أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - غزّة... من قصف البيوت إلى قصف الحقيقة!














المزيد.....

غزّة... من قصف البيوت إلى قصف الحقيقة!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8512 - 2025 / 10 / 31 - 14:06
المحور: القضية الفلسطينية
    


تغيّرت ميادين الحرب، ولم تعد البنادق وحدها تُقرّر النصر أو الهزيمة.
اليوم تُخاض المعركة على الوعي، وتُقصف الحقيقة كما تُقصف البيوت في غزّة.
في زمنٍ تُسيطر فيه الخوارزميات على الرؤية، صار الفلسطينيّ يواجه حصاراً مزدوجاً: حصار الأرض... وحصار الرواية.

في أواخر أيلول/سبتمبر 2025، جلس رئيس وزراء كيان الاحتلال أمام مجموعة من المؤثّرين الأجانب، يتحدّث بثقةٍ عن سلاحه الجديد:
"الأسلحة تتغيّر مع الزمن... لا يمكن القتال بالسيوف اليوم، فهذا لا يُجدي نفعاً. أهمّها اليوم هي وسائل التواصل الاجتماعي."

لم تكن تلك الجملة ملاحظةً عابرة، بل إعلاناً صريحاً عن جبهةٍ جديدة من الحرب؛ حربٍ تُخاض بالصورة والكلمة والرواية.
فالمعركة اليوم لم تعد بين جيشٍ ومقاوم، بل بين روايةٍ تُحاصر وخوارزمياتٍ تُوجَّه.

تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي، التي حملت وجع الفلسطينيين إلى العالم، إلى ساحة صراعٍ يُراد السيطرة عليها.
من خلالها يسعى الاحتلال إلى تشويه الشهادة، وتحويل الضحيّة إلى متّهم، والجلّاد إلى "مدافعٍ عن النفس".

في غزّة حيث لا يبقى من البيوت سوى الغبار، وجد الفلسطينيّ في هاتفه نافذته الأخيرة نحو العالم.
لكنّ الاحتلال الذي قصف الحجر والبشر، أراد أيضاً أن يقصف الحقيقة.

بجيوشٍ من الحسابات والمموّلين والمؤثّرين، يُعاد إنتاج الكذب على شكل رواياتٍ مُنمّقة، تُمحى بها مشاهد المجازر، وتُستبدل بسرديةٍ باردة عن "حربٍ متكافئة" و"ردٍّ على الإرهاب".

في غزّة كما في الإعلام، لا يُقتل الفلسطينيّ مرّتين فقط، بل آلاف المرّات، مع كلّ منشورٍ مشوّهٍ وصمتٍ دوليٍّ متواطئ.

في الضفّة حيث لا سلاح سوى الوعي، يُعامل الفكر كخطرٍ، والكلمة كجريمة.
كلّ احتجاجٍ يُوسَم بـ"التحريض"، وكلّ منشورٍ يُراقب وكأنّه عبوةٌ موقوتة.
المنصّات التي وُلدت كفضاءٍ حرٍّ للفلسطينيين، صارت اليوم خاضعةً للرقابة والحظر، بفعل حملاتٍ منظّمةٍ تُريد إسكات كلّ روايةٍ تُدين الاحتلال.

في مخيّمات لبنان وسوريا، وفي مدن أوروبا وأميركا، يعيش الفلسطينيّ حرباً مختلفة: حرباً على الذاكرة.
كلّ حملة تضامنٍ تُتَّهَم بالتحيّز، وكلّ علمٍ فلسطينيّ يُرفع يُتَّهَم بالتطرّف.
تُشوَّه صورة اللاجئ، ويُقدَّم كعبءٍ أو خطر، بينما تُدفن قصّته الأصلية تحت سيلٍ من السرديّات المصطنعة.

التحريض هنا لا يطلق الرصاص، بل يطلق الشكّ.
يشكّك في المعاناة، في شرعية النضال، وفي إنسانية الفلسطينيّ ذاتها.

