أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - جورج حبش… سيرةُ قائدٍ عصاميٍّ في زمنٍ يزدحمُ بالمُرتزقةِ!














المزيد.....

جورج حبش… سيرةُ قائدٍ عصاميٍّ في زمنٍ يزدحمُ بالمُرتزقةِ!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8529 - 2025 / 11 / 17 - 16:12
المحور: القضية الفلسطينية
    


في ذاكرة الحركات الثورية الحديثة، تبقى بعض الأسماء مشعّة كأنّها خرجت من زمنٍ آخر؛ زمنٍ لم تكن فيه السياسة دكانة، ولا المقاومة عنواناً مستهلكاً في نشرات الأخبار. وفي طليعة تلك السير المضيئة، يقف جورج حبش، القائد العصامي، الطبيب الذي عالج جراح شعبٍ بأكمله، والمناضل الذي عاش نظيفاً في أنقى ما يمكن أن تحمله كلمة “نظافة” من معانٍ سياسية وأخلاقية وبشرية.



وُلد جورج حبش في اللد، مدينةٍ كانت تنبض بالأسواق والمقاهي والبيوت المتواضعة، قبل أن تتحوّل فجأة إلى عنوان للنكبة. طفولته لم تكن ناعمة، بل كانت قاسية كأنها تُعدّه لرحلة طويلة من الشقاء والوعي المبكر. تهجير عائلته عام 1948 لم يكن مجرد حدث سياسي؛ كان الشرارة التي صهرت روحه. رأى طفلاً كيف يُطرد الإنسان من أرضه بلا ذنب، وكيف يتحوّل الوطن، بلمح البصر، إلى حنينٍ دائم وجرحٍ لا يندمل.



منذ تلك اللحظة، صار جورج حبش يقرأ العالم من ثقب الألم الفلسطيني. كان يدرك أنّ من يفقد وطناً صغيراً، يكسب بالمقابل قدرةً على حمل أوطانٍ كاملة على كتفيه.



لم يذهب جورج حبش إلى كلية الطب ليتحوّل طبيباً بالمعنى التقليدي. ذهب وهو يحمل يقيناً بأن شفاء الأجساد وحده لا يكفي، وأن الشعوب المقهورة تحتاج علاجاً من نوع آخر: علاجاً يبدأ من الوعي، ويمرّ بالتحريض، وينتهي بالفعل الثوري.



أسّس “حركة القوميين العرب” مع رفاقه، ثم كان العقل المؤسس لـ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. في كل محطة، كان يصرّ على أنّ الثورة ليست شعاراً يُرفع، بل منظومة أخلاقية قبل أن تكون عسكرية.

كان يرفض النزعة الفردية، يكره عبادة الأشخاص، ويؤمن بأنّ القائد الحقيقي هو الذي يصنع قادة، لا أتباعاً.



من الصعب الحديث عن جورج حبش(أبو ميسا) دون الوقوف أمام صفة ظلّت تلاحقه حتى وفاته: عصاميته.

بنى نفسه بيديه، بنى فكره من قراءاته، وصقل رؤيته من احتكاكه المباشر بالناس. لم يدخل الثورة من باب الوجاهة، ولا من بوابة النفوذ العائلي، ولا من صالونات السياسة، بل من الخيام، من المخيمات، من يد الفقير الذي يعصر يومياته ليعيش.



والأهم، أنّه قائد نظيف. نظيف من الفساد، من التسلّق، من الحسابات الصغيرة. لم يراكم ثروة، لم يتورط بصفقات، لم يشترِ ولاء أحد. عاش ثائراً ومات ثائراً، تاركاً وراءه سجلاً أبيض يخلو من أي نقطة قد تعكّر صفاءه.

هذه النزاهة ليست تفصيلاً جانبياً؛ فهي ما جعلته رمزاً.

في زمنٍ امتلأ باللاعبين على الحبال، بقي ثابتاً على خطٍّ واحد، واضحاً كوضوح الشمس في رابعة النهار؛ لا يساوم، لا يهادن، ولا يحوّل القضية إلى سُلَّمٍ يصعد به نحو مجده الشخصي.



لم يكن جورج حبش مجرّد قائد عسكري أو حزبي. كان مفكراً يرى في الثورات مشاريع طويلة النفس، تحتاج إلى ثقافة بقدر حاجتها إلى بندقية.

كان يردد دائماً أن التحرر لا يصنعه مقاتل جيد فقط، بل يصنعه إنسان واعٍ:

إنسان يعرف لماذا يقاتل، ولمن يقاتل، وماذا يريد أن يبني بعد انتهاء الحرب.



كان يحذّر من الانقسامات، من تآكل الوعي، من تحويل القضية الفلسطينية إلى مادة للصراعات الداخلية.

كان يؤمن بوحدة النضال العربي، يرى أن التحرّر من الاستعمار لا ينفصل عن التحرّر من الجهل والفساد.

بعيداً عن السياسة، كان جورج حبش إنساناً عطوفاً، يتعامل مع رفاقه كطبيب يراقب نبضهم.

لم يكن يميل إلى القسوة، رغم أن الظروف كثيراً ما فرضتها.

كان يجلس مع المقاتلين، يسمع قصصهم، يتفقد غياب الذين سقطوا في المعارك، ويشعر بأن كل فقدٍ يصيبه في قلبه مباشرة.



هذا الجانب الإنساني هو الذي جعل صورته مدهشة: قائد صارم في الموقف، دافئ في التعامل، حادّ في المبدأ، ولطيف في اليوميات البسيطة.



حين رحل جورج حبش عام 2008، لم يخسر الفلسطينيون قائداً فقط، بل خسروا نموذجاً.

خسروا رجلاً يمكن الركون إلى صدقه في الوقت الذي امتلأت فيه الساحة بالتجار والمتكسبين.

خسروا صوتاً كان يذكّر الجميع بأن الثورة ليست مهنة، بل التزاماً وجودياً لا يُفكّ ولا يُباع.



ربما يكمن الحزن الأكبر في أننا نفتقد في حاضرنا شخصية تُشبهه.

نفتقد ذاك المزيج النادر من الفكر والعمل، من الأخلاق والصلابة، من العفّة الثورية والجرأة السياسية.



إرث جورج حبش ليس فقط في الكتب والخطب، بل في الفكرة التي زرعها في أجيال:

أن الثائر الحقيقي يبدأ بنزاهته قبل سلاحه، وبضميره قبل شعاراته.

أن تحرير الوطن لا يمكن أن يصنعه قائد مشوّه القيم، وأن أعظم المعارك تُدار من دون أن يتلوث الإنسان بوسخ السلطة.



جورج حبش لم يكن أسطورة مصنوعة إعلامياً، بل كان حقيقة بشرية مكتملة:

رجلٌ خرج من وجع شعبه، تشكّل من حزنه، وتحوّل إلى أملٍ يمشي على قدمين.

عاش بسيطاً، ومات عظيماً.

أخطأ، وتعلّم، واجتهد، وصمد، لكنه لم يتنازل يوماً عن أن يكون “نظيفاً” في زمن كانت النظافة نفسها فعل مقاومة.



يبقى “الحكيم” شاهداً على أن الثورة الحقيقية تحتاج رجالاً من طين الأرض لا من رغوة الخطابات،

ورجالاً يحملون المبادئ لا المناصب،

ورجالاً يشبهون جورج حبش… حتى لو لم يعد يأتي الزمان بمثله.



محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.

https://alawda-pal.net/articles/825



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسطين.. حين يعلو الشعب على الرايات!
- ياسر عرفات... القائد الذي خانته البنادق التي صنعها!
- حينَ يبكِي التُّرابُ: مرثِيّةُ وطنٍ أَثقلتهُ الحُرُوبُ وتخلّ ...
- في غزة... هزيمةٌ مُذلّةٌ للمجتمع الدولي وحقوق الإنسان!
- غزة… وسام الحياة في زمن الخذلان!
- حين يُصبحُ الوطنُ قبراً
- كلّما عاهدوا عهداً... نبذه فريقٌ منهم!
- غزّة والفاشر.. وجهان لمأساةٍ واحدة!
- الخائن يُستَخدم ثم يُرمى: تأملات في زمن الانكسار الفلسطيني!
- غزة.. مرآة الكرامة في زمن التصفيق!
- غزّة... من قصف البيوت إلى قصف الحقيقة!
- المحررون خلف الأبواب المغلقة: خذلانٌ عربيّ يلاحق الأسرى بعد ...
- الشجاعة في غزة.. حين يصبح الخوف رفيقاً لا يفارق!
- الذين خانُوا غزّة... سقطُوا من ذاكرة الوطن!
- عبّود بطاح: الوجه الحيّ للمقاومة بعد حنظلة!
- لم تنتهِ الحكاية بعد.. غداً تطير العصافير يا غزة!
- غزّة... آخِرُ ما تبقّى من شرفِ الأُمّةِ!
- غزّة... حين تسقط الأقنعة!
- غزة تصرخ… وصمت الأخوة يقتلها!
- غزة… الجرح الذي يفضح إنسانيتنا!


المزيد.....




- حدائق تيفولي في كوبنهاغن تفتتح موسم عيد الميلاد بأكثر من 1 م ...
- هل على ترامب تقديم ضمانات أمنية للسعودية دون مقابل؟ في الفاي ...
- بعد الإفراج عنه ونقله إلى ألمانيا.. بارو يرجح عودة بوعلام صن ...
- لماذا اختارت أوكرانيا مقاتلات رافال الفرنسية؟
- ماكرون وزيلينسكي يوقعان اتفاق تسليح وصفته كييف بـ-التاريخي- ...
- جياكوميتي ومروان..هواجس مشتركة
- هل يتحول مجلس الأمن إلى ساحة صراع نفوذ على غزة؟
- سوريا: لجنة التحقيق في أحداث السويداء تطلب تمديد مهمتها لشهر ...
- انهيار منجم يودي بحياة 32 عاملا جنوب الكونغو الديمقراطية
- تعديل دستوري في بنين يمدد ولاية الرئيس ويؤسس مجلسا للشيوخ


المزيد.....

- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والموقف الصريح من الحق التاريخي ... / غازي الصوراني
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - جورج حبش… سيرةُ قائدٍ عصاميٍّ في زمنٍ يزدحمُ بالمُرتزقةِ!