أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - غزة… المدينة التي نامت على رمادها وحدها!














المزيد.....

غزة… المدينة التي نامت على رمادها وحدها!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8497 - 2025 / 10 / 16 - 02:49
المحور: القضية الفلسطينية
    


في زاويةٍ صغيرةٍ من هذا العالم المترامِي، تنام غزة تحت سماءٍ لم تعد صافيةً منذ زمنٍ بعيد.
سماءٌ مثقوبةٌ بالصواريخ، وأرضٌ تحفظ أسماء الأطفال أكثرَ مما تحفظ أسماء الشوارع.
هناك، لا تُقاس الأيامُ بالساعات، بل بعدد الأصوات التي تنفجر في الليل، وبعدد الجثامين التي تُحمَل على الأكتاف مع الفجر.

غزة ليست مدينةً فحسب، بل جرحٌ مفتوحٌ على ذاكرةٍ مثقلةٍ بالخذلان.
من كل الجهات كانت تنادي إخوتها: من المحيط إلى الخليج، من مآذن المساجد إلى قباب القصور.
لكنّ الصدى وحده كان يجيبها، بلسانٍ باهتٍ من بيانات الشجب، وبنبرةٍ باردةٍ من كلماتٍ محفوظةٍ تُقال ثم تُنسى.

تذكُر غزة حين كانت تنتظر العرب كما ينتظر الغريقُ مركبَ النجاة.
لكنّ المراكب كانت تمضي مبتعدةً، تتركها في بحرِ الدم وحدها، تصارع الموجَ والحصارَ والخذلان.
كأنها ليست من لحمنا، كأنّ أطفالها لا يشبهون أطفالنا، كأنّ صراخها لم يُكتَب بالعربية.

وفي كل بيتٍ فيها، قصةٌ تشبه مأساةً من روايات الأدب الروسي…
حيث الأبطال يموتون ببطء، يحملون إيمانهم كصليبٍ فوق أكتافهم،
ويبتسمون في وجه الموت لأنهم لا يملكون شيئاً سواه.
تماماً كما تفعل غزة…
تعيش على الحافة، وتُغنّي للأمل بصوتٍ مبحوحٍ لا يسمعه إلا الله.

قال أحد الكتّاب الروس: «أسوأ ما في الخذلان أن يأتي من الذين أقسموا ألّا يتركوك».
ولعلّ غزة اليوم تحفظ هذه الجملة جيداً، تكتبها على جدرانها المحطَّمة،
وتعرف أن من ناموا مطمئنين في العواصم، نسوا أن الأمان الذي يعيشونه إنما هو من رمادها.

ومع ذلك، لم تمت غزة. لم تنكسر، ولم تركع.
تنهض من تحت الركام، تغسل وجهها بالدموع، وتقول:

«خذلتموني، نعم، لكن الله لم يخذلني».

وفي آخر الليل، حين يهدأ كلُّ شيء،
تبقى غزة وحدها تسهر مع قمرٍ مكسورٍ فوقها، تُحدِّثه عن أوجاعها، عن أطفالٍ رحلوا قبل أن يتعلّموا الضحك، وعن أمٍّ ما زالت تحتضن قطعةَ قماشٍ تظنّها ابنها.

هناك، في العتمة، تُدرك غزة أنّ العالم قد أدار وجهه عنها،
وأنّ العرب اكتفوا بالبكاء من خلف الشاشات.
لكنها تعرف أيضاً أن الله يسمع أنينها،
وأنّ في كلِّ حجرٍ منها، وفي كلِّ دمعةٍ تسقط على ترابها، وعداً لا يُنكَث:
أنها ستبقى، حتى لو رحل الجميع.

غزة لا تموت، لكنها تنزف بصمتٍ يشبه الدعاء، تكتب حزنها على جدارٍ مهدَّم،
وتنتظر فجراً لا تدري متى يأتي، فجراً لا يُناديها بالخذلان… بل بالوفاء.

محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة… عنوان الصبر وشمس الكرامة
- المفاوض الفلسطيني بين الخيبة والإنصاف!
- مروان البرغوثي… القائد الذي لم تغب روحه عن الوطن!
- غزة... والخزي والعار لمن غاب حين وجب الحضور!
- غريتا... ضميرٌ يبحر نحو غزة حين خذلها العالم!
- يوميّات من القلب... حين يتحوّل الألم إلى إبداع!
- أبواب أغلقتها الأيام!
- تحيّة من فلسطين إلى اليمن!
- غزة... عنوان الصمود وضمير الأمة!
- غزة وجائزة نوبل للسلام… من يستحقها حقاً؟
- غزة.. مرثيّةُ الذين يُشبهوننا ولا ينتمون إلينا!
- يا لعارنا.. ويا لعزّة غزة!
- غزة… الحزن الذي يصنع تاريخاً!
- غزة بين خذلان الإخوة وشهامة غوستافو بيترو!
- غزة.. مرآة الإنسانية!
- يكفيكم شرفاً… يا أبطال أسطول الصمود!
- سجّل يا تاريخ: غزة لم تُخذل من البحر بل من البرّ!
- غزة بين وصايتين: من كلوب باشا إلى توني بلير!
- العصفور والسمكة.. حين يصبح الحب مستحيلاً!
- إلى غزة… وإلى الشهيد الذي لم يخذلها!


المزيد.....




- مصدران: أمريكا لا تعتقد أن -حماس- انتهكت اتفاق غزة.. وتدرس ت ...
- جندي إسرائيلي: حماس سمحت لي بالصلاة في الأسر ووفرت لي التورا ...
- الفرق بين ترامب الأول والثاني في الشرق الأوسط
- مصادر: قوة فلسطينية من غزة ستدير معبر رفح تحت إشراف إسرائيلي ...
- حماس: جثث الرهائن المتبقية تحتاج معدات خاصة للبحث عنها
- أزمة سد النهضة.. ما الذي يعيق الاتفاق بين مصر وإثيوبيا؟
- ترامب يهدد حماس مجددا: خرق اتفاق غزة يعني عودة الحرب فورا
- أول تعليق روسي على طلب الشرع -تسليم الأسد-
- بعد -الانقلاب-.. الاتحاد الإفريقي يعلق عضوية مدغشقر
- إسرائيل تتسلم رفات رهينتين جديدتين عبر الصليب الأحمر


المزيد.....

- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - غزة… المدينة التي نامت على رمادها وحدها!