أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - ياسر عرفات... القائد الذي خانته البنادق التي صنعها!














المزيد.....

ياسر عرفات... القائد الذي خانته البنادق التي صنعها!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8524 - 2025 / 11 / 12 - 04:47
المحور: القضية الفلسطينية
    


في التاريخ الفلسطيني، لا اسم يعلو على اسم ياسر عرفات، ولا سيرة تختصر الحلم والخذلان كما تختصرها سيرته.
هو الرجل الذي خرج من بين ركام النكبة ليبني ثورة، ومن بين رصاص الاحتلال ليبني هوية. كان قائداً بحجم وطنٍ لا يشبه إلا جرحه، وزعيماً حمل الكوفية كأنها راية مقدسة، ونام على خريطة فلسطين كأنها وسادته الأخيرة.

وُلد ياسر عرفات عام 1929، في القدس أو في القاهرة، لا فرق؛ فالرجل منذ البداية كان ابن فكرةٍ لا ابن مكان. درس الهندسة، لكنه قرر أن يبني شيئاً أعظم من الأبنية: بنى الثورة الفلسطينية الحديثة.
أسّس مع رفاقه حركة "فتح" عام 1965، لتكون النواة الأولى للمشروع الوطني الفلسطيني، وأطلق الرصاصة الأولى باسم شعبٍ قرّر ألّا يموت بصمت.

ومنذ أن نطق باسم فلسطين، بدأت الحرب عليه: حربٌ من الخارج، وأخرى من الداخل.
الاحتلال لاحقه في كل مكان: من الأردن إلى لبنان، ومن تونس إلى رام الله. لكن الأصعب من العدو كان الصديق الذي خانه، والرفيق الذي باعه، والذين تسلّلوا إلى الثورة بأسماءٍ مستعارة ليغرسوا خناجرهم في قلبها.

كان عرفات، في كل محطّاته، يرى كيف تتسلّل العمالة إلى الصفوف تحت راياتٍ وطنية، وكيف تحوّلت الثورة من مشروع تحريرٍ إلى مسرح صفقات.
حين اشتدّ الحصار عليه في بيروت عام 1982، قالها بمرارة: "يريدون أن يطردوني من بيروت كما طردوني من عمّان، لكني لن أخرج إلا شهيداً أو منتصراً."
خرج من بيروت مرفوع الرأس، لكنه حمل معه جرحاً عميقاً؛ جرح الرفاق الذين باعوه ليفتحوا أبواب التفاهم مع العدو.

ومع توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، بدا أن الحلم يتحوّل إلى دولة، لكن الحقيقة كانت أكثر مرارة.
أوسلو لم تُعِد لعرفات الوطن، بل أعادته إلى سجنٍ كبيرٍ اسمه رام الله.
صار رئيساً محاصراً في المقاطعة، محاطاً بمن سماهم "الأبناء"، لكن كثيراً منهم كانوا أدواتٍ في يد الاحتلال.
كان يعرف أنهم ينقلون أنفاسه، ومكالماته، وطعامه.
كان يعرف أنّ الموت قادمٌ لا محالة، لكنه اختار أن يبقى؛ اختار أن يُحاصَر في وطنه على أن يعيش مكرّماً خارجه.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر عام 2004، جاء الغدر على هيئة مرضٍ غامض.
سمٌّ تسلّل إلى جسده كما تسلّل الخنجر إلى الثورة يوماً.
سقط القائد الذي لم يسقط في معركة، وسقطت معه مرحلةٌ من أنبل مراحل الكفاح الفلسطيني.
لم تُكشَف الحقيقة بعد، لكن الجميع يعرف: ياسر عرفات(أبو عمار) لم يمت، بل اغتيل.
اغتاله من خاف من صلابته، ومن ضاق بصوته، ومن أراد لفلسطين أن تُفرّط في آخر رموزها.

رحل ياسر عرفات(أبو عمار)، لكن ظلَّه بقي يطوف في الأزقة والمخيمات.
بقيت كوفيته راية، وصوته في الميادين نداء: "على القدس رايحين، شهداء بالملايين."
كان مؤمناً أنّ الثورة فكرةٌ لا تموت، وأنّ الشعب الذي يحبّ الحرية لا يُهزم، مهما تكاثر عليه الغدر.

