من جديد.
تُحاصر في البر والبحر والجو، لكنها تفتح للحرية ألف نافذة في قلوب الأحرار.
غزة اليوم ليست بحاجة إلى دموع الشاشات ولا بيانات المجاملات، بل إلى أفعال، إلى مواقف شريفة قال عنها جيفارا: إنّها هي التي تُثبت إن كان الإنسان حياً أم ميتاً.
أما العرب والمسلمون، فقد كتبوا تاريخهم بأيديهم: إمّا أن ينهضوا مع غزة، أو يظلوا شهود زور على أكبر جرح في قلب هذه الأمة.
غزة لا تبكي على نفسها، بل تبكي على صمتنا جميعاً.
غزة لا تسأل لماذا يقتلها العدو، فهي تعرفه جيداً، لكنها تسأل: أين كنتم أنتم؟
ومع هذا الخراب الإنساني، يسطع نور نادر من بعيد، حيث يقف الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو شامخاً، لا كزعماء العرب، بل كفارسٍ يكتب موقفه بدماء الشرفاء. لقد أثبت بشهامته وشجاعته ونخوته أنّ البطولة لا تُقاس بالقوة العسكرية، بل بالجرأة على قول الحقيقة في وجه العالم، وأن البعيد قد يقترب بالضمير أكثر من القريب الذي خانه صمته.
*محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