حين يتباهى رئيس وزراء الاحتلال بأنّ "وسائل التواصل هي أهمّ الأسلحة"، فهو يعترف ضمنيّاً بأنّ الرواية الفلسطينية باتت تؤرّقه أكثر من الصواريخ.
فالصورة التي تخرج من غزّة أقوى من بيانات الجيوش، وصرخة أمٍّ تبحث عن طفلها أبلغ من ألف بيانٍ سياسيّ.

الرواية الصادقة لا تحتاج إلى مؤثّرين ولا إلى غرف عمليات رقمية؛ يكفيها أن تنبض بالحقيقة لتخترق ضجيج التضليل.

من غزّة إلى جنين، ومن مخيّمات الشتات إلى قلوب الأحرار في العالم،
يخوض الفلسطينيّ اليوم حربين في آنٍ واحد:
واحدةً ضدّ القنابل، وأخرى ضدّ الأكاذيب، لكنّ الحقيقة مهما حوصرت لا تُقتل.
فكما لم تُمحَ الذاكرة رغم النكبة، لن تُمحى الرواية رغم الخوارزميات.
سيظلّ الفلسطينيّ يكتب، ويصوّر، ويشهد، لأنّ كلمته قبل بندقيته هي فعل مقاومةٍ لا يُقهر.

اليوم تغيّرت الأسلحة، لكنّ الفلسطينيّ ظلّ هو الهدف...
وهو أيضاً الحقيقة التي لا تموت.
فالوعي لا يُقصف، والكلمة لا تُهزم.

محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المحررون خلف الأبواب المغلقة: خذلانٌ عربيّ يلاحق الأسرى بعد ...
- الشجاعة في غزة.. حين يصبح الخوف رفيقاً لا يفارق!
- الذين خانُوا غزّة... سقطُوا من ذاكرة الوطن!
- عبّود بطاح: الوجه الحيّ للمقاومة بعد حنظلة!
- لم تنتهِ الحكاية بعد.. غداً تطير العصافير يا غزة!
- غزّة... آخِرُ ما تبقّى من شرفِ الأُمّةِ!
- غزّة... حين تسقط الأقنعة!
- غزة تصرخ… وصمت الأخوة يقتلها!
- غزة… الجرح الذي يفضح إنسانيتنا!
- غزة لم تنكسر!
- غزة… المدينة التي نامت على رمادها وحدها!
- غزة… عنوان الصبر وشمس الكرامة
- المفاوض الفلسطيني بين الخيبة والإنصاف!
- مروان البرغوثي… القائد الذي لم تغب روحه عن الوطن!
- غزة... والخزي والعار لمن غاب حين وجب الحضور!
- غريتا... ضميرٌ يبحر نحو غزة حين خذلها العالم!
- يوميّات من القلب... حين يتحوّل الألم إلى إبداع!
- أبواب أغلقتها الأيام!
- تحيّة من فلسطين إلى اليمن!
- غزة... عنوان الصمود وضمير الأمة!


المزيد.....




- -مثير القلق-.. فيديو لضابط شرطة أمريكي يطارد أحد المشاة بسيا ...
- -الراجل مغلطش-..علاء مبارك يشعل تفاعلا برده على سؤال عن تصري ...
- فضيحة مدوّية تهزّ الجامعة اللبنانية: شهادات مزوّرة ابتداءً م ...
- صورة مبارك وفاروق حسني خلال تدشين المتحف الكبير تثير تفاعلا ...
- مراهق عراقي يدفع 30 لاعب روبلوكس لإنهاء حياتهم
- مهرجان القاهرة الدولي للجاز يكرم زياد الرحباني: كيف بدأت الح ...
- المتحف المصري الكبير، هل يعيد كتابة علاقة المصريين بتاريخهم ...
- في جبل آثوس باليونان.. الجنود الأوكرانيون يلتمسون الراحة من ...
- استمرار نقاشات مشروع موازنة 2026 في الجمعية الوطنية
- هل يصبح روب جيتن أصغر رئيس وزراء في تاريخ هولندا؟


المزيد.....

- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - غزّة... من قصف البيوت إلى قصف الحقيقة!