اليوم بعد أكثر من عقدين على رحيله، ما زالت الأسئلة مفتوحة، والوجع حاضراً:
من الذي دسّ السم؟ من الذي سلّم المقاطعة للجلاد؟ من الذي تآمر مع العدو لينهي حياة قائدٍ رفض الانحناء؟
قد لا تأتي الإجابة، لكنّ التاريخ لا ينسى.
سيكتب أنّ ياسر عرفات (أبو عمار) كان آخر من آمن أنّ البندقية يمكن أن تكون شريفة، وأنّ الخيانة يمكن أن تلبس الكوفية وتتكلّم بلسان الوطن.

اليوم تحتفل حركة "فتح" باغتيال قائدها الأول، على يد قادتها الحاليين، بحسب روايتهم أنفسهم عن السمّ الذي وُضع له في الطعام.
حركةٌ قضى معظم قادتها بتصفياتٍ داخلية، وقتلت من أبناء الشعب الفلسطيني في المخيمات أضعاف ما قتلت من العدو، نتيجة انقساماتها وصراعاتها وسرقة الطلقة التي لم تُطلَق، لتنسبها لنفسها وتعيش على إنجازات الآخرين.
اختطفت الشعب الفلسطيني في سياقها لأكثر من ستين عاماً، وما تزال الخنجر المسموم في خاصرته.
إحدى وعشرون سنة من الاحتفال باغتياله... ومن الاستماتة في الدفاع عن قاتليه.

وربما كانت مأساته الكبرى أنه أحبّ فلسطين أكثر من نفسه، وأحبّ شعبه حتى حين خانه بعضه.
رحل جسداً، لكنه بقي وطناً حيّاً في ذاكرة كلّ من لا يزال يؤمن بأنّ الحرية لا تُشترى، وأنّ القائد الذي مات واقفاً لا يُدفن إلا في قلوب شعبه.



*محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حينَ يبكِي التُّرابُ: مرثِيّةُ وطنٍ أَثقلتهُ الحُرُوبُ وتخلّ ...
- في غزة... هزيمةٌ مُذلّةٌ للمجتمع الدولي وحقوق الإنسان!
- غزة… وسام الحياة في زمن الخذلان!
- حين يُصبحُ الوطنُ قبراً
- كلّما عاهدوا عهداً... نبذه فريقٌ منهم!
- غزّة والفاشر.. وجهان لمأساةٍ واحدة!
- الخائن يُستَخدم ثم يُرمى: تأملات في زمن الانكسار الفلسطيني!
- غزة.. مرآة الكرامة في زمن التصفيق!
- غزّة... من قصف البيوت إلى قصف الحقيقة!
- المحررون خلف الأبواب المغلقة: خذلانٌ عربيّ يلاحق الأسرى بعد ...
- الشجاعة في غزة.. حين يصبح الخوف رفيقاً لا يفارق!
- الذين خانُوا غزّة... سقطُوا من ذاكرة الوطن!
- عبّود بطاح: الوجه الحيّ للمقاومة بعد حنظلة!
- لم تنتهِ الحكاية بعد.. غداً تطير العصافير يا غزة!
- غزّة... آخِرُ ما تبقّى من شرفِ الأُمّةِ!
- غزّة... حين تسقط الأقنعة!
- غزة تصرخ… وصمت الأخوة يقتلها!
- غزة… الجرح الذي يفضح إنسانيتنا!
- غزة لم تنكسر!
- غزة… المدينة التي نامت على رمادها وحدها!


المزيد.....




- حصريا لـCNN: بريطانيا تعلق التعاون الاستخباراتي مع أمريكا بش ...
- مستوطنون إسرائيليون يشعلون حريقا في بلدة بالضفة الغربية مع ت ...
- الحزب الشعبي الإسباني يعقد أول اجتماع له في مليلية ويقول إنه ...
- إسبانيا: مطالب بمساءلة الحكومة حول -مركزي احتجاز مهاجرين- في ...
- دراسة مموّلة من ألمانيا: الجيش الموريتاني -شديد التسييس- ودو ...
- الشرع في واشنطن.. الغولف بعد السلة؟
- الجيش الإسرائيلي يعتقل مستوطنين بعد هجمات واسعة على قرى فلسط ...
- رئيس كولومبيا: أمرت أجهزة استخبارات إنفاذ القانون بتعليق جمي ...
- حقوقيو تونس يطلقون -صرخة فزع- بعد تعليق نشاط 17 منظمة
- إيران تفكك شبكة تجسس مرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل


المزيد.....

- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - ياسر عرفات... القائد الذي خانته البنادق التي صنعها